بماذا يدين المصريون

بماذا يدين المصريون؟

بماذا يدين المصريون؟

 العرب اليوم -

بماذا يدين المصريون

مأمون فندي

لو كنت زائرا من ثقافة أخرى ولم يخبرك أهل مصر بديانتهم وحاولت أن تكتشف بنفسك من خلال لباس المصريين وسلوكهم أو ما يكتبون، من الدستور إلى الصحيفة أو ممارساتهم اليومية والفجوة بين المكتوب والممارس، ما هو دين المصريين، ستجد نفسك في حيرة كبيرة في تحديد ديانة المصريين وستجد صعوبة بالغة في الوصول إلى نتيجة مقنعة لا لذاتك فقط وإنما نتيجة يمكن شرحها للآخرين من حضارات أخرى بشكل منطقي متماسك. أعرف أن سؤال: بماذا يدين المصريون؟ هو سؤال بديهي وبسيط، إن الإجابة عنه واضحة وضوح الشمس لأصحابها ممن لا يرون التناقض بين سلوكهم والقيم التي يدعون التمسك بها، ولكن لمن يبتعد خطوة عن كونه ممثلا في المسرحية ذاتها ستكون الإجابة عن السؤال صعبة جدا إن لم تكن مستحيلة. أما محاولة سبر أغوار الظاهرة في كيف ولماذا فهذا أمر شديد التعقيد ويحتاج إلى بحث طويل ليس محله مقالا في صحيفة. أبدأ محاولة الإجابة عن السؤال بـ«ماذا يدين هؤلاء؟» من خلال تحليل بسيط لمجموعة من الأمثلة التي نحاول أن نستشف من خلالها ديانة المصريين. وأبدأ بالجسد كلوحة إعلانات عن الهوية. ثم بعدها أتطرق للفجوة بين القيم التي يدعي الناس أنها تحكم سلوكهم وممارساتهم اليومية، ثم أنتقل إلى موضوع الدستور كوثيقة قد تعكس دين هؤلاء ثم الدين التلفزيوني وعلاقته بخليط الديانات في المجتمع أو التنوع المربك داخل الديانة الواحدة. يعتبر الجسد في كل الحضارات لوحة الإعلانات الأولى التي نتعرف من خلالها على هوية الأفراد ودياناتهم، فقلنسوة السيخ الزرقاء توحي بأن الرجل يدين بديانة السيخ، وكان الطربوش في تركيا يحدد الهوية الإسلامية، ولما أتى أتاتورك أزال الطربوش من على رؤوس الأتراك لبناء هوية علمانية، وكان ماو تسي تونغ يطالب بالبدلة الزرقاء كلباس جديد لثورة ثقافية جديدة في الصين. باختصار وفي كل الحضارات يبقى الجسد هو لوحة الإعلانات الأولى المحددة للهوية، كالجلباب الأبيض في الخليج، ونوعية الغترة والعمامة في الصعيد والسودان، إلى آخر تلك العلامات الأولية الكاشفة عن الهوية. إذا أخذنا الجسد كلوحة إعلانات للتعرف على ديانة المصريين، سيصاب المرء بالحيرة في تحديد تلك الهوية. فمثلا أصبح غطاء الرأس بالنسبة للمرأة في مصر هو وسيلة تعبير عن الهوية الإسلامية، فإذا ما كنت قادما من حضارة أخرى ولفحتك الحجب عند وصولك للقاهرة مثلا فقد يصيبك ذلك بالارتباك، فمنها غطاء الرأس الكامل ومنها ما هو نصف غطاء ومنها ألوان مختلفة من المزركش إلى الأسود إلى الأزرق ومنها ما هو كاس للوجه والرأس والرقبة والصدر ومنها ما هو حاسر عنها، ولا تدري بأي ديانة يدين هؤلاء؟ أما إذا ما نظرت أسفل الرأس إلى بقية الجسد فقد تلمح جلبابا أحيانا أو سروالا من الجينز الأزرق الملتصق بالجسد وحذاء يبرق أو من نوع الكعب العالي وحزاما لا تدري هل هو من نيويورك أم من باريس. هذا فيما يخص المرأة، أما الرجل فالقصة تبدو أكثر تعقيدا، إذ بدا من المتعارف عليه الآن أن وجه الرجل كلوحة إعلانات هو المحدد للهوية، فمثلا هناك نوعية من الرجال من تجد على جبهته علامة سمراء أحيانا على شكل دائرة كبيرة وأحيانا أخرى على هيئة بقعة سوداء في الجبهة، أو خط أسود إلى آخر تلك العلامات التي تسمى في مصر بالزبيبة، وهي إشارة إلى أن صاحبها كثير السجود. والظاهرة هذه مصرية بامتياز؛ حيث لا توجد في إندونيسيا التي بها غالبية المسلمين أو في مسلمي بقية البلدان العربية أو في مسلمي الهند إلخ.. إلخ. ويقال إن هذه العلامة تصنع كما الوشم عن طريق ربط ليمونة ساخنة على الجبهة، شيء أشبه بالتاتو عند الغربيين. ثم يتبعها من علامات الوجة لحية، أحيانا يتبعها شارب، وأحيانا أخرى لا يتبعها، وكما الحال في المرأة ترى هؤلاء في المظاهرات وقد لبس بعضهم السروال الجينز والـ«تي شيرت» بعلامة شركة من شركات ملابس الرياضة، فلا تدري هل هذه اللحية تدل على تدين أم هي مجرد لحية كما كان يفعل شباب كاليفورنيا في زمن الهيبيز؟ باختصار، لا تستطيع من خلال الملبس أن تعرف ديانة هؤلاء، وتزداد العملية تعقيدا عندما ترى بعضهم يلبس بدلة أو جلابية من جلابيب أهل الخليج المتنوعة أو جلبابا محليا كجلباب أهل القرى في الصعيد والدلتا، أي أن المظهر بتناقضاته بين ما هو غربي وشرقي على لوحة الإعلانات ذاتها أو ذات الجسد لا توحي بحضارة واحدة أو ديانة واحدة، هي خليط بين هذا وذاك يظنه أهل البلاد علامة هوية رغم أن هذا الخليط يكون مربكا لمن هم من حضارات أخرى من حيث فهم هوية هؤلاء. أما عن الفجوة بين القيم المدعاة والسلوك، فحدث ولا حرج، فبينما مثلا تدعي جماعة أبو إسماعيل أنهم يتبعون السلف الصالح والدعوة بالكلمة الطيبة والموعظة الحسنة لا يفوتك أن تلاحظ أنهم يلقون الناس بالحجارة أمام مسجد القائد إبراهيم في الإسكندرية ويضربون الشباب ويسحلونهم أمام الاتحادية وأمام مبنى المحكمة الدستورية، فما هي علاقة الحكمة والموعظة الحسنة المدعاة بحجارة الممارسة وسكاكين الممارسة ومولوتوف الممارسات اليومية؟ كيف لمظهر يتمنى أن يعكس هوية إسلامية هو في سلوكه لا يمت لمبادئ الإسلام بصلة؟ أين القبول بالآخر في مبدأ من شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر؟ وأين اللين والحكمة والموعظة الحسنة في شج رؤوس من خالفك الرأي؟ وأين طيب القول في قذف المحصنات وكم من الرجال ...؟ إن الحديث عمن هم في التحرير إذا ما استمعت إلى كثير من القنوات التي تدعي أنها دينية في مصر هو حديث فاضح ويخدش الحياء وليس هناك علاقة بين نوعية الألفاظ المستخدمة في تلك الأحاديث وما يدعو إليه الدين الإسلامي من خفض الصوت واتباع اللياقة الاجتماعية وعدم التعرض للناس بالأذى اللفظي أو الجسدي، لا علاقة للقيم المدعاة من قبل هؤلاء وممارساتهم اليومية. إذا ما كنت قادما من ثقافة أخرى إلى مصر وتابعت ما يفعل هؤلاء وما يقولون فأنت أمام أمرين: الأول هو أن هؤلاء لا يدينون بأي ديانة معلومة لدى أنواع البشر المختلفة، وإذا ما أصر هؤلاء على أنهم مسلمون، وأنت لا تعرف الكثير عن الإسلام وقيمه السمحة فليس أمامك إلا أن تلصق سلوك هؤلاء بالإسلام، ويصبح تعريف الإسلام عندك محكوما بسلوك هؤلاء، فليس لديك وقت لقراءة التفاصيل، أنت كغريب تكون صورة عن دين هؤلاء من خلال حاصل جمع مجموعة السلوكيات التي شاهدتها من مديات وسكاكين يشهرها البعض في وجوه خصومهم أو من شتائم تسمعها أو من دعوة إلى تكفير هذا وقتل ذاك، هذه هي الصورة التي ستكونها عن دين هؤلاء سواء أعلن هؤلاء أن دينهم هو الإسلام أو المسيحية أو البوذية. أما إذا قرأت وثيقة كتبها المصريون مثلا مثل دستور بلادهم بعد ثورة يناير، فلن تجد فيها ما يعينك على معرفة قيم هؤلاء، فهو ليس دستورا إسلاميا وليس دستورا مدنيا كالدساتير الأوروبية، لا هو مع كل صحيح الإسلام ولا مع كل صحيح العلمانية الغربية، هو خليط مقزز من الاثنين، إذا ما اجتمعا كانت المحصلة أسوأ ما في الحضارتين. أما ممارسات الحكم الذي يدعى أنه إسلامي فأول ما يلفت نظرك أن حكومة الرئيس مرسي زادت الضرائب على الخمور ولم تمنعها، وزادت الإتاوة على كازينوهات القمار في مصر ولم تمنعها، رغم أن القيم المدعاة لحكومة مرسي أنها حكومة إسلامية إخوانية، فهل يؤمن الإخوان فقط بزيادة الضريبة على القمار والخمر بينما الإسلام الذي يدعون التمسك بقيمه يحرمها؟ بعد أن تلاحظ تناقضات كهذه، وهناك مئات الأمثلة على كل منها، لا يتسع المجال لذكرها، تخرج من مصر وأنت تسأل نفسك: يا ترى، ما هو دين هؤلاء؟ نقلاً عن جريدة "الشرق الأوسط"

arabstoday

GMT 07:03 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

صوت الذهب... وعقود الأدب

GMT 07:02 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

أولويات ترمب الخارجية تتقدّمها القضية الفلسطينية!

GMT 07:01 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

التسمم بالرصاص وانخفاض ذكاء الطفل

GMT 06:59 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

عن تكريم الأستاذ الغُنيم خواطر أخرى

GMT 06:56 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الجائزة الكبرى المأمولة

GMT 06:54 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

تنظيم «الإخوان» ومعادلة «الحرية أو الطوفان»

GMT 06:52 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

لأميركا وجهان... وهذا وجهها المضيء

GMT 06:51 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

أنا «ماشي» أنا!.. كيف تسلل إلى المهرجان العريق؟

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

بماذا يدين المصريون بماذا يدين المصريون



إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 07:35 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية
 العرب اليوم - قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية

GMT 07:55 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة
 العرب اليوم - الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة

GMT 07:54 2024 الثلاثاء ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

فيتامينات ومعادن أساسية ضرورية لشيخوخة أفضل صحياً

GMT 07:15 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

فيتامين سي يعزز نتائج العلاج الكيميائي لسرطان البنكرياس

GMT 05:57 2024 الثلاثاء ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

مشكلة العقلين الإسرائيلي والفلسطيني

GMT 07:39 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

نجاة نهال عنبر وأسرتها من موت محقق

GMT 22:56 2024 الثلاثاء ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

مقتل 3 جنود لبنانيين في قصف إسرائيلي

GMT 09:48 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

بيب غوارديولا يوافق على عقد جديد مع مانشستر سيتي

GMT 18:37 2024 الثلاثاء ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

واشنطن تفرض عقوبات على 6 قادة من حركة حماس

GMT 16:42 2024 الثلاثاء ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

جماعة الحوثي تعلن استهداف سفينة في البحر الأحمر

GMT 08:32 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

حسين فهمي يُعلّق على فوزه بجائزة عمر الشريف

GMT 06:43 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

ترامب الطامح إلى دور شبه ديكتاتور!
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab