عودة جيمي كارتر

عودة جيمي كارتر

عودة جيمي كارتر

 العرب اليوم -

عودة جيمي كارتر

أمير طاهري

منذ أن بدأت دراسة السياسات الدولية، والمعلقون يشبهون النظام العالمي، في أي وقت من الأوقات، بالبنية المعمارية التي صممتها قوة رائدة، والتي تعد أيضا بمثابة الضامن للحفاظ على استقرار هذا النظام.
على مدار التاريخ، لعبت القوى الرائدة المختلفة هذا الدور، أمثال الآشوريين والبابليين والفرس والمقدونيين، والرومان قديما، بينما لعب البريطانيون هذا الدور في الآونة الحديثة.
عقب انتهاء الحرب العالمية الثانية، تبنت الولايات المتحدة هذا الدور؛ حيث جرى وضع الأساس لإنشاء منظمة الأمم المتحدة تحت قيادتها، كما كان الحال مع عصبة الأمم التي تشكلت عقب انتهاء الحرب العالمية الأولى. وكانت الولايات المتحدة أيضا هي المعد الرئيس للإعلان العالمي لحقوق الإنسان، والقوة الدافعة لإنشاء مجموعة كبيرة من المنظمات الدولية، بما في ذلك صندوق النقد الدولي، والبنك الدولي، ناهيك عن منظمتي اليونيسكو واليونيسيف، وبالتالي، تمكن النظام الدولي - إلى حد كبير - من الاستمرار بفضل مساندة القيادة الأميركية والتمويل الذي تقدمه، بما مكنه من سن القوانين وتنظيم اللوائح التي تنظم أطر العمل الدولية بشأن كافة المواضيع تقريبا بدءا من الموازين والمقاييس وصولا إلى قواعد الملاحة البحرية والجوية، والملاحة الفضائية حديثا.
على مدى العقود السبعة الماضية، تم إبرام أكثر من 15 ألف معاهدة دولية لتتناول كافة المواضيع التي يمكن أن تتخيلها، وذلك برعاية وقيادة الولايات المتحدة. وساهم انهيار الإمبراطورية السوفياتية، باعتبارها المنافس الرئيس، وإن كانت شريكا في الوقت ذاته - للنظام العالمي آنذاك، في تعزيز دور الولايات المتحدة باعتبارها الضامن للحفاظ على استقرار النظام الدولي.
وبالفعل، استطاعت الولايات المتحدة تحقيق مهمتها كضامن لاستقرار النظام العالمي، واتضح ذلك في مناسبات عدة من خلال قيادة الولايات المتحدة للجهود الدبلوماسية، واستغلالها لقوتها الاقتصادية والثقافية من أجل تحقيق الاستقرار، وكان من بين تلك الجهود المبذولة من جانبها خطة مارشال في أوروبا، وإقامة أنظمة ديمقراطية في غرب ألمانيا، وإيطاليا، واليابان.
وعادة ما نجد أن الجهود الدبلوماسية الأميركية كافية لاحتواء الأزمة، كما كان الحال في أزمة السويس (عام 1956) على سبيل المثال. وقبل عقد من أزمة السويس، استغلت الولايات المتحدة نفوذها السياسي لمنع ستالين من الاستيلاء على اليونان، والمنطقة الشمالية الغربية بإيران. وفي بعض الحالات، تمكنت القوة الأميركية من تحقيق أهدافها من دون إطلاق رصاصة واحدة، كما كان الحال في الجهود المبذولة تحت قيادتها لكسر الحصار المفروض على برلين من جانب السوفيات. ولكن لم تتدخل الولايات المتحدة لدعم الانتفاضات التي شهدتها كل من بولندا والمجر وتشيكوسلوفاكيا جراء الامتيازات الممنوحة لموسكو بموجب معاهدة يالطا - بوتسدام.
ومع ذلك، كانت الولايات المتحدة تلجأ إلى استخدام القوة العسكرية من أجل حماية النظام العالمي، إذا استدعت الضرورة ذلك. وهنا تجدر الإشارة إلى قوات الأمم المتحدة التي تدخلت في شبه الجزيرة الكورية بقيادة الولايات المتحدة لمنع الصين من ضم كوريا الجنوبية إلى الإقطاعية الشيوعية في الشمال التابعة لكيم إيل سونغ، كما تدخلت قوات مشاة البحرية الأميركية أيضا في عشرات الأماكن الأخرى، بما فيها الأردن، ولبنان. وفي الآونة الأخيرة شهدنا التدخلات الأميركية في غرينادا وبنما والكويت وأفغانستان والعراق.
شئنا أم أبينا، لن يكون من قبيل المبالغة التحدث عن نظام عالمي أرست دعائمه الولايات المتحدة، ولكن ماذا يحدث عندما يقرر الضامن الرئيس للنظام العالمي القائم أن يتخلى عن مهمته؟
هذا ما حدث بالفعل بعد انتهاء الحرب العالمية الأولى عندما استسلمت الولايات المتحدة - تلك القوة التي لم تكن تهدف لتلعب دور الضامن الإمبريالي - لسياسة عدم الانحياز. وقد أسفر انهيار النظام العالمي عن عقود من الفوضى، واستيلاء القوى الاستعمارية على الأراضي، فضلا عن اندلاع الكثير من الحروب الإقليمية، ونشوب الحرب العالمية الثانية في نهاية المطاف. وقد ساعدت حقيقة أن العالم آنذاك لم يكن «مُعولما» كما هو عليه الآن، على الحد من تداعيات ذلك الصراع.
وجاءت الفترة الثانية لتخلي الولايات المتحدة عن مهمتها المنوطة بها في السبعينات أثناء فترة رئاسة جيمي كارتر؛ فمن خلال استغلال سذاجة كارتر، أصبح معارضو النظام العالمي في حالة تأهب قصوى من أجل العمل على تقويضه؛ حيث إن الكوارث التي حدثت أثناء ولاية الرئيس كارتر كانت كثيرة للغاية، ومن الصعب أن تحصى بالكامل. وكان من بين تلك الكوارث التوسع الكبير للنفوذ السوفياتي في أفريقيا، وظهور الأنظمة المتعطشة للدماء أمثال منغستو في إثيوبيا؛ والقرار المتخذ بموجب نظام الفصل العنصري بتجريد الملايين من السود بجنوب أفريقيا من جنسيتهم؛ والإبادة الجماعية التي نظمها الخمير الحمر في كمبوديا؛ وضم الصين للأراضي الفيتنامية؛ وتنامي العصابات المسلحة المناهضة لمبادئ ستالين - بدعم من كوبا - في أميركا الوسطى؛ واندلاع أول أزمة تتعلق بأسعار النفط؛ واستيلاء الخميني على السلطة في إيران؛ وشن الهجوم الإرهابي ضد مكة المكرمة؛ والغزو السوفياتي لأفغانستان؛ والقرار المتخذ من جانب الهند وباكستان لتطوير الترسانات النووية.. ما سبق هو على سبيل المثال وليس الحصر.
ولم يكن ضعف الولايات المتحدة هو السبب الوحيد وراء تلك الأحداث، ولكنه ساهم بالتأكيد في خلق جو من عدم اليقين أسفر عن اعتقاد المناهضين للنظام العالمي أنه بإمكانهم ارتكاب خروقات مع الإفلات من العقاب.
وقبل ستة أعوام، عندما فاز الرئيس باراك أوباما في انتخابات الرئاسة الأميركية، كان يخشى البعض منا أن يكون بمثابة نسخة محسنة من جيمي كارتر. واليوم، ما كنا نخشاه أصبح حقيقة، ومن الصعب معرفة السبب وراء تلك التصرفات المتخذة من جانب الرئيس أوباما، فهل يرجع ذلك إلى شعوره بالاستياء العميق حيال الولايات المتحدة، بينما كان في مرحلة شبابه؟ أم أنه لم يكن لديه الخبرة الكافية؟ وربما يعتقد بالفعل أنه من خلال التخلي عن دور القيادة، ستفوز الولايات المتحدة بالمحبة بدلا من الاحترام.
أيا كان السبب وراء ذلك، فإن فشل الرئيس أوباما بشأن عدة قضايا، بدءا من تلك المتعلقة بالبيئة العالمية، مرورا بالمحادثات التجارية مع الاتحاد الأوروبي، وصولا إلى إمكانية احتواء الطموحات الروسية في أوروبا، وكذلك الطموحات الصينية قي أقصى الشرق.. كل ذلك أسفر بالفعل عن تراجع النظام العالمي. وذلك ناهيك عن إخفاقاته الأخرى بشأن عملية السلام في منطقة الشرق الأوسط، والطموحات الإيرانية النووية، والمأساة السورية، وإطالة أمد الحرب في أفغانستان من خلال تحديد موعد للانسحاب الأميركي.
في الواقع، يحتاج الأمر لعقد من الزمن لإصلاح جزء من الأضرار التي ألحقتها سذاجة كارتر بالنظام الدولي، وربما يحتاج إصلاح ذلك الضرر الذي تسبب فيه أوباما لفترة أطول.

 

 

arabstoday

GMT 09:18 2024 السبت ,28 كانون الأول / ديسمبر

عن تحولات الجولاني وموسم الحجيج إلى دمشق

GMT 07:50 2024 السبت ,28 كانون الأول / ديسمبر

«في قبضة الماضي»

GMT 07:48 2024 السبت ,28 كانون الأول / ديسمبر

السوشيال كريديت وانتهاك الخصوصية

GMT 07:40 2024 السبت ,28 كانون الأول / ديسمبر

علاقات بشار التي قضت عليه

GMT 07:39 2024 السبت ,28 كانون الأول / ديسمبر

كَذَا فلْيكُنِ الشّعرُ وإلَّا فلَا!

GMT 07:13 2024 السبت ,28 كانون الأول / ديسمبر

من باب المندب للسويس والعكس صحيح

GMT 07:10 2024 السبت ,28 كانون الأول / ديسمبر

«بيرل هاربر» التي لا تغيب

GMT 07:07 2024 السبت ,28 كانون الأول / ديسمبر

كرد سوريا وشيعة لبنان

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

عودة جيمي كارتر عودة جيمي كارتر



فساتين سهرة رائعة تألقت بها ريا أبي راشد في عام 2024

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 12:44 2024 السبت ,28 كانون الأول / ديسمبر

كنوز السياحة في الاردن تروي تاريخ حضارات قديمة
 العرب اليوم - كنوز السياحة في الاردن تروي تاريخ حضارات قديمة

GMT 10:33 2024 السبت ,28 كانون الأول / ديسمبر

تامر حسني يتألق بحفله الأخير في موسم الرياض
 العرب اليوم - تامر حسني يتألق بحفله الأخير في موسم الرياض

GMT 09:35 2024 الخميس ,26 كانون الأول / ديسمبر

طريقة طهي الخضروات قد تزيد خطر الإصابة بأمراض القلب

GMT 08:59 2024 الجمعة ,27 كانون الأول / ديسمبر

خاسران في سورية... لكن لا تعويض لإيران

GMT 08:06 2024 الجمعة ,27 كانون الأول / ديسمبر

«بنما لمن؟»

GMT 08:54 2024 الجمعة ,27 كانون الأول / ديسمبر

سوريا... الوجه الآخر للقمر

GMT 06:33 2024 الثلاثاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

ايجابيات وسلبيات استخدام ورق الجدران في الحمامات
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab