بقلم - أمير طاهري
في تصريحاته الأولى حول السياسة الخارجية، خرج علينا رئيس الجمهورية الإسلامية الجديد الدكتور آية الله إبراهيم رئيسي، بتصريحين؛ الأول أنه سيكون الحكم النهائي في علاقات طهران الخارجية، وثانياً، أن أولويته القصوى هي «إقامة علاقات وثيقة مع الجيران» وتعزيز السلام والاستقرار في غرب آسيا. (يستخدم الملالي الآن مصطلح غرب آسيا الذي روّج له الاتحاد السوفياتي، بدلاً من الشرق الأوسط الذي يعدّونه مصطلحاً صاغته «القوى الكافرة»).
ورغم ذلك، بعد أسبوع فقط من ولايته، يبدو أنه من الصعب العثور على دليل يدعم تصريحات إبراهيم رئيسي. صحيح أن وزير الخارجية الإسلامي الجديد أمير عبد الله ليس محمد جواد ظريف بأسلوبه المتوهج وطموحاته الشخصية وأصدقائه الأميركيين الأقوياء، وبالتالي فهو ليس في وضع يسمح له بالتفكير في تعديل أوامر رئيسه.
ومع ذلك، لم ينجح الرئيس إبراهيم رئيسي في فرض ولو بعض الانضباط على بضع مئات من الملالي والجنرالات الذين يشكّلون جوهر النظام. وهكذا يستمر الملا من الخلف والجنرال الذي لم يشهد معركة إلا على شاشات التلفزيون، في الإدلاء بتعليقات السياسة الخارجية في الغالب لتهديد الجيران أنفسهم الذين يأمل الدكتور آية الله رئيسي، بإقناعهم.
والأسوأ من ذلك أن مثل هذه التدخلات تتجاوز مجرد التفجيرات البلاغية. فقط ضعْ في اعتبارك بعض الأحداث التي وقعت في الأيام العشرة الماضية أو نحو ذلك.
ألقى الأمن الباكستاني القبض على ثلاثة رجال، تم تحديدهم بأنهم «مواطنون إيرانيون»، ووفقاً لمصادر إسلام آباد، فقد أُلقي القبض على أعضاء في «فيلق القدس» بتهمة التآمر لقتل 25 مهندساً صينياً، وذلك بزرع قنبلة على جانب طريق بالقرب من ميناء «جوادر» الباكستاني على «خليج عُمان»، وقد أدت المؤامرة المزعومة إلى مقتل الكثير من الأطفال البلوش.
قبل أيام قليلة، شنت وحدات من «الحرس الثوري» الإيراني سلسلة من الهجمات المدفعية على 22 قرية في منطقة الحكم الذاتي الكردية في العراق، حيث تزعم طهران أن «الانفصاليين» الأكراد المناهضين لإيران أقاموا عدداً من القواعد.
ولم يتم تحذير سلطات بغداد أو أربيل مسبقاً، بينما وعد «الحرس الثوري» الإيراني بتكرار التمرين المميت. كما جاء استخفاف طهران بالسيادة العراقية بأشكال أخرى، حيث هددت وسائل الإعلام الرسمية بغداد وأربيل بـ«العواقب» ما لم يتم «التعامل» مع منظمي ندوة خاصة أُقيمت حول التطبيع مع إسرائيل. لكن تم تجاهل حقيقة أن هذه الندوة المعنية كانت متوافقة مع الدستور العراقي والقانون العراقي، وقد جرى تجاهل حرية الرأي والتعبير بصورة واضحة.
اضطرت سلطات أربيل إلى التحلي بالحقيقة من خلال الزعم بأنها لا تعرف شيئاً عن الندوة ولن تسمح بأحداث مماثلة في المستقبل، وذهبت سلطات بغداد أبعد من ذلك بإصدار مذكرات توقيف بحق ثلاثة أشخاص؛ أحدهم كان في ألمانيا وقت انعقاد الندوة. جاء الانتهاك الجديد للسيادة العراقية بعد ذلك بقليل وعلى نطاق أوسع بكثير، كانت بغداد قد أعلنت إغلاق حدودها مع الجمهورية الإسلامية كوسيلة للسيطرة على انتشار «كوفيد - 19» الذي يعيث فساداً في إيران.
قيل للحجاج الإيرانيين الراغبين في الذهاب إلى «المدن المقدسة» لدى الشيعة في العراق للاحتفال بذكرى يوم الأربعين لمقتل الإمام الحسين، إن المسافرين جواً فقط هم من يمكنهم الاستغناء عن تأشيرة دخول.
ورغم ذلك، تجمع مئات الآلاف من الزوار والأشخاص الذين يحاولون كسب ربح سريع في أثناء الزيارة عند المعابر الحدودية البرية، وتمكنوا من تفكيك الحواجز والسير إلى الأراضي العراقية لركوب الحافلات المتجهة إلى هذه «المدن المقدسة». وقد شاهد حرس الحدود في الجمهورية الإسلامية «الغزو» وربما حتى ساعدوا في تسريع وتيرته.
على الحدود الشرقية، أغلقت الجمهورية الإسلامية حدودها مع أفغانستان لمنع الآلاف من محاولة الفرار من الوضع الجديد في كابل. ولكن في الوقت نفسه، نُصِح المئات من أعضاء تنظيم «القاعدة» المشتبه بهم وعائلاتهم الذين يعيشون في المنفى في إيران منذ ما يقرب من 20 عاماً، غالبيتهم في منطقة دوست محمد في إقليم سيستان وبلوشستان، بالعودة إلى أفغانستان.
ورغم ذلك، جاء أكبر عرض لـ«حسن الجوار» الذي وعد به الرئيس داخل جمهورية أذربيجان (السوفياتية السابقة) وعلى طول حدودها مع إيران وأرمينيا.
وتتألف ما وصفتها وسائل الإعلام في طهران بأنها «فرقة عمل متعددة الأوجه» من طائرات الهليكوبتر الحربية والدبابات والعربات المدرعة ووحدات النخبة الخاصة تحت القيادة الشخصية لقائد القوات البرية في «الحرس الثوري» الإيراني الجنرال باكبور، وقد تم وضعها في حالة تأهب قصوى على مرأى من القوات الأذربيجانية و«مستشاريهم» الروس.
تزامنت قعقعة السيوف الواسعة النطاق هذه مع الذكرى السنوية الأولى للحرب بين أرمينيا وباكو على جيب «هاي كاراباخ» (أرتساخ)، حيث أطلقت طهران حملة ترويجية على ثلاث مراحل.
في المرحلة الأولى، قبل أيام قليلة من الذكرى السنوية، مر طابور طويل من الشاحنات الثقيلة الإيرانية عبر ممر «لاتشين» نظرياً تحت السيطرة الروسية، لدخول منطقة كاراباخ العليا لإيصال الإمدادات إلى الأرمن. كانت الفكرة هي إظهار أن ادّعاء الرئيس الأذربيجاني إلهام علييف بفوزه بانتصار كبير في حرب العام الماضي كان تفاخراً على غير الحقيقة لأن روسيا، وليست حكومته، تسيطر على نقاط الدخول إلى أذربيجان وجيب «آرتساخ» المتنازع عليه.
ولحفظ ماء الوجه، استدعى علييف سفير طهران في باكو وطالب إيران بالتوقف عن إرسال شاحنات من دون تأشيرات دخول مناسبة من باكو. وفي المرحلة الثانية، استبدلت طهران لوحات أرمينية بلوحات أرقام المركبات الإيرانية لتزعم أن الشاحنات المعنية جاءت من أرمينيا لتزويد الأرمن في آرتساخ.
بالنسبة إلى علييف، كان ذلك بمثابة تحريك السكّين في الجرح وتذكير الناس في باكو وضواحيها بأن ادعاء رئيسهم النصر على حساب آلاف الأرواح تلاه احتلال فعلي لأجزاء من البلاد من القوات الروسية، شيء لا علاقة له بالواقع. فادعاء إيران أن الأمور قد تم حلها مع السفير الروسي في طهران، ليفون جاجاريان، جاء ليضع الملح على الجرح لأن رجل موسكو في إيران من أصل أرمني، والمقصود هنا وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف.
وقد اعترض علييف الغاضب بالفعل جراء الضغوط الداخلية بسبب سوء الإدارة والفساد والمحسوبية، وانتقد ما يجري بإعلان حظر شامل على مرور الشاحنات من إيران، وادّعى أن «الأذريين في جميع أنحاء العالم» يؤيدون موقفه. عدّ علييف ذلك عملاً من أعمال الاستفزاز المتعمَّد لأن إيران تعدّ نفسها الوطن الحقيقي لجميع الأذريين بما في ذلك 12 مليوناً أو نحو ذلك ممن يعيشون في جمهورية باكو والاتحاد الروسي.
يبقى تصريح الرئيس عن «حسن الجوار» مجرد ادّعاء، والحقيقة هي أن طهران إما تحوِّل الشرق الأوسط (أو غرب آسيا كما يفضل الكرملين) إلى ما يشبه الجمهورية الإسلامية الخمينية وإما أن تبقى إيران مثل غيرها من الأنظمة في المنطقة. الحقيقة أنه لا يمكن للدخيل أو المتسلل أن تكون له علاقات طبيعية، ناهيك بإقامة علاقات جيدة مع الآخرين في الجوار.