هل يجب التعامل مع كتابة التاريخ على أنه مشروع حكومي؟ يبدو أن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ونظيره الجزائري عبد المجيد تبون يعتقدان ذلك. لقد أمرا للتو بتشكيل لجنة مشتركة لكتابة تاريخ العلاقات بين البلدين منذ أن ضم الفرنسيون ذلك الشريط بشمال أفريقيا عام 1832.
ماكرون وتبون ليسا أول الحكام الذين يسعون إلى توثيق رواية تم التحقق منها وباتت معتمدة رسمياً في تاريخنا البشري. ومع ذلك، فإن قضيتهما فريدة لأن الحكام الآخرين أرادوا فقط أن يخبروا العالم بالجانب الذي يخصهم من القصة، بينما يطالب ماكرون وتبون بصوتين من المفترض أن يكونا متوازيين في
هناك فرق واحد آخر بين التواريخ الرسمية القديمة وما قد نراه هذه المرة، فغالباً ما عُرضت التواريخ الرسمية القديمة بالتواضع الذي تستحقه ككرونولوجيا (تقسيمات زمنية). ولأنهما حملا عبئاً ثقيلاً من السيرة، فلم يتظاهرا أبداً بكونهما علميين. فماكرون وتبون بالطبع لا يبحثان عن أدوات لبناء عبادة شخصية. ومع ذلك، قد يبحثان عن شيء أقل وقاراً وهو عرض التاريخ بقدر من الصواب السياسي الحالي.
لقد أظهر ماكرون بالفعل هذه الألوان بالقول إن الاستعمار كان «جريمة ضد الإنسانية»، فيما ذهب بنجامين ستورا، المؤرخ المختار لتمثيل الجانب الفرنسي، أبعد من ذلك بوصفه الاستعمار بأنه «عنيف وغير متكافئ وغير قانوني».
من جانبه، اعتبر تبون الجزائر ضحية عاجزة وبريئة للإمبريالية.
لكن ما لا يدركه ماكرون، أو ربما تعمد أن يتجاهله، هو أنه نظراً لأن الاستعمار كان سمة ثابتة للتاريخ منذ البداية، فقد نقول إن البشرية عاشت دائماً في سياق جريمة ضد الإنسانية. فعندما قاموا بغزو غول، كان الفرنجة، وهي قبيلة جرمانية، مستعمرين أخضعوا السكان الأصليين بالقوة وفرضوا لغتهم وثقافتهم عليهم وانتهى بهم الأمر بإعطاء اسمهم للبلد الذي استعمروه. حتى عشية الثورة الفرنسية، كان 12 في المائة فقط من السكان يتحدثون الفرنسية كلغة أم، على الرغم من أن معظمهم استخدموها كلغة مشتركة.
على أي حال، فإن مفهوم الجريمة ضد الإنسانية هو مفهوم جديد بعد أن تبلور في أعقاب الحرب العالمية الثانية وتطبيقه بأثر رجعي سيكون مربكاً في أحسن الأحوال وغير أمين في أسوأ الأحوال.
قد يرغب الرئيس تبون أيضاً في إعادة التفكير في رواية مظلوميته. إن الإيحاء بأن الشعب الجزائري، في تنوعه الغني، لم يكن يمثل سوى ممتلكات في تاريخه الذي دام 130 عاماً ليس بالأمر الجذاب.
لم يكن باستطاعة الفرنسيين استعمار الجزائر بدون مشاركة أعداد كبيرة، وربما حتى غالبية السكان. فقد ساعد عشرات الآلاف من الجزائريين من جميع الأعراق الفرنسيين في بناء البنية التحتية اللازمة لوجود استعماري. فالجزائر مدينة جميلة على الطراز الفرنسي بناها العمال الجزائريون تحت إشراف الفرنسيين.
وعلى مدار عقود، خاضت أعداد كبيرة من الجزائريين الذين خدموا في الجيوش الفرنسية حربين عالميتين وعدداً من الحروب الاستعمارية، ولا سيما في الهند الصينية. في غضون ذلك، تبنى الجزائريون من جميع الأعراق الفرنسيةَ لغةً قوميةً، ما خلق أدباً وصحافة ثرية. وقد أبلغني الأصدقاء الجزائريون أنهم اعتبروا اللغة الفرنسية «غنيمة حرب»، ربما نفس الحال بالنسبة للغة الإنجليزية التي جعلت الهند أكبر دولة ناطقة بالإنجليزية في العالم.
لا ينبغي أن تكون كتابة أو إعادة كتابة التاريخ وسيلة لجعل الفرنسيين اليوم يشعرون بالذنب أو إذلال للجزائريين.
يقول ستورا إن مشروع ماكرو - تبون يهدف إلى التوفيق بين الذكريات، ويعني هذا فرض رواية واحدة أحادية، بدلاً من تعزيز المصالحة، ويمكن أن يضرّ بالذاكرة الجمعية. إن أتباع الجزائر الفرنسية المنكوبين بالحنين إلى الماضي، و«الحركيين» الذين طردوا من منازلهم وباتوا عديمي الجنسية لعقود، وأجيال المستوطنين الأوروبيين الذين ولدوا وترعرعوا في الجزائر، أو ما يطلق عليهم «الأقدام السوداء» لم تكن لها نفس ذكريات آلاف الأحرار من المقاتلين الجزائريين الذين تعرضوا للتعذيب على يد الفرنسيين أو كثير من الفلاحين القبليين والعرب الذين أُحرقت قراهم من قبل المستعمرين.
وللحفاظ على سرد قصة المظلومية، حاول القادة الجزائريون المتعاقبون صرف الانتباه عن أوجه القصور الخاصة بهم كي لا يذكروا الأفعال الخاطئة. فأثناء تغطية مشكلات التسعينات في الجزائر، يقول ستورا، غالباً ما أخبرني السياسيون الجزائريون من جميع الطوائف أن جميع مشكلات بلادهم بما في ذلك الإرهاب باسم الدين ووحشية الشرطة كانت بسبب الحكم الاستعماري الفرنسي. وبعد فترة، بعد أن سئمت من تلك الحماقات، اقترحت على المحاورين الجزائريين تحديد تاريخ معين كان فيه كل شيء خطأ الفرنسيين، ولكن بعد ذلك أعتبر الجزائريين مسؤولين عن مشكلاتهم الخاصة، بحسب ستورا.
بعد عقدين تقريباً، لم يذهب هذا الاقتراح إلى أي مكان، فقد تم تصميم المشروع الجديد جزئياً «لاستكشاف الجذور الاستعمارية لمشكلات الجزائر الاقتصادية والاجتماعية» كما لو أن ستة عقود من الاستقلال لم تحسب.
هل يمكن للحكومات أن تلعب دوراً في كتابة التاريخ؟ الجواب نعم. أول شيء يجب عليهم فعله هو الامتناع عن محاولة إملاء التاريخ. بعد ذلك، يمكنهم جعل أرشيفهم في متناول الباحثين، ويمكنهم أيضاً تخفيف قواعد «كتمان الأسرار الرسمية» لجعل أكبر عدد ممكن من الوثائق «الحساسة» متاحة للتدقيق.
يمكن أن تساعد المقابلات مع المسؤولين أيضاً، بشرط ألا يخضعوا لأوامر التزام الصمت. في بعض الحالات، وخاصة في المجتمعات المغلقة، يمكن أن يساعد منح التأشيرات للمؤرخين أيضاً في تحقيق هذا الغرض.
الأهم من أي شيء أنه يجب على الحكومات ألا تستخدم كتابة التاريخ وسيلة لتحقيق أهداف سياسية حزبية، نبيلة أو مخزية. إن القول بأن الهدف من مشروع ماكرون تبون هو «المصالحة» هو استغلال للتاريخ من أجل هدف سياسي جدير بالثناء. إذا كانت فرنسا والجزائر بحاجة إلى المصالحة، فيجب على ماكرون وتبون إيجاد طرقهما لتحقيق هدفهما، وترك التاريخ وحده للقيام بعمله.
على أي حال، بصفتي شخصاً غريباً ولكن صديقاً لكلا الجانبين، لا أعتقد أن فرنسا والجزائر بحاجة إلى المصالحة حيث وفّر ملايين المواطنين الفرنسيين من أصل جزائري رابطاً بشرياً نادراً بين الدولتين.
لم يكن كثير من الفرنسيين اليوم الذين تحدر كثيرون منهم من نسل المهاجرين الأوروبيين وغيرهم في القرن الماضي جزءاً من الغزو، وبالتالي ليس لديهم ما يعتذرون عنه، ما لم يعتذر الألمان اليوم أيضاً عن غزو غول من قبل الفرنجة. إن الجزائريين اليوم ليسوا بحاجة إلى التنكر للمظلومية، لأنهم ينظرون إلى المستقبل، ولا يريدون أن يصبحوا أسرى الماضي.