دستوران طريقتان مختلفتان لنموذجين متغايرين

دستوران.. طريقتان مختلفتان لنموذجين متغايرين

دستوران.. طريقتان مختلفتان لنموذجين متغايرين

 العرب اليوم -

دستوران طريقتان مختلفتان لنموذجين متغايرين

أمير طاهري

كان يوم الثلاثاء الماضي هو الذكرى السنوية الثالثة للثورة التونسية التي أدت إلى رحيل الرئيس زين العابدين بن علي. وعلاوة على ذلك، أدت تلك الثورة إلى اندلاع ثورات مماثلة في دول أخرى بمنطقة الشرق الأوسط، وعلى وجه الخصوص في ليبيا ومصر وسوريا. ومن خلال البحث عن وصف مختزل لما كان يحدث، توصل بعض الخبراء إلى تسمية تلك الأحداث بمسمى «الربيع العربي» من خلال استرجاع أحداث «ربيع براغ» في ستينات القرن الماضي عندما ظهر أن الشيوعية في طريقها للتهاوي والسقوط. وفضلا عن ذلك، فإن هذا التعبير يعيد إلى الأذهان «الربيع» الذي حدث سابقا في عام 1984 في أوروبا حينما شهدت العديد من الدول، ومن بينها فرنسا وبروسيا، اضطرابات ثورية. وعلى الرغم من ذلك، يفضل الخبراء الآخرون استخدام مصطلح «النهضة الإسلامية»، حيث يرجع ذلك جزئيا إلى إثارة تلك الأحداث لنفس الصدى الذي صاحب الأسطورة الخاصة بالقرن التاسع عشر وهي «النهضة». وإحدى المشكلات التي تتعلق بهذين الوصفين هي التظاهر بوصف أحداث مختلفة على نطاق واسع باستخدام أداة تحليلية واحدة. والأدهى من ذلك هو محاولة ربط هوية بأحداث لم يكتمل مسارها بعد. ومن ثم، لم يُطلق مسمى النهضة الأوروبية في اليوم المفترض فيه بدايتها في فلورنسا، بل كان أول استخدام لهذا المصطلح بعد مرور قرنين من الزمان. وعلاوة على ذلك، لم تبدأ الثورة الفرنسية، ناهيك عن عدم انتهائها، في ذكراها الرسمية في 14 يوليو (تموز). وعلى أي حال، فإن اللافت للنظر عند الحديث بشأن الأحداث الأخيرة التي وقعت في منطقة الشرق الأوسط هو ارتباطها بشكل ضئيل بمسألة العروبة أو الإسلام. ففي هذا الصدد، لم يكن التونسيون الذين تحدوا دولتهم البوليسية يطالبون بالحصول على المزيد من الأمور المتعلقة بالدين لحرية الدينية، حيث إنهم كانوا مسلمين بالفعل. وبالإضافة إلى ذلك لم يطالب التونسيون بالحصول على الهوية العربية بشكل أكثر، حيث إنهم كانوا بالفعل مواطنين عربا مثلما كانوا يرغبون. أظهرت الانتخابات التالية التي انعقدت في العديد من الدول، بما في ذلك الأردن والعراق والمغرب - وهي دول لم تتأثر بشكل مباشر بتلك الأحداث - أن مسألة العروبة أو الإسلام السياسي لا يمكنها ضمان الحصول على الأغلبية المطلقة من أصوات الناخبين. ووفقا لذلك، حصل الإسلاميون على نحو خُمس أصوات جمهور الناخبين، كما أن نسبة المنادين بالقومية العربية لم تكن أفضل حالا. ولذلك، هل توجد طريقة مختلفة للنظر إلى الأحداث التي وقعت خلال السنوات الثلاث الماضية؟ نعم.. أعتقد ذلك. ولكن قبل الوصول إلى تلك النقطة، دعنا نزل الغموض عن بعض المفاهيم التي يمكن أن تسبب الحيرة والالتباس. إن حقيقة كون اللغة العربية هي اللغة الرئيسة في الدول المعنية لا تعني أن جميع تلك الدول لديها ثقافة وتركيبة سياسية مماثلة. دعنا نسأل أنفسنا سؤالا: ما هي أكثر الدول التي يتحدث سكانها اللغة الإنجليزية بعد الولايات المتحدة، في ضوء تعدادها، على مستوى العالم؟ وبالطبع، لن تكون تلك الدولة هي بريطانيا العظمى. إنها دولة الفلبين. ومع ذلك يحاول القليل من الأشخاص فهم أرخبيل السياسة من خلال منشور اللغة فقط. وعلى الرغم من ذلك، نجد أن دولا مثل كندا وأستراليا والولايات المتحدة، التي لديها رابط لغوي مشترك، بها تكوينات وثقافات سياسية مختلفة. ولا يمكن للشخص تفهم السياسة الخاصة بتلك الدول من خلال مجرد الإشارة إلى حقيقة استخدامهم للغة الإنجليزية. لا يضمن الرابط اللغوي المشترك تحقيق الوحدة السياسية، حيث إننا نرى الآن مطالبة اسكوتلندا بالاستقلال عن المملكة المتحدة. وفي السياق نفسه، لا تكون الإشارة إلى الدين أمرا كافيا لفهم سياسة أي دولة. فعلى سبيل المثال، تعد كل من النرويج وزيمبابوي دولتين ذاتي أغلبية مسيحية. يعترف الاتحاد الأوروبي رسميا بـ22 جماعة إثنية. وتضم هذه الجماعات الأشخاص الذين لديهم غالبا نفس الديانة واللغة ويشاركونها مع جماعة أكبر داخل نفس الدولة، بيد أنهم يستمرون في المطالبة بالحصول على هوية خاصة بهم. ومن الأمثلة على ذلك جماعة الكتالونيين والباسكيين في إسبانيا والكورسيكيين في فرنسا والفريزيين في الدنمارك. عندما نأتي للحديث عن عامل الإسلام لا تختلف الصورة كثيرا. أي شخص سيحاول فهم سياسة بنغلاديش والعراق، على سبيل المثال، من خلال الإشارة إلى الإسلام وحده، لن ينجح في هذا الأمر. تتشكل الدول، بوجه عام، والدول القومية، على وجه الخصوص، من خلال العديد من العوامل الجغرافية والجيوسياسية والتاريخية والميثولوجية والثقافية. ومثلما هي الحال بالنسبة لكل لغة من اللغات، فإن كل دولة لها تركيبتها السياسية التي لا يمكن فهم تلك الدولة من دونها. وبجانب عاملي اللغة والدين، توجد عوامل أخرى مشتركة، على المستوى التاريخي، بين تونس ومصر، بما في ذلك خضوعهما تحت حكم الدولة الفاطمية والإمبراطورية العثمانية، وكذلك الحكم الاستعماري الأوروبي. وعلى الرغم من ذلك، فعند توضيح عوامل التشابه فإن تلك الصلات لا تجعل الدولتين متماثلتين. فتونس هي تونس، ومصر هي مصر. وفي الوقت نفسه، جرى تسليط الضوء على هذه النقطة في ضوء الاستفتاء على مسودتي الدستور في كلا البلدين، حيث توجه المصريون للموافقة على مسودة دستورهم منذ يومين وسيتوجه التونسيون للغرض نفسه قريبا. كانت التجربة المصرية مدفوعة بالرغبة في تجنب وجود مخاطر بشأن ما يعده الأشخاص الذي وضعوا مسودة الدستور المقترح تهديدا لـ«أمن الدولة». يعد الدستور المقترح محاولة واضحة لاستعادة ما أطلق عليه عمرو موسى «المظاهر الإيجابية» للجمهورية التي أسسها الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، والتي استمرت خلال فترة حكم أنور السادات وحسني مبارك. لقد انتهت الثورة، وحان الآن الوقت لعودة الإصلاح. اشتمل الاستفتاء المصري على أهداف غير معلنة: توفير شرعية شعبية لإدارة الفريق أول عبد الفتاح السيسي، على أمل القضاء على جماعة الإخوان المسلمين وإضفاء الموافقة الشعبية على ذلك. وفي النهاية، فإن المسودة مصممة للتأكيد مجددا على الوضع الخاص الذي تأمل القوات المسلحة في الاحتفاظ به في السياسة المصرية. وعلى الرغم من ذلك، فإن مسودة الدستور التونسي مدفوعة بمخاطرة غير متوقعة من مجتمع محافظ بشكل كبير. ويعتبر هذا الأمر حقيقيا، لا سيما في ما يتعلق بمسألة الإجراءات الأنثوية الجوهرية التي وُضعت بهدف منح المرأة التونسية نسبة مشاركة في السلطة لم تكن تحصل عليها المرأة حتى في الدول الغربية الديمقراطية. وعلى العكس من مسودة الدستور المصري التي ستؤدي إلى تقوية الجهاز التنفيذي، يعتبر الدستور التونسي مصمما لزيادة سلطات الأجهزة التشريعية والقضائية، وهو ما يعتبر أمرا جديدا في الثقافة السياسية بمنطقة الشرق الأوسط. تهدف المسودة المصرية إلى استعادة سلطة أجهزة الدولة في سياق نظامي جديد. وعلى النقيض من ذلك، يعد نص مسودة الدستور التونسي مصمما لتقوية المجتمع المدني ضد آلية الدولة. وسيوضح المستقبل ما إذا كان الدستوران منفذين بالفعل على أرض الواقع أم لا. بيد أنه في حال تنفيذهما، فمن المؤكد أنهما سيؤديان إلى نوعين مختلفين من المجتمعات. وفي هذا الأسبوع، ظهر أنه من الممكن أن تؤدي الأحداث المتشابهة إلى نتائج مختلفة بشكل كبير. وبناء على ذلك، هل يكون من غير المحتمل اقتراح عدم وجود «الربيع العربي» و«النهضة الإسلامية»؟ إذا كانت الإجابة نعم، فما هو الذي كان موجودا؟ الإجابة هي أننا كانت لدينا سلسلة من النماذج السياسية صارت غير مفيدة و«فات أوانها»، لأسباب مختلفة، ومن ثم باءت بالفشل. وقد اندثرت تلك النماذج بطرق مختلفة، وفي بعض الحالات، مثل سوريا، ما زال الأمر معلقا.  

arabstoday

GMT 06:56 2024 الجمعة ,11 تشرين الأول / أكتوبر

المجلد الأول

GMT 06:54 2024 الجمعة ,11 تشرين الأول / أكتوبر

تخريب مشروع إنقاذ لبنان

GMT 06:52 2024 الجمعة ,11 تشرين الأول / أكتوبر

الأسطورة عندما تُواجهُ أسطورةً مشابهة!

GMT 06:49 2024 الجمعة ,11 تشرين الأول / أكتوبر

محمود حسن إسماعيل.. والغناء خارج السرب

GMT 06:45 2024 الجمعة ,11 تشرين الأول / أكتوبر

المقاومة أم الإرهاب: أهمية الجرعة

GMT 06:42 2024 الجمعة ,11 تشرين الأول / أكتوبر

اللغة الفرنسية.. مرة أخرى!

GMT 06:39 2024 الجمعة ,11 تشرين الأول / أكتوبر

الأزهر الشريف وما يسمى «الديانة الإبراهيمية»

GMT 06:37 2024 الجمعة ,11 تشرين الأول / أكتوبر

السلام من رحم الحرب؟!

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

دستوران طريقتان مختلفتان لنموذجين متغايرين دستوران طريقتان مختلفتان لنموذجين متغايرين



درة تكشف عن إطلاق علامتها التجارية وأسرارها في عالم الموضة

الرياض ـ العرب اليوم

GMT 11:36 2024 الجمعة ,11 تشرين الأول / أكتوبر

مقتل جنديين شمالًا وإسرائيل تحذر من عملية تسلل محتملة
 العرب اليوم - مقتل جنديين شمالًا وإسرائيل تحذر من عملية تسلل محتملة

GMT 04:20 2024 الجمعة ,11 تشرين الأول / أكتوبر

اختبار جديد قد يحدث ثورة في التشخيص المبكر لمرض ألزهايمر

GMT 02:54 2024 الخميس ,10 تشرين الأول / أكتوبر

تفكيك شفرة نشر «قوات أفريقية» في السودان

GMT 13:36 2024 الخميس ,10 تشرين الأول / أكتوبر

فيفا يتخذ قرارًا رسميًا بشأن بوبيندزا

GMT 10:55 2024 الخميس ,10 تشرين الأول / أكتوبر

حياة عادل امام بعد الاعتزال وكيف يقضي ايامه بدون الاضواء

GMT 08:04 2024 الخميس ,10 تشرين الأول / أكتوبر

10 وجهات سفر بأسعار معقولة يمكنك زيارتها

GMT 03:52 2024 الجمعة ,11 تشرين الأول / أكتوبر

فصائل عراقية مسلحة تعلن مهاجمة "هدف حيوي" في إيلات

GMT 07:41 2024 الخميس ,10 تشرين الأول / أكتوبر

ليفربول يخطط للإطاحة بصلاح ويتعاقد مع لاعب جديد

GMT 08:35 2024 الخميس ,10 تشرين الأول / أكتوبر

زلزال بقوة 4.6 درجة يضرب الأرجنتين

GMT 09:10 2024 الخميس ,10 تشرين الأول / أكتوبر

قطر تُخطط لإعفاء القروض لدعم ازدهار القطاع الخاص
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab