الدولة الحركة

الدولة الحركة

الدولة الحركة

 العرب اليوم -

الدولة الحركة

مأمون فندي

هناك فرق شاسع بين الدولة التي تلتزم بقوانين الدول وسلوكها الدبلوماسي وبالقانون الدولي، وبين الحركات المارقة التي تقع خارج عالم الدول أيًا كان تعاطفنا معها. الحركات السياسية المارقة والمتطرفة التي تقع خارج نطاق الدولة وخارج العرف الدبلوماسي الدولي كثيرة في منطقتنا، بداية من «داعش» إلى حماس إلى حزب الله وجماعة الحوثي وأم الحركات المتطرفة التي خرجت من بطنها معظم الحركات والمعروفة بجماعة الإخوان. ورغم تطرف هذه الحركات وسلوكها المارق يبقى هذا أمرًا معروفًا وإن كان غير مقبول. أما ما هو خطر على أمن المنطقة والعالم فهو عندما تتصرف الدولة بمنطق الحركة، وإيران خير مثال على ذلك. فمنذ ثورة الخميني حتى اليوم لا تتصرف إيران كدولة، وإنما كحركة سياسية ثورية تنشد عدم الاستقرار في كل الإقليم. تصدر ثورتها في صورة عنف متطرف، وتنشد تحويل المنطقة برمتها من حالة رشد الدولة إلى مراهقة الحركة، وقد نجحت في بعض الأماكن مثل لبنان واليمن، وأثرت ليس فقط في الفضاء السياسي الشيعي، بل أيضًا في الفضاء السني حيث كانت وما زالت جماعة الإخوان المسلمين ترى في إيران نموذجًا يحتذى.
هذا الوصف لإيران كدولة حركة ليس القصد منه الإهانة أو التقليل من التراث الفارسي للشعب الإيراني، أو حتى من قيمة إيران بوضعها الحالي. القصد من هذا الوصف، وأول العلم الوصف، هو أن النظر إلى إيران من منظور مختلف حتى نتجنب الوقوع في الفخ نتيجة لانطلاقنا من معطيات خاطئة يؤدي إلى فهم خاطئ وسياسات أكثر رعونة.
النظر إلى إيران كحركة لا دولة أو حركة تتخفى في زي الدولة، له تبعات ليس على دول المنطقة، وإنما على مجموعة «5+1» أو الستة الكبار الذين هم بصدد إبرام اتفاق نووي خطير مع حركة يظنونها دولة. لو نظر الغرب إلى إيران على أنها دولة - حركة لانتفى منطق الاتفاق معها، فالدول تتفق مع دول ولا تتفق مع حركات.
مفهوم الدولة الحركة يأخذنا بعيدًا في فهم سلوك إيران، وأيضًا يجعلنا نأخذ حذرنا إذا كان لدى السذج منا رغبة في إبرام اتفاق مع حركة تلبس لباس الدولة. له تبعات على الاتفاق النووي وله أيضًا تبعات على فهمنا لما يحدث في لبنان وسوريا والعراق واليمن، وعليه يفرض على الدول العربية تبني سياسة مغايرة تمامًا لما هو سائد ومألوف منذ فترة. النظر إلى إيران كحركة هو مفهوم جديد يفرض علينا سياسات جديدة ويجعل الدول العربية أقل خجلاً في استخدام حقها المشروع لاستخدام العنف داخل حدودها وأحيانًا خارجها.
من هذا المنظور يصبح استخدام العنف ضرورة لبقاء الدولة العربية الحديثة، ويجعل أمرًا مثل استمرار عاصفة الحزم ضرورة من ضرورات الحفاظ على فكرة الدولة في منطقتنا. أعرف أنه ليس من الشياكة الاجتماعية أن يدعو كاتب الدولة لاستخدام حقها في ممارسة العنف، ولكن ما تشهده منطقتنا اليوم من استقواء جماعات التطرف على الدولة العربية الحديثة من ناحية، واستقواء إيران (الدولة - الحركة) على الفضاء السياسي العربي من ناحية أخرى، وما يزيد الحالة تعقيدًا هو تقاطع المصالح بين إيران الحركة وجماعات التطرف، لأنهما من جنس سياسي واحد يفرض على أي دولة تريد لفكرة الدولة البقاء أن يصبح العنف عندها ضرورة وحتمية. حسب القانون، الدولة هي المؤسسة الوحيدة المخولة استخدام العنف في أراضيها ولا أحد غيرها. استقواء جماعات العنف السياسي المتطرف بأشكاله المختلفة وطوائفه المختلفة، سنيًا كان أم شيعيًا، يفرض على الدولة أن تكون عنيفة داخل حدودها وخارجها.
قبل أيام اكتشفت المملكة العربية السعودية أمر جماعات متطرفة تريد النيل من استقرار المملكة، ومصر في حرب شبه يومية مع حركات متطرفة في سيناء، راعيها أو كفيلها القريب هو حماس، وراعيها البعيد هو الدولة الحركة التي تُسمى الجمهورية الإسلامية.
هذا الخطر سواء كان داخل الحدود كما في الحالة المصرية، أو خارج الحدود كما جماعة الحوثي بالنسبة للسعودية، يتطلب من الدولتين الإيمان المطلق بحق الدولة المشروع في استخدام العنف.
قد يتساءل البعض لم أتهم إيران بأنها دولة - حركة، ولا أتهم الدول السنية مثلاً بذات الوصف؟ الإجابة بسيطة جدًا وهي تخص إلى حد كبير تاريخ الإخوة الشيعة في الدولة الإسلامية. الطائفة الشيعية كانت دائمًا وفي معظم التاريخ الإسلامي تمثل منطق المعارضة لا منطق الدولة. الحكم وإدارة السلطة كانت للسنة وكانت المعارضة للشيعة. إيران الطائفية في عهد الخميني وما بعده، لا إيران الشاه التي كانت دولة، تصرفت كحركة معارضة، ولم تنجح على مدى ثلاثة عقود ونيف أن تصبح دولة أو تخلق حالة مواءمة بين الحركة والدولة أو المعارضة والنظام.
أما إيران الشاه التي لم تتبنَّ الموقف الطائفي، فكانت تتصرف كدولة حتى وإن كانت مصالحها لا تتوافق مع مصالحنا.
الموقف التاريخي للشيعة كحركة معارضة ربما هو المسؤول الأول عن جعل إيران أقرب إلى الحركة منها إلى الدولة.
لو نظرنا إلى إيران كحركة لا دولة تصبح عملية الفهم لسلوكها أيسر، ويصبح رسم السياسات تجاهها أقل ضبابية وتشويشا.
لو نظرت الدول الست الكبار التي تتفاوض مع إيران حول ملفها النووي كحركة لا دولة، يصبح الاتفاق مع إيران أشبه بأن تتفاوض مع «القاعدة» حول ملكية السلاح النووي، وينتهي كل هذا الحوار الهزلي الدائر في سويسرا.
النظر إلى إيران كحركة يجعل مسألة توقف عاصفة الحزم فيها أخذ ورد.
المشكلة في الدولة الحركة، هي أنها لا تخص إيران وحدها أو لن تخص إيران وحدها، فمراهقة الحركات عدوى مثلها مثل كل الفيروسات؛ إذ بدا لدينا في الدول العربية بعض الدول الصغيرة التي تنجذب إلى فكرة الحركة كما تنجذب الفراشة إلى النور. مراهقة الحركة مغرية للدول الصغيرة، وربما بعد فترة لن تكون وحدها الدولة - الحركة في الإقليم، فعدوى الحركات ليس بالأمر البسيط.
أدعو في هذا المقال إلى إعادة النظر في أمر إيران كدولة، ودعوتي لا تخص العرب وحدهم، بل تخص الغرب أيضًا، الذي سيوقع اتفاقًا نوويًا مع حركة سياسية تتخفى في لباس الدولة، وهنا يكمن كل الخطر.

arabstoday

GMT 04:01 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الثكنة الأخيرة

GMT 03:56 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

سوريا... هذه الحقائق

GMT 03:54 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

في أنّنا بحاجة إلى أساطير مؤسِّسة جديدة لبلدان المشرق

GMT 03:50 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

مخبول ألمانيا وتحذيرات السعودية

GMT 03:47 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

التاريخ والفكر: سوريا بين تزويرين

GMT 03:42 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

إنجاز سوريا... بين الضروري والكافي

GMT 03:39 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

ليبيا: لعبة تدوير الأوهام

GMT 03:37 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

فلسطين وإسرائيل في وستمنستر

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الدولة الحركة الدولة الحركة



GMT 10:34 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024
 العرب اليوم - أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024

GMT 13:32 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب
 العرب اليوم - الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب

GMT 10:29 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف
 العرب اليوم - نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف

GMT 03:50 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

مخبول ألمانيا وتحذيرات السعودية

GMT 06:15 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

جنبلاط وإزالة الحواجز إلى قصرَين

GMT 04:01 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الثكنة الأخيرة

GMT 20:58 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

الجيش الأميركي يقصف مواقع عسكرية في صنعاء

GMT 14:06 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

موسكو تسيطر على قرية بمنطقة أساسية في شرق أوكرانيا

GMT 14:19 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

إلغاء إطلاق أقمار "MicroGEO" الصناعية فى اللحظة الأخيرة

GMT 14:06 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

وفاة جورج إيستام الفائز بكأس العالم مع إنجلترا

GMT 17:29 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

سائق يدهس شرطيا في لبنان

GMT 14:06 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

إصابات بالاختناق خلال اقتحام الاحتلال قصرة جنوبي نابلس
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab