الأزمات الخمس للدول النامية

الأزمات الخمس للدول النامية

الأزمات الخمس للدول النامية

 العرب اليوم -

الأزمات الخمس للدول النامية

بقلم:مأمون فندي

في مقال الأسبوع الفائت عرضتُ للأزمات الخمس التي تعاني منها الدول النامية بدرجات متفاوتة وهي: أزمة الهوية، وأزمة الشرعية، وأزمة المشاركة السياسية، وأزمة توزيع الموارد أو غياب المؤسسات القادرة على التوزيع، وأزمة تغلغل الدولة أو إحساس المواطن بوجود الدولة في كل أراضيها. وبأزمة الهوية لا أعني مطلقاً ما يفهمه مَن يأخذون الكلام من شواشيه ممن يقولون إننا «مجتمع مسلم في غالبيته ونتحدث لغة واحدة ولنا تاريخ مشترك وليست لدينا أزمة هوية»، فهذا فهم قاصر لما نقصده بأزمة الهوية في سياق بناء الدول (state building). أزمة الهوية يجمعها خيط قانوني يحس فيه المواطن حتى ولو اختلف عن الهويات الأدنى بأنه جزء من نسيج وطني واحد. وأزمة الهوية في إطار دراسات بناء الدول وإدارتها ليست كأزمة الهوية الشخصية في إطارها السيكولوجي كما يطرحه العالم الألماني إرِك أريكسون. فإذا أخذنا المثال المصري أو اللبناني مثلاً، فهناك مواطن لبناني شيعي جنوبي عربي، وهناك نوبي مسلم صعيدي وعربي، والهوية هنا مثل السلم يصعد الفرد درجاته وقت تهديد أي مستوى من مستويات الهوية، إذ تتأكد النوبية مثلاً إذا كانت المشكلة داخل الإقليم المعروف بالصعيد، ويصعد سلمة أخرى لتصبح هويته صعيدية جنوبية عندما يكون في مواجهة مع أهل القاهرة أو أهل الشمال، وتتأكد هويته الإسلامية عندما يجد نفسه مهاجراً في بلاد غير مسلمة... إلى آخر هذه التهديدات. إذن الهوية هي سلم يصعد وينزل الفرد من درجاته حسب السياق وهي ليست شيئاً جامداً. وردُّ البعض بأن بلادنا ليست بها مشكلة هوية سياسية، هو في إطار السطحية الفكرية والسياسية التي لا يعوَّل عليها في لحظات الأحاديث الجادة ولحظات الأزمة. هذا النوع من الأحاديث السطحية هو الذي يسهم في تعميق أزمة الهوية، والحكومات مسؤولة عندما تصدّر في الواجهة من خلال إعلامها وجوهاً ترفل في السطحية وتظنها معرفة. هؤلاء لا لوم عليهم، فالجاهل دوماً لا يدرك أنه جاهل ما دامت سُلطت عليه الأضواء ووضعه من بيدهم زمام الأمر في مقدمة الصفوف. وهذه قصة طويلة تحتاج إلى نقاش منفصل. ولكنها أيضاً ظاهرة ليست عربية، فهي دوماً موجودة في الأنظمة المغلقة التي تعاند في إدارة أزمة الهوية على حساب تماسك الدولة ومؤسساتها.

المشاركة السياسية ليست بالضرورة غائبة في مجتمعاتنا رغم الانغلاق، فالزميلة دايان سنجزمان كتبت في منتصف التسعينات كتابها المميز عن المشاركة السياسية في أحياء القاهرة العشوائية والتي ترى أن الناس العاديين لديهم قدرات عجيبة للمشاركة ليس بالشكل الرسمي ولكن من خلال شبكة من العلاقات، فالمرأة الشعبية التي تخدم في بيت لواء الشرطة تستطيع بواسطتها أن تُدخل ابن الجيران أو ابنها كلية الشرطة مثلاً رغم صعوبة ذلك وتصبح صاحبة واسطة لأهلها من خلال شبكة علاقات غير رسمية (informal institutions)، وشبكة العلاقات غير الرسمية هذه هي التي تجعل المهمشين جزءاً من النظام... وهكذا أحياناً تنقذ الحيل الشعبية النظام ذاته من مواجهة أزمة المشاركة التي تتعرض لها أنظمة شبيهة. ورغم تميز الدراسة التي تلفت نظرنا لقراءة الجانب غير الرسمي من السياسة، فإنها قد تُعفي النظام من أهمية اشتمال كل أبناء الوطن من خلال توسيع دائرة المشاركة السياسية بشكلها الرسمي، وفيها أيضاً نوع من قبول شبكات الواسطة كبديل للنظام الرسمي. أزمة المشاركة السياسية هي أزمة حقيقية في المجتمعات المغلقة تحتاج إلى المواجهة من خلال تقديم الحلول وليس بالحوار وحده.
أما أزمة الشرعية فكتب عنها الراحل مايكل هدسون كتابه الشهير عن أزمة الشرعية في العالم العربي والذي حصل على جائزة ككتاب متميز عن الشرعية وعن الدراسات الشرق أوسطية في ذات الوقت. فيه يؤكد هدسون أن أزمة الشرعية وتآكلها في المنطقة في حال التحول من الدول التقليدية إلى الدول الحديثة ستبقى من أولى الأزمات العضال التي تواجهها المنطقة، ورغم أن الكتاب نُشر منذ أربعين عاماً فإن الأزمة ما زالت باقية وواضحة للعيان، وقليلون يريدون مواجهتها بشكل مباشر. الأنظمة الثورية في منطقتنا أحياناً تأتي بزخم من الشرعية وما تلبث أن تبددها في قمار سياسي من خلال فشل السياسات، كما كان الحال مع جمال عبد الناصر وهزيمة 1967، أو مغامرات صدام حسين الذي حوّله غرور القوة تدريجياً إلى رئيس غير شرعي في عيون شعبه... والأمثلة كثيرة.
أما أزمات التغلغل في نطاق الدولة وإحساس المواطنين بوجود سلطاتها على الأرض، فهي في نظري أُمّ الأزمات في كثير من بلدان العالم العربي.
فإذا أخذنا ما حدث من عنف في سيناء على سبيل المثال أو يحدث حتى في صعدة في اليمن، فهو نتيجة لإهمال هذه المناطق وإخراجها من دائرة السياسة إلى دائرة الأمن، ومن هنا تأتي ردّات الفعل العنيفة. فبدلاً من اعتراف الدولة بالحق التقليدي للبدو في الرعي وتقنين أراضيهم أو تصحيح أوضاعهم قررت الدولة أن تبيع الأراضي لرجال أعمال قادمين من القاهرة بسعر بخس ليبنوا عليها مشروعاتهم ويتحوّل المواطن السيناوي إلى مجرد حارس أي خفير.
التغلغل هو تغلغل سلطة الدولة العادلة التي ترى كل مواطنيها بذات العدسات ولا تضطرهم لقبول أمر جديد وغريب.
كل هذه الأزمات لا يحلها الحوار بل تحلها سياسات مدروسة من خلال الاشتمال وتوسيع دائرة المشاركة، ولهذا أقول إن الحل يتكون من عنصرين؛ أولهما السياسة وثانيهما السياسات (politics and policy)... فقط بالسياسة والسياسات تدار المجتمعات لتجاوز أزماتها.

arabstoday

GMT 06:23 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

المبحرون

GMT 06:20 2024 الأربعاء ,10 تموز / يوليو

قرارات أميركا العسكرية يأخذها مدنيون!

GMT 06:17 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

تسالي الكلام ومكسّرات الحكي

GMT 06:14 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

كيف ينجح مؤتمر القاهرة السوداني؟

GMT 06:11 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

اكتشافات أثرية مهمة بموقع ضرية في السعودية

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الأزمات الخمس للدول النامية الأزمات الخمس للدول النامية



إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 22:49 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

غارة إسرائيلية على معبر حدودي بين سوريا ولبنان
 العرب اليوم - غارة إسرائيلية على معبر حدودي بين سوريا ولبنان

GMT 15:41 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

ميرهان حسين تكشف مفاجأة عن أعمالها المقبلة
 العرب اليوم - ميرهان حسين تكشف مفاجأة عن أعمالها المقبلة

GMT 08:50 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

انطلاق الدورة الثانية من مهرجان الشارقة للسيارات القديمة
 العرب اليوم - انطلاق الدورة الثانية من مهرجان الشارقة للسيارات القديمة

GMT 14:30 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

نائبة الرئيس الفلبيني تتفق مع قاتل مأجور لاغتياله وزوجته
 العرب اليوم - نائبة الرئيس الفلبيني تتفق مع قاتل مأجور لاغتياله وزوجته

GMT 08:28 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

واتساب يحول الرسائل الصوتية إلى نصوص بلغات منها العربية
 العرب اليوم - واتساب يحول الرسائل الصوتية إلى نصوص بلغات منها العربية

GMT 09:46 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر

GMT 07:23 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

"فولكس فاغن" تتمسك بخطط إغلاق مصانعها في ألمانيا

GMT 06:42 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

إيران ولبنان.. في انتظار لحظة الحقيقة!

GMT 15:39 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

رانيا يوسف تخوض تحديا جديدا في مشوارها الفني

GMT 15:41 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

ميرهان حسين تكشف مفاجأة عن أعمالها المقبلة

GMT 14:30 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

نائبة الرئيس الفلبيني تتفق مع قاتل مأجور لاغتياله وزوجته

GMT 08:18 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

الجيش الإسرائيلي يعلن اعتراض مسيّرة قبالة سواحل حيفا

GMT 17:41 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

حماس تعلن مقتل رهينة بقصف إسرائيلي شمالي غزة

GMT 08:28 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

واتساب يحول الرسائل الصوتية إلى نصوص بلغات منها العربية

GMT 08:16 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

"حزب الله" يعلن استهداف قوات إسرائيلية في الخيام والمطلة

GMT 08:32 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

GMT 22:49 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

غارة إسرائيلية على معبر حدودي بين سوريا ولبنان

GMT 17:46 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

الشيوخ الأميركي يطالب بايدن بوقف حرب السودان

GMT 23:03 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

الملكة كاميلا تكسر قاعدة ملكية والأميرة آن تنقذها
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab