ثمن النفاق

ثمن النفاق

ثمن النفاق

 العرب اليوم -

ثمن النفاق

بقلم - مأمون فندي

نشرت «بي بي سي» تسريباً لمكالمات الرئيس التونسي الراحل زين العابدين بن علي يشمل مكالماته في اللحظات الأخيرة من حكمه، مع وزير الدفاع ورئيس أركانه وأحد مستشاريه من رجال الأعمال والإعلام، ودائرته القريبة. تقول «بي بي سي» إنها تعمل على هذا التقرير منذ عام مضى وعرضت التسجيلات على خبراء الأصوات الذين أكدوا أن التسجيلات لم يتم التلاعب بها. وقالت المحطة إنها تحدثت إلى مقربين من أصحاب الأصوات في التسجيلات وكانت بالنسبة إليهم حقيقية بينما أنكر البعض صحتها، وفي هذا مهنية عالية تُحسب لـ«بي بي سي». لا شك أن بيننا من أهل عقلية المؤامرة، وهذه الفئة ليست حصراً على العوام عندنا، سيسأل: لماذا الآن؟ الآن ببساطة لأن المحطة أرادت عرض مادتها الإخبارية بمناسبة مرور أحد عشر عاماً على ثورة تونس، وهذا ما يُعرف بـ«hanger» أي الشمّاعة التي تعلَّق عليها الملابس، والموضوعات الصحافية يجب أن تعلّق على حدثٍ ما يشغل بعض الناس، ليس إلا، ولا مؤامرة في الأمر.
لن أحاول هنا تحليل كل التسجيلات بل جزء قصير منها يكشف لنا الثمن الذي يدفعه القادة في اللحظات الحرجة عندما يسمعون حديث المنافقين من بطانتهم، وهذا ثمن لو تعلمون عظيم، كما اتضح في النهاية التي وصل إليها حكم الرئيس بن علي.
وحسب تفريغ «بي بي سي» للتسجيلات كتابةً، يقول بن عمار، أحد المقربين من بن علي وكان نافذاً في عالم المال والإعلام كما تصفه «بي بي سي»، يقول في التسجيل رداً على سؤال بن علي الذي كان متشككاً في وصول كلمته إلى قلوب الناس، قال له بن عمار: «كنت رائعاً، هذا هو بن علي الذي كنا ننتظره!».
أما بن علي، فقد انتقد نفسه، قائلاً إن خطابه كان يفتقر إلى الطلاقة.
لكنّ بن عمار طمأنه على طريقة البطانات العربية في أبهى صورها، قائلاً: «لا، على الإطلاق... إنها عودة تاريخية. أنت رجل الشعب. أنت تتحدث لغتهم».
ويضحك بن علي بما يبدو أنه شيء من الارتياح، لكن من الواضح أن الخطاب الذي ألقاه للجمهور التونسي لم يكن كافياً. هذا الجزء اقتباس نصّي من تقرير «بي بي سي».

وهذا الحوار بين بن علي وبن عمار وتحليله هو مركزية هذا المقال...
تحليل هذا الحوار فيه أكثر من جانب، الجانب الأول هو كيفية عمل عقل حاكم من نوعية زين العابدين بن علي؛ فعقله الباطن في تلك اللحظات الحرجة يقول له إن تقييمه الشخصي أفضل بكثير من فهم مستشاره المتزلف الذي تربى في بيئة أساسها تلوين الحقائق وأحياناً الكذب المباشر لإرضاء الحاكم، وهنا يكون سؤال البيئة المحيطة بالحاكم جديرة بالدراسة والتأمل، أما الجانب الآخر في تبعات ذلك على فهمنا لسياقات أخرى بعضها مرّ باحتجاجات «الربيع العربي» وبعضها لم يمر بها. فمثلاً ماذا تعني تلك التسجيلات لما يحدث في السودان مثلاً، أو ليبيا، أو اليمن أو سوريا؟ وهل هناك دروس مستفادة من الثمن الباهظ الذي دفعه بن علي نتيجة ثقته في ثلة كاذبة من حوله؟
كنت أتحدث مع أحد الأصدقاء السودانيين عن ثورتهم وتطرقنا لفكرة البطانة المحيطة برئيس الوزراء عبد الله حمدوك، وضمن ما قال إن مكتب حمدوك على غير العادة في السودان كان فيه عدد لافت من النساء يعملن مستشارات، ومع ذلك اتخذ قرارات خاطئة، إذ زيّنت له البطانة بعضاً مما بدا أنه غير صواب، وفي هذا تحذير أساسه أن المصيبة الخاصة بالنفاق وتلوين الحقائق لا تختلف فيها المرأة عن الرجل كثيراً، لذا ربما يكون الحل هو في تغيير البيئة المنتجة للمنافقين، نساءً كانوا أم رجالاً، إذ تُروى هذه العقول والنفوس من ذات المستنقع، ومن دون تجفيف المستنقعات وتحويلها إلى بحيرات ماؤها صافٍ ورائق سيبقى الحال كما هو عليه.
بطانة بن علي هي ذاتها بطانة صدام حسين التي زيّنت له دخول الكويت عام 1990 والتي أوصلته إلى أن يقتاده الأميركان خارج حفرة في الخلاء، ثم يتم إعدامه. هي ذات البطانة التي أوصلت القذافي إلى الموت الشنيع في ماسورة إسمنتية، وهي ذاتها التي شوّهت وجه وجسد علي عبد الله صالح في حالة من الموت الممسرح والطويل المهين.
ذلك هو ثمن النفاق وأن يحيط القائد نفسه بثلة من أهل الكذب والنفاق والذين لم يكن ليصدقهم لو اختلى إلى نفسه لحظة.
بن علي كان صادقاً للحظة عندما أدرك أن خطابه لم يصل إلى الناس وكان خطاباً فقيراً وبائساً، كذلك كان خطاب مبارك الأول عند اندلاع ثورة يناير (كانون الثاني) في مصر. تحسن الأداء قليلاً في الخطاب الثاني وكان ذلك بعد فوات الأوان.
كانت أمام مبارك فرصة تجنيب مصر ويلات كل ما جرى، بأن يحلّ مجلس الشعب. كان يمكن لمبارك أن ينتقد ممارسات حبيب العادلي ويقيله من منصبه مع حل البرلمان. لو فعل هذا من البداية لذهب في التاريخ مذهب سوار الذهب في تاريخ السودان، ولكنه استمع إلى نفاق بطانته فشهدنا نهاية لا تليق في محاكمة رجل مسن متمدد على سرير طبي تنقله طائرة مروحية من المستشفى إلى المحكمة، في موت طويل ممسرح ومسرحية محاكمة مبتذلة. هذه النهايات التي يصل إليها الحاكم هي ثمن النفاق الذي أقصده.
رحم الله زين العابدين بن علي، ورحم من بعده شعب تونس الذي يئنّ في ذكرى ثورته من وطأة واقع صنعه بن علي ومَن جاء من بعده، وهذا ثمن للنفاق لو تعلمون عظيم.
في هذا المقال ركزت على نفاق البطانة، أما تفسير وقراءة عقلية الديكتاتور، فهذا يحتاج إلى متخصصين في علم النفس السياسي والاجتماعي وهذا خارج مساحة تخصصي، قراءة كيفية عمل عقل الديكتاتور وطريقة اتخاذ قراراته في أثناء الأزمات يحتاج إلى مقال يكتبه ثلاثة من المتخصصين على الأقل في مجالات الطب النفسي وبيولوجيا السياسة. ليتنا كنا كالمصريين القدماء نحنّط جثث الديكتاتور حتى نعرف ولو قليلاً عن الجينات التي توصله إلى هذا المآل المؤلم، وبما أنني لا أتمتع بأيٍّ من هذه الأدوات التحليلية الأكثر صرامة، قررت أن أحصر زاوية المقال في ثمن النفاق.

arabstoday

GMT 13:05 2024 السبت ,05 تشرين الأول / أكتوبر

حزب الله بخير

GMT 11:57 2024 الثلاثاء ,01 تشرين الأول / أكتوبر

مرحلة دفاع «الدويلة اللبنانيّة» عن «دولة حزب الله»

GMT 11:55 2024 الثلاثاء ,01 تشرين الأول / أكتوبر

هل هذا كل ما يملكه حزب الله ؟؟؟!

GMT 20:31 2024 الجمعة ,13 أيلول / سبتمبر

عشر سنوات على الكيان الحوثي - الإيراني في اليمن

GMT 20:13 2024 الخميس ,12 أيلول / سبتمبر

صدمات انتخابية

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

ثمن النفاق ثمن النفاق



GMT 10:34 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024
 العرب اليوم - أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024

GMT 13:32 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب
 العرب اليوم - الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب

GMT 10:29 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف
 العرب اليوم - نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف

GMT 09:16 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

أحمد العوضي يتحدث عن المنافسة في رمضان المقبل
 العرب اليوم - أحمد العوضي يتحدث عن المنافسة في رمضان المقبل

GMT 03:50 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

مخبول ألمانيا وتحذيرات السعودية

GMT 06:15 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

جنبلاط وإزالة الحواجز إلى قصرَين

GMT 04:01 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الثكنة الأخيرة

GMT 20:58 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

الجيش الأميركي يقصف مواقع عسكرية في صنعاء

GMT 14:06 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

موسكو تسيطر على قرية بمنطقة أساسية في شرق أوكرانيا

GMT 14:19 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

إلغاء إطلاق أقمار "MicroGEO" الصناعية فى اللحظة الأخيرة

GMT 14:06 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

وفاة جورج إيستام الفائز بكأس العالم مع إنجلترا

GMT 17:29 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

سائق يدهس شرطيا في لبنان

GMT 14:06 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

إصابات بالاختناق خلال اقتحام الاحتلال قصرة جنوبي نابلس

GMT 07:06 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

مقتل 6 في غارة إسرائيلية على مدرسة تؤوي نازحين بغزة
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab