المسار الفاطمي وجغرافيا الربيع العربي

المسار الفاطمي وجغرافيا الربيع العربي

المسار الفاطمي وجغرافيا الربيع العربي

 العرب اليوم -

المسار الفاطمي وجغرافيا الربيع العربي

مأمون فندي

لافت للنظر ذلك التشابه بين جغرافيا الربيع العربي ومسار الدولة الفاطمية، وربما في هذا دروس لا بد من التوقف عندها شكليا على الأقل. الدولة الفاطمية كما الربيع العربي انطلقت من تونس ثم انتقل مركز الخلافة ومركز النشاط الإسماعيلي من تونس إلى مصر لتصبح مصر بمؤسستها العلمية الفاطمية الكبرى المتمثلة في الأزهر مركز ثقل الدولة الفاطمية وانطلاقتها، ويبدو هذا هو مسار الربيع العربي أيضا. انطلقت الدولة الفاطمية من تونس ثم مصر ومنها إلى اليمن وفشلت في سوريا أو كتبت نهايتها هناك، والربيع العربي امتد من تونس إلى مصر إلى اليمن ثم سوريا، وكان له نصف نجاح في اليمن، وتعثر في سوريا. فهل هذا التشابه بين مسار جغرافيا الدولة الفاطمية والربيع العربي يدفعنا إلى تفسير جديد قديم لمسار هذا الربيع؟ وعلاقة «القدامة» بالحداثة؟ وهل تصادم الفرع الإسماعيلي من الإسلام مع المركزية السنية الذي أدى إلى هزيمة الإسماعيليين في الشام والعراق هو نفس التصادم المحتمل بين مسار أيديولوجية الإخوان الفرعية والمتطرفة والخالية من أي إبداع أو تجديد مع إسلام السنة في الجزيرة العربية وتركيا، التصادم الذي قد يؤدي إلى فشل الدافع الأيديولوجي المحرك للربيع العربي؟ أم أننا أمام ظاهرة أخرى مختلفة تماما، وأن التاريخ لا يعيد نفسه ولا داعي أن يمر إسلام الإخوان بتجربة الفاطميين في الفشل؟ وهل الربيع العربي هو «القدامة» العربية تلفظ أنفاسها الأخيرة، أم أنه محاولة الجيل الشاب من العرب للالتحاق بقطار الحداثة الأوروبية وقيمها؟ إن الدافع الذي حدد ملامح فشل الفاطميين هو ذلك التصادم مع جغرافيا سياسية مختلفة، حيث تصادم الفاطميون مع الدولة البيزنطية من خارج ديار الإسلام، والدولة الحمدانية في سوريا. وتدخل الأتراك في سوريا والعراق نتيجة لفراغ القوة هناك والذي جذب القوة التركية إلى سوريا، وصدام الفاطميين مع القرامطة والبدو على حدود جزيرة العرب وفلسطين، وكان التصادم البنيوي الذي أدى إلى نهاية الفاطميين هو تصادم طريقين للتجارة القادمة من بلاد فارس والخليج العربي مقابل الدافع التجاري من شمال أفريقيا إلى مصر والبحر الأحمر. هل تبقى هذه الجغرافيا السياسية حاكما لا يتغير عبر التاريخ، عندما تبدأ شرارة التغيير من الشمال الأفريقي وتتحرك في اتجاه الشرق العربي في دولة الفاطميين التي تنهار في تمددها إلى سوريا والعراق؟ وما الاختلاف بينها وبين الدافع القادم من الشرق من بغداد مثلا في حالة الدولة العباسية أو في حال انتشار الإسلام ذاته من جزيرة العرب إلى ما عداه؟ هل جغرافيا الأفكار فيما يعرف بالعالم العربي اليوم محسومة ومحتواة بالحركة الأيديولوجية القادمة من المغرب العربي ومحدودة التأثير في الزمان والمكان كحال الدولة الفاطمية؟ أم شرقية تتجه غربا في حال الدولة العباسية أو الفتوحات الإسلامية والتي تتوقف حدودها في مواجهات الحضارات المغايرة؟ وهل يسير الربيع العربي طبقا لهذه الجغرافيا الفيزيائية والسياسية والتجمعات العرقية ومدى قدرة الأيديولوجيا على عبور الحدود؟ وهل المقارنة واردة في تمكن الإخوان المسلمين، تلك الحركة الهامشية في الفكر الإسلامي من اختطاف الربيع العربي، وبين تمكن طائفة الإسماعيلية في الماضي وهي واحدة من الملل والنحل الصغيرة في تاريخ الإسلام؟ بالطبع كان للإسماعيلية قوة الدفع الحضارية والثقافية والقبول الأيديولوجي عن طريق علماء الدولة الفاطمية وشعرائها من دون «الجزيرة مباشر». وما معنى تلك المقترنة التي تبدو سطحية وانطباعية بالنسبة لجغرافيا الربيع العربي؟ التشابه بين جغرافيا الربيع وجغرافيا الدولة الفاطمية مغر بالمقارنة، فعلى السطح لم تصل الدولة الفاطمية إلى الخليج العربي مثلا، وكذلك حال الربيع توقف عند حدود اليمن، وتعثرت الدولة الفاطمية في البحرين وسوريا نتيجة للتدخل التركي في سوريا ووجود القرامطة في البحرين كعامل مشاغب، ويبدو أن الحال استمر أيضا بالنسبة للربيع العربي في البحرين وسوريا؟ فهل هذه المقارنات التاريخية تدعو إلى تفكير يأخذ التاريخ الطويل للمنطقة العربية في الاعتبار، أم أن دوافع الربيع وارتباطاته بقضايا العولمة والحداثة والديمقراطية كدافع عالمي تجعلانا نتخلى عن مقارنات تاريخية لا تمنحنا تفسيرا كاملا لما يلاقيه الربيع من حالات فشل، سواء في مركز الانطلاقة في تونس أو عاصمة الربيع في مصر وما تلاها من بلدان مثل اليمن والبحرين وسوريا؟ هناك اختلاف بين الإسماعيلية كأيديولوجية فاطمية وبين الإخوان المسلمين، وكذلك مستوى التقدم العلمي للإسماعيلية مقابل الإخوان. واحدة من العوامل الرئيسة للتقدم الإسماعيلي لبناء دولة استمرت لأكثر من مائة عام (من 909 ميلادية حتى 1171) هي تقدم الإسماعيلية في علوم الجغرافيا والفلك وعلم البحار، وقد سبقوا في ذلك من حولهم من الدول بما في ذلك الدولة العباسية التي انسلخوا عنها، كما أن أيديولوجية الإسماعيلية رغم هامشيتها استطاعت من خلال الثقافة ممثلة في الشعر وأيضا من خلال التجارة أن تنتشر خارج حدود مصر وتونس حتى الهند، فالبهرة الإسماعيلية، تلك الطائفة الموجودة الآن في الهند وباكستان، هي تعني التجار بلغة «الكوجاراتي» الهندية. ليس لدى حركات الإسلام السياسي ممثلة في الإخوان أو الحركة السلفية، التقدم العلمي الذي كان لدى الإسماعيلية، كما تنقصهم تلك الجاذبية التي روج لها الشعراء والكتاب والتجار في بداية انتشار الفكر الإسماعيلي. فليس لدى الإخوان شاعر مثل ابن هانئ، وليس لديهم جوامع للفلسفة والفكر كالأزهر أو ترجمة واختلاط بالثقافات المغايرة كالإغريقية أو جماعات منفتحة كإخوان الصفا ولا دار الحكمة.. إلخ. كان للدافع الفاطمي بعد ثقافي وعلمي غير موجود في الربيع العربي، رغم أنه يمكننا إلحاق الربيع بحضارات الغرب العلمية وتكنولوجيا المعلومات القادمة من خارج ديار الإسلام. العلوم مستوردة في عالم الربيع العربي، بينما العلوم والثقافة كانت داعيا أصيلا عند الإسماعيلية. لم يكن القذافي مجنونا عندما خطرت على باله فكرة الدولة الفاطمية ولكنه رآها بمعناها الشيعي. وتمنى القذافي لليبيا أن تكون مركز انطلاق الدولة الفاطمية لتحقيق خلافة يكون هو أمير المؤمنين فيها، ولكن الشرارة انطلقت من حيث بدأت الدولة الفاطمية من تونس، وجرفت القذافي في طريقها وصولا إلى مصر واليمن والبحرين وسوريا. القذافي كان يشتم رائحة هذا الإعصار التاريخي الذي يلوح في الأفق، ولكن لمحدودية الرجل المعرفية وثقافته السمعية لم يفكر في احتمالات تكرر مسارات التاريخ بوسائل مغايرة وبشر مغايرين، ولم يفطن إلى أن زعامته قد تكون ممن يجرفها هذا المسار من الجغرافيا السياسية لتاريخ الشمال الأفريقي أو توازن المشرق العربي مع مغربه. هل ستكون أسباب فشل الربيع العربي هي ذاتها أسباب انهيار الدولة الفاطمية، وأولها غرق الأيديولوجيا الإسماعيلية في الصحوة الكبرى للإسلام السني في جزيرة العرب والشرق العربي، أو انهيار الدولة في مواجهة تيارات أكبر قادمة من الخارج، الأتراك والصليبيين وغيرهم، والذي أدى إلى انهيارها في عاصمة الدولة في القاهرة، أم أننا نرى مسارا مختلفا حيث تكون أيديولوجيا الإخوان فيها مجرد قشرة للربيع العربي ويكون الدافع الرئيس فيه هو التحاق العرب بقطار الحداثة الغربية، ويكون الثقل الجغرافي والديموغرافي لصالح تيار حداثي يمثله الشباب «المعولم» مقابل حركات تتخذ من فقه جانبي وهامشي في عالم الإسلام غطاء لا يدوم تكشفه التيارات الكبرى من الخارج مثل العولمة وعالم المعلومات؟ الربيع قد يكون اتخذ مسارا فاطميا ولكنه ليس في مواجهة مع الغرب الصليبي كما كان الحال في السابق، بل في محاولة للالتحاق بالغرب وقيمه. إذا كان الأخير هو الدافع فنحن أمام ربيع قد يستمر ولا يتحطم في سوريا والعراق كما الدولة الفاطمية، بل يتمدد خارج جغرافيا الفاطميين، ولكن حتى هذه اللحظة يتوقف الربيع عند القرامطة في البحرين وعند الحمدانيين في بلاد الشام وعند الصحوة السنية في غرب الجزيرة وتخومها وكذلك عند حدود العرب مع تركيا. فهل تمدد الربيع أفقيا (overstretching) إلى مساحات جغرافية تجعله يفشل في مركزه في القاهرة، وهذا هو التفسير الكبير لما نراه لهزيمة الإخوان في القاهرة الآن. نقلاً عن جريدة  "الشرق الأوسط"

arabstoday

GMT 07:03 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

صوت الذهب... وعقود الأدب

GMT 07:02 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

أولويات ترمب الخارجية تتقدّمها القضية الفلسطينية!

GMT 07:01 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

التسمم بالرصاص وانخفاض ذكاء الطفل

GMT 06:59 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

عن تكريم الأستاذ الغُنيم خواطر أخرى

GMT 06:56 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الجائزة الكبرى المأمولة

GMT 06:54 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

تنظيم «الإخوان» ومعادلة «الحرية أو الطوفان»

GMT 06:52 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

لأميركا وجهان... وهذا وجهها المضيء

GMT 06:51 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

أنا «ماشي» أنا!.. كيف تسلل إلى المهرجان العريق؟

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

المسار الفاطمي وجغرافيا الربيع العربي المسار الفاطمي وجغرافيا الربيع العربي



إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 07:35 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية
 العرب اليوم - قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية

GMT 07:55 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة
 العرب اليوم - الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة

GMT 07:54 2024 الثلاثاء ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

فيتامينات ومعادن أساسية ضرورية لشيخوخة أفضل صحياً

GMT 07:15 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

فيتامين سي يعزز نتائج العلاج الكيميائي لسرطان البنكرياس

GMT 05:57 2024 الثلاثاء ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

مشكلة العقلين الإسرائيلي والفلسطيني

GMT 07:39 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

نجاة نهال عنبر وأسرتها من موت محقق

GMT 22:56 2024 الثلاثاء ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

مقتل 3 جنود لبنانيين في قصف إسرائيلي

GMT 09:48 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

بيب غوارديولا يوافق على عقد جديد مع مانشستر سيتي

GMT 18:37 2024 الثلاثاء ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

واشنطن تفرض عقوبات على 6 قادة من حركة حماس

GMT 16:42 2024 الثلاثاء ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

جماعة الحوثي تعلن استهداف سفينة في البحر الأحمر

GMT 08:32 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

حسين فهمي يُعلّق على فوزه بجائزة عمر الشريف

GMT 06:43 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

ترامب الطامح إلى دور شبه ديكتاتور!
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab