«داعش» مشكلة للإنسانية جمعاء

«داعش» مشكلة للإنسانية جمعاء

«داعش» مشكلة للإنسانية جمعاء

 العرب اليوم -

«داعش» مشكلة للإنسانية جمعاء

أمير طاهري

كيف يجب أن يعرف المرء تلك الجماعة التي قامت تحت مسميات مختلفة بإحداث مأساة حقيقية في أجزاء من شمال غربي العراق؟ وقبل أن يتكشف المدى الحقيقي لفظاعات تلك الجماعة على مستوى واسع، وصفها البارعون في المصطلحات السياسية السليمة بـ«المسلحين». وفي مستهل فترته الرئاسية وصف الرئيس باراك أوباما رواد تلك الجماعة بـ«المتطرفين»، واستحى أوباما من وصفهم بـ«الإرهابيين»، لأن ذلك هو المصطلح الذي استخدمه جورج بوش. أما في غرب أوروبا اقترح من لا يزالون يطاردون سراب التعدد الثقافي مصطلحا أكثر لطفا: «مقاتل إسلامي».

إذن هل يعد إبراهيم، الذي نصّب نفسه خليفة، متطرفا ومسلحا إرهابيا أم مقاتلا إسلاميا؟

قد يمكن القول إن أيا من هذه المصطلحات لا تصف بدقة تلك الحركة التي تعمل عبر مسارات تختلف تمام الاختلاف من ناحية آيديولوجية، وتوحي جميع المصطلحات التي استخدمت حتى الآن بوجود طيف من السلوك الذي يمكن فهمه من واقع إنساني، فالمتطرف هو شخص يسعى لتحقيق هدف آيديولوجي بحماس استثنائي عن طريق استثمار ما يفوق وقته الخاص وطاقته في محاولة تحقيق ذلك الهدف. ويوجد المتطرفون في طرفي الطيف الآيديولوجي يمينا ويسارا. وكان ميخائيل غورباتشوف شيوعيا من التيار الرئيسي، بينما كان كيم إيل سونغ في كوريا الشمالية النسخة المتطرفة. ونجد على اليمين الملا محمد علي خاتمي يمثل نسخة التيار الرئيسي لذات الآيديولوجيا التي يؤمن بها الملا محمد عمر المتطرف.

المشكلة بالنسبة لـ«داعش» أنها انفلتت عن كل المدى الذي يمكن تصوره للعمل السياسي، كما أن مصطلح «مسلح» لا يناسب «داعش» أيضا. من الممكن اعتبار رجل أو امرأة ينفق أكثر من جزء معقول من وقته في نشر فكرة أو برنامج سياسي ضمن حدود قواعد السلوك المقبولة، مسلحا، ويوجد أمثال أولئك في جميع الأحزاب السياسية والنقابات المهنية والروابط الثقافية، وهم من يحضرون جميع الاجتماعات ويذهبون من باب لباب لتسويق آيديولوجيتهم ويقضون أيامهم وعطلاتهم وهم يعملون من أجل قضيتهم، وهدفهم هو إحراز نقاط عن طريق العمل الشاق أكثر من غيرهم في إطار المنافسة العادلة.

ولا ينطبق ذلك المصطلح على «داعش» لأنها لا تعترف بأية قواعد سوى تلك التي وضعتها بنفسها، كما أنها لا تريد كسب حجة عبر الجدل الحاد، وهي لا ترغب أيضا في فرض أية وجهة نظر بل في هيمنتها الوحشية العارية.

وكذلك لا يلائم مصطلح «إرهابي» وضع «داعش»، فالإرهابي يحاول بث الخوف في خصومه الذين يطلب منهم تقديم تنازلات معينة. نجد على سبيل المثال أن حركة «إيتا» في إقليم الباسك في إسبانيا كانت تستخدم الهجمات بالقنابل واغتيالات المسؤولين كوسائل لإرغام الحكومة في مدريد على النظر في إمكانية استقلال محافظات إقليم الباسك، لكننا نجد أن «إيتا» لم ترد أن تطيع إسبانيا قواعدها في جميع نواحي الحياة.

من ناحية أخرى استخدمت «داعش» القتل والقتل الجماعي كغاية في حد ذاته، فهي لا تريد إقناع أو حث أو مداهنة أي شخص ليفعل شيئا معينا، فهي تريد كل شيء.

كما أن مصطلح «مقاتل إسلامي» لا ينطبق بالمثل على «داعش»، فالمقاتل الإسلامي هو المسلم الذي يقاتل كافرا معاديا يحاول منع المسلمين من ممارسة عبادتهم، ناهيك عن إجبارهم على تغيير دينهم.

وتقتل «داعش» الناس لمجرد وجودهم كبشر، على كل حال قتلت «داعش» من المسلمين في سوريا والعراق أكثر مما قتلته أية جماعة دينية أخرى. كما قد يُعد المسلم الذي يقاتل ضد احتلال أرضه بواسطة سلطة معادية، مقاتلا إسلاميا، كما هو الحال بالنسبة للبعض في الشيشان، وحتى هناك لا مكان للقتل العشوائي كما تمارسه «داعش».

إذن إن لم ينطبق أي من المصطلحات التي نوقشت أعلاه على «داعش»، فكيف لنا أن نعرف ظاهرة كتلك التي صنعت حتى «القاعدة»، وطالبان، وبوكو حرام، والعصابات الخمينية التي تبدو «معتدلة» بالمقارنة؟

واجه المجتمع الدولي مسألة مشابهة في القرن الـ18 عندما تصرف القراصنة بوصفهم جهات منفذة للقانون متجاهلين حتى أبسط المعايير الأساسية للتفاعل الإنساني.

ونوقشت تلك المعضلة نقاشا مستفيضا تمخضت عنه معاهدة أوتريخت عام 1713 ومعاهدة راستات عام 1714. وحتى يجرى تعريف القراصنة الخارجين على القانون أنشئ مفهوم قضائي جديد: «الجريمة ضد الإنسانية»، ووصف من يرتكبون تلك الجرائم بـ«أعداء الإنسانية».

ويعني ذلك أن من يدانون بارتكاب تلك الجرائم يعدون خارج تغطية القانون الجنائي، بل وحتى قوانين الحرب، فقد وضعوا أنفسهم خارج إطار الإنسانية بتصرفهم كالوحوش الضارية.

وخلال القرن الـ18 استخدمت بريطانيا مفهوم مطاردة القراصنة عبر العالم، وخصوصا في منطقة البحر الكاريبي، ولجأ الرئيس الأميركي الثالث توماس جيفرسون إلى المفهوم ذاته لتبرير إرساله حملة لإنهاء القراصنة في الجزائر، كما استخدم الحلفاء المفهوم ذاته لمحاكمة قادة النازية في محاكم نورمبيرغ.

وخلال السنوات العشر الماضية أشارت الأمم المتحدة إلى المفهوم ذاته في سلسلة محاكمات خاصة بجرائم القتل الجماعي التي ارتكبتها جماعة «الخمير الحمر» في كمبوديا.

تمثل «داعش» زواج العدمية والجرائم ضد الإنسانية، وكقراصنة الماضي استقطبت «داعش» المجرمين من مختلف الجنسيات. ويقدر الاتحاد الأوروبي أن ألفين من مجموع مقاتلي «داعش» الـ10 آلاف هم من مواطني دول الاتحاد الأوروبي، وهناك أيضا الطاجيك والأوزبك والباكستانيين والروس من داغستان، ولأن «داعش» لا تريد أي شيء محدد فلا يمكن إجراء مفاوضات معها، ولأنها لا تعترف بأية قوانين حتى قوانين الإسلام، فليس هناك من سبب يدعو للتعامل معها بلطف وأسلوب قضائي.

و«داعش» ليست مشكلة عراقية أو سورية أو لبنانية، بل مشكلة للأسرة الإنسانية بأكملها، وهي ليست عدوا لأي دين معين أو طائفة أو حكومة بعينها، إنها عدو للإنسانية وتستحق أن تعامل وفقا لذلك.

 

arabstoday

GMT 01:09 2024 الأربعاء ,22 أيار / مايو

إيران... الرئاسة مرآة القيادة

GMT 01:07 2024 الأربعاء ,22 أيار / مايو

على أي رف...؟

GMT 01:04 2024 الأربعاء ,22 أيار / مايو

مجرمون... ولكن!

GMT 01:02 2024 الأربعاء ,22 أيار / مايو

ألغاز أخرى في حرب غزة الخامسة

GMT 00:59 2024 الأربعاء ,22 أيار / مايو

الجنائية الدولية... مساواة متجنية؟

GMT 00:57 2024 الأربعاء ,22 أيار / مايو

في مديح اتفاق «17 مايو»

GMT 00:51 2024 الأربعاء ,22 أيار / مايو

البحث عن خطاب الشيخ العيسى

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

«داعش» مشكلة للإنسانية جمعاء «داعش» مشكلة للإنسانية جمعاء



 العرب اليوم - ظافر العابدين يعود الى دراما رمضان بعد طول غياب

GMT 04:42 2024 الإثنين ,20 أيار / مايو

قمة البحرين

GMT 00:24 2024 الثلاثاء ,21 أيار / مايو

نسيج العنف... ما بعد حرب غزة؟

GMT 10:42 2024 الإثنين ,20 أيار / مايو

إطلالات تراثية ملهمة للملكة رانيا

GMT 10:49 2024 الإثنين ,20 أيار / مايو

افكار تساعدك لتحفيز تجديد مظهرك

GMT 10:36 2024 الإثنين ,20 أيار / مايو

أنواع وقطع من الأثاث ينصح الخبراء بتجنبها

GMT 08:58 2024 الإثنين ,20 أيار / مايو

مفاجآت كبيرة في فيلم "الست" لمنى زكي
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab