ترمب القفزة الرئاسية الثانية

ترمب... القفزة الرئاسية الثانية

ترمب... القفزة الرئاسية الثانية

 العرب اليوم -

ترمب القفزة الرئاسية الثانية

بقلم - أمير طاهري

«إنه قريب بشكل خطير من إعادة انتخابه!» - هكذا طرحت مجلة «إيكونوميست» الأسبوعية اللندنية، في عددها الأخير، فرص دونالد ترمب في العودة إلى البيت الأبيض، العام المقبل. واعتمد هذا الطرح على بضعة استطلاعات للرأي أشارت إلى أن ترمب، في حال ترشحه للرئاسة، ستكون لديه فرصة للفوز في نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل. بطبيعة الحال، يتعين على المرء توخي الحذر دوماً إزاء التوقعات، بخاصة من جانب الصحافة. وجدير بالذكر، أن «إيكونوميست» سبق وأن وضعت صورة حاكم إندونيسيا الجنرال سوهارتو على غلافها، وتوقعت صعود نجمه كأقوى زعيم في آسيا. وبعد أقل من عام، اشتعلت انتفاضة شعبية وأطاحت حكمه. ومع ذلك، دعونا لا نستبعد تحقق ما توقعته المجلة بخصوص فوز ترمب بولاية رئاسية ثانية؛ لأنه حتى لو فشل في الفوز بالترشح، فقد كان له بالفعل تأثير دائم على السياسة الأميركية.

يتمثل التأثير الأول لترمب في نزع القدسية عن الرئاسة الأميركية كمؤسسة. على الجانب السلبي، من خلال رفض نتائج الانتخابات الأخيرة، ومعاملة الرئيس جو بايدن باعتباره «مغتصباً»؛ فقد جعل الخطاب السياسي الأميركي أقرب إلى الخطاب المستخدم فيما يسمى بـ«الدول الناشئة» في العالم الثالث. والأسوأ من ذلك، أنه أنهى عقوداً من الإجماع المصطنع حول مجموعة من السياسات الخارجية والمحلية، من خلال تبني موقف مفاده أن الفائز يحصد كل شيء. على الجانب الإيجابي، أعطى ترمب صوتاً للملايين من الأميركيين الذين لا صوت لهم، والذين يشعرون بعدم الارتياح في الوضع الراهن والذين تراودهم مخاوف، حقيقية أو متخيلة، بشأن المستقبل.

جاء فوز ترمب بولايته الرئاسية من خلال ركوبه تسونامي عاطفياً، ومن دون أن يضطر إلى تقديم برنامج سياسي متماسك. ويعدّ هذا أحد الأسباب وراء جعل فترة ولايته فوضوية، لتحجب مجموعة من الفضائح إنجازاته الحقيقية على صعيدي السياستين الداخلية والخارجية، نهاية الأمر. لذلك؛ يسعى ترمب، اليوم، للفوز بولاية ثانية على أساس برنامج واضح. وأطلق ترمب على برنامجه «الأجندة 47»؛ لأنه حال فوزه في نوفمبر العام المقبل سيصبح الرئيس السابع والأربعين للولايات المتحدة. وفي الرابع من يوليو (تموز) 2026 سيترأس الاحتفال بالذكرى الـ250 لتأسيس الولايات المتحدة. ويعمل جيش من الباحثين والمحللين بالفعل على هذه «الأجندة» داخل الولايات المتحدة ومختلف أنحاء العالم. إذا حكمنا من خلال ما هو معروف بالفعل عن «الأجندة»، نجد أن ترمب يتعهد بإقرار سياسات من شأنها إحداث تحول ليس فقط الحزب الجمهوري، الذي لا يزال يعتبره ترمب قاعدته الاسمية، بل وكذلك النموذج السياسي الأميركي بأكمله.

ويذكر أنه على مدى القرنين الماضيين، شهد كل من الحزبين الجمهوري والديمقراطي تغيرات كبيرة. بادئ الأمر، كان الديمقراطيون هم حزب الولايات الجنوبية، الذين كانوا يسعون نحو إقرار نظام كونفدرالي، وكانوا يمثلون بارونات القطن الذين يملكون العبيد، ويعارضون إلغاء العبودية. في المقابل، كان الجمهوريون يمثلون الولايات الشمالية بما تضمه من بارونات الصناعة والطبقة العاملة. من جهتهم، عارض الديمقراطيون التجارة الحرة؛ لأنهم كانوا يخشون المنافسة من الدول الأوروبية وممتلكاتها الإمبراطورية. على النقيض، وبفضل ثقتهم في قدرة الصناعة الأميركية على مواجهة أي منافسة، كان الجمهوريون يتزعمون فكرة التجارة الحرة. أراد الديمقراطيون حكومة كونفدرالية صغيرة، بينما حث الجمهوريون على إنشاء سلطة تنفيذية مركزية أقوى تتمحور حول المؤسسة الرئاسية. وعلى مدى عقود عديدة، تبادل الطرفان مواقفهما في جميع المجالات. وأصبح الجمهوريون حزب الجنوب، بينما طوّر الديمقراطيون معاقلهم في الشمال والولايات الواقعة على شواطئ المحيطين والبحيرات الكبرى على الحدود الكندية. واجتذب الديمقراطيون الذين كانوا يملكون العبيد فيما مضى، تأييد الأقلية السوداء، بينما اجتذب الجمهوريون الريفيون دعم سكان الضواحي.

وثمة احتمال أن يأتي ترمب في ولايته الثانية، حاملاً بجعبته تغييرات كبرى جديدة. وإذا جرى تنفيذ «الأجندة 47»، فستحصل المؤسسة الرئاسية على صلاحيات أكبر باستخدام الأوامر التنفيذية والنتائج الرئاسية بشأن مجموعة من القضايا، مع تجاوز الكونغرس. وبموجب «الأجندة 47»، ستتوقف الولايات المتحدة عن كونها داعمة لفكرة التجارة الحرة، وبالتالي للعولمة التي يرى ترمب أنها تضر بالمصالح الأمريكية. ويمكن أن تؤدي سياسة إعادة توطين الصناعة وفرض رسوم جمركية أعلى، إلى زعزعة العلاقات مع كل من الاتحاد الأوروبي والصين. وتعد «الأجندة 47» بتجارة ثنائية تقترب من نظام المقايضة الذي يعود إلى القرون الوسطى، والذي، من الناحية النظرية، سيكون دائماً مفيداً للولايات المتحدة؛ لأن واشنطن هي المسيطر على المعروض من الدولارات.

الحقيقة، أن الوعد بالطاقة الرخيصة والوفيرة لا يمكنه فقط وضع نهاية لوعود واشنطن بموجب اتفاقيات باريس، التي عارضها ترمب، وإنما يشكّل كذلك تحدياً أمام كل من الدول المصدرة والمستوردة للنفط في جميع أنحاء العالم. وتتمثل ضربة أخرى لاتفاقات باريس في الوعد بإعادة بناء وتوسيع نطاق صناعة السيارات، في الوقت الذي يأمل فيه الاتحاد الأوروبي واليسار الليبرالي في وضع نهاية لعصر السيارات. وعند الحديث إلى العاملين على «الأجندة 47»، لا يبدو واضحاً إلى أي مدى يرغب ترمب في إعادة تشكيل حلف «الناتو»، إن لم ينسحب منه ليتحول اتحاداً عسكرياً لعموم أوروبا. ورغم مشاركة الولايات المتحدة بعمق في حرب أوكرانيا إلى الحد الذي يجعلها غير قادرة على الانسحاب ببساطة، من الواضح أن «الأجندة 47» ستسعى إلى التوصل إلى «تسوية سياسية»، بدلاً من الطموح إلى إحراز نصر كامل على روسيا.

وإذا حكمنا من خلال ما يعده المستشارون المعنيون بالشرق الأوسط، يبدو أن فترة رئاسة ترمب الثانية ستركز على بناء «علاقات أوثق» مع الحلفاء، بما في ذلك إسرائيل، والامتناع عن تقديم المزيد من «الخدمات» للجمهورية الإسلامية في إيران ورجب طيب إردوغان في تركيا ما لم يعد إلى الصف الأميركي. وبغض النظر عن التخمينات، ربما يكون المشروع الأكثر أهمية لترمب في ولايته الرئاسية الثانية، فرض سيطرة الحكومة على نظام التعليم العالي الأميركي، وذلك من خلال «الأكاديمية الأميركية» التي ستتولى جمع جميع الأموال الخاصة والعامة الممنوحة للجامعات، وإعادة توزيعها حسب مجموعة من «القيم».

من جهته، يعتقد ترمب أن الماركسيين وغيرهم من «اليساريين المجانين» سيطروا على الجامعات الأميركية، ويقومون بغسل أدمغة أجيال كاملة؛ وذلك بفضل التبرعات الخاصة المعفاة من الضرائب والتمويل العام. ويمكن استغلال جزء من الأموال حال إخضاعها لسيطرة الحكومة لدعم «التعليم المنزلي»، نظام يقوم الآباء من خلاله بتعليم أطفالهم. بجانب ذلك، تشكل السياسات والتدابير الصارمة تجاه الهجرة والمهاجرين غير النظاميين عناصر أساسية في «الأجندة 47». وتبعاً لهذه الأجندة، سيسعى ترمب في فترة رئاسته الثانية إلى خفض الدين الوطني؛ ما يعني خفض حجم القطاع العام. إلا أن هذا يتعارض مع السياسات الرامية إلى توفير الطاقة الرخيصة وتوسيع صناعة السيارات وتمويل التعليم الخاص. ومن شأن التخفيض الهائل في معدلات الهجرة، حرمان الصناعة والزراعة في الولايات المتحدة من التدفق الدائم للعمالة الرخيصة، وبالتالي إيقاظ وحش التضخم من خلال ارتفاع الأجور.

حتى هذه اللحظة، يواصل الديمقراطيون السخرية من ترمب، ويرفضون أخذه على محمل الجد؛ الأمر الذي قد يدفعون ثمنه غالياً. وحتى لو كانت الحلول التي يقترحها ترمب تبدو غريبة، فإن المشكلات التي يثيرها تبقى حقيقية.

arabstoday

GMT 20:40 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

عندما يعلو صوت الإبداع تخفت أصوات «الحناجرة»

GMT 06:23 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

المبحرون

GMT 06:20 2024 الأربعاء ,10 تموز / يوليو

قرارات أميركا العسكرية يأخذها مدنيون!

GMT 06:17 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

تسالي الكلام ومكسّرات الحكي

GMT 06:14 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

كيف ينجح مؤتمر القاهرة السوداني؟

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

ترمب القفزة الرئاسية الثانية ترمب القفزة الرئاسية الثانية



إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 21:12 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

بايدن يعلن التوصل إلى إتفاق وقف النار بين لبنان وإسرائيل
 العرب اليوم - بايدن يعلن التوصل إلى إتفاق وقف النار بين لبنان وإسرائيل

GMT 08:36 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

أطعمة ومشروبات تساعد في علاج الكبد الدهني وتعزّز صحته
 العرب اليوم - أطعمة ومشروبات تساعد في علاج الكبد الدهني وتعزّز صحته

GMT 19:32 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

رانيا فريد شوقي تكشف سبب ابتعادها عن السينما
 العرب اليوم - رانيا فريد شوقي تكشف سبب ابتعادها عن السينما

GMT 02:48 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

المحكمة العليا الأميركية ترفض استئناف ميتا بقضية البيانات
 العرب اليوم - المحكمة العليا الأميركية ترفض استئناف ميتا بقضية البيانات

GMT 08:36 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

أطعمة ومشروبات تساعد في علاج الكبد الدهني وتعزّز صحته

GMT 02:40 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

القهوة والشاي الأسود تمنع امتصاص الحديد في الجسم

GMT 06:59 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

فلسطين و«شبّيح السيما»

GMT 07:22 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

دراسة تحذر من أن الأسبرين قد يزيد خطر الإصابة بالخرف

GMT 09:52 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

كفاءة الحكومة

GMT 06:45 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

لبنان يقترب من وقف النار

GMT 10:19 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

جهود هوكستين: إنقاذ لبنان أم تعويم «حزب الله»؟

GMT 16:54 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

روسيا تتعاون مع الحوثيين لتجنيد يمنيين للقتال في أوكرانيا

GMT 02:58 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

11 شهيدًا في غارات للاحتلال الإسرائيلي على محافظة غزة

GMT 06:56 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

فرصة إيرانية ــ عربية لنظام إقليمي جديد

GMT 19:23 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

ميادة الحناوي تحيي حفلتين في مملكة البحرين لأول مرة

GMT 03:09 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

عدوان جوي إسرائيلي يستهدف الحدود السورية اللبنانية

GMT 07:58 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

اندلاع حريق ضخم في موقع لتجارب إطلاق صواريخ فضائية في اليابان

GMT 07:53 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

ألمانيا تحاكم 4 أشخاص بزعم الانتماء لـ "حماس"

GMT 06:54 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

النموذج السعودي: ثقافة التحول والمواطنة

GMT 07:10 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

تحذير أممي من تفشي العنف الجنسي الممنهج ضد النساء في السودان
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab