لماذا فشل الربيع

لماذا فشل الربيع؟

لماذا فشل الربيع؟

 العرب اليوم -

لماذا فشل الربيع

بقلم : مأمون فندي

منذ بداية ما سمي «الربيع العربي» حتى الآن انفتحت شهية العرب لا على القراءة، بل على الكتابة والكلام المتلفز، وبحثا عن مؤشرات عن الجديد في «الربيع» كنت أتابع ما إذا كانت اللغة قد أينعت، أو أثمرت علاقات جديدة تمنح الكلمات معاني جديدة، أو تفتح أمامنا آفاقا جديدة؛ إذ لا يمكن الحديث عن واقع جديد بلغة قديمة. كنت أتابع ميلاد منهجية جديدة تتخذ من العلم لا من الغيبيات سبيلا جديدا لتمهيد الطريق إلى معرفة تنقلنا إلى العالم الحر، الذي يعتمد المعرفة بمعايير صارمة للوصول إلى درجات الحقيقة.

كانت الجماعات التي تتصدى للكتابة والكلام التلفزيوني في تلك الفترة تنقسم إلى صنوف عدة، بعضها كان محافظا ومع النظام القديم، لأن هذه الثورات في رأيه من صنيعة المؤامرة الغربية التي لا ينبغي الانخراط فيها لتدمير أوطاننا بأيدينا. أما البعض الآخر فكان يرى أن ما يحدث هو نتيجة لسياسة أميركية تهدف إلى ما سمته كوندوليزا رايس «الفوضى الخلاقة». حظي الجيد أو السيئ أنني قابلت كوندوليزا رايس أكثر من مرة، وأجريت معها حوارا مطولا لهذه الصحيفة، وأصبت يومها بخيبة أمل من الأستاذة الجامعية قبل الحديث عن الوزيرة؛ إذ بدا يومها وربما قبل ذلك اليوم أن السيدة رايس لا تعي ما تقصد من سياستها التي يتحدث عنها الكثيرون بأنها فوضى خلاقة، وهذا ليس ادعاء، بل حقيقة بناًء على نقاش مطول معها.

المشكلة في عالمنا العربي اليوم هي أن كثيرين ممن يتحدثون عن مؤامرات الغرب وعن ثقافة الغرب، وعن صناع السياسة في الغرب لم يخبروا الغرب أو يعرفوه عن قرب، ولم يختلطوا بالثقافة الغربية بطريقة حتى تسمح بالتفسير، هم يؤلفون وهًما كي يصدقوه.

تقرأ مقالات منّمقة عن الغرب وتسمع مقابلات تلفزيونية، ومعظمها يدعي أنه يكشف عن أمر جاد وتقسيم دول وخرائط، ولكنه في الحقيقة يعيد تدويرا لنفايات معلومات أنتجت على هامش الثقافات والمجتمعات الغربية.

بما أن ثقافتنا في مجملها، وليس فقط صحفنا وتلفزيوناتنا، خالية من المعايير التي يجب أن تمر من خلالها المعرفة وليس بها غربال يغربل التراب من الحب، فلا فرق بين من تعلم أو من لم يتعلم، المهم هو من الذي سينّصبه صاحب القناة أو الصحيفة متحدثا باسم الوطن، أو من اشترى لنفسه كم مليون متابع في «تويتر».

ليس مهًما أن من يتحدث يعرف أو لا يعرف، المهم هو أن صاحب القناة الصحيفة منحه مساحة لنشر الجهل الذي يبدو وكأنه كل العلم، لمجرد تكراره كل يوم من خلال أعمدة صحيفة، أو من خلال وهج الشاشات الأزرق.

في تجربتي في كتابة الرأي في الصحف الغربية، سواء في صحيفة «نيويورك تايمز» أو «واشنطن بوست» كنت أحّس دائًما بأن معايير الكتابة من التدقيق في المعلومات هي معايير صارمة لا هوادة فيها، أيا كانت أهمية الكاتب. أذكر أن «نيويورك تايمز» طلبت مني مقالا بعد سقوط تمثال صدام في بغداد، وكان مغريا أن افتتح المقال بأغنية أم كلثوم «كان صرحا من خيال فهوى»، لتتصل بي محررة الرأي في اليوم التالي لتسأل عن تاريخ الأغنية، وأين غنتها الست؟ وهي معلومات لم أذكرها وأنا في سكرة اللغة والسطر البلاغي الأول الذي يرسم ملامح بقية المقال، وقالت في صرامة «لن أستطيع نشر المقال رغم جماله، إلا بعد أن تكون لدي هذه التواريخ والمعلومات». الشيء نفسه تكرر معي في كل مقال نشرته لي «واشنطن بوست»، وفي كل الحالات ترسل الصحيفة لك المقال بعد أي تعديل، من أجل أن يجيزه الكاتب قبل النشر.

النقطة هي أن مقال الرأي يمر بغربلة صارمة قبل النشر، ويعمل في صفحة الرأي عشرات من المحررين ومساعديهم؛ لفرز المقالات وتدقيقها. طبعا بالنسبة لنا في العالم العربي تلك تكاليف إضافية لا يمكن أن تتحملها الصحيفة أو التلفزيون، فهناك صحف يدير صفحات الرأي بها شخص واحد أو اثنان، فكيف يمكنهما الفرز والتدقيق؟!
المعرفة الجيدة أمر مكلف، وفي المجتمعات الغربية المعايير تتطلب ذلك؛ لذا لا تتردد الصحف والتلفزة في الصرف على جدية المعلومة ودقتها، ومع ذلك تقع أخطاء كثيرة تقر بها الصحف الغربية.

مشكلتنا اليوم في عالمنا العربي خصوصا بعد ظهور السوشيال ميديا (الإعلام الاجتماعي) الذي لم يعد اجتماعيا، أن المعلومات غائبة والمعايير غائبة. لذا؛ تمر الأكاذيب كمعلومات بالتكرار والإلحاح على هذا التكرار، وكأن تكرار الكذب يحّوله إلى حقيقة.

جاء الربيع وذهب ولم تتغير اللغة، ولم يحدث جديد في معايير ما يعرض على العامة من كلام يكتب في الصحف أو يقال على الشاشات.

الإعلام الرخيص ينتج لغة رخيصة ومعلومات رخيصة، ويكون نتيجة ذلك ثقافة رخيصة قد تنتج مجتمعات رخيصة.

إن لم يكن العلم والصرامة واللغة الجديدة سبيلنا، فلن يغيرنا لا ربيع ولا خريف

arabstoday

GMT 00:04 2024 الإثنين ,01 تموز / يوليو

هل ينقسم الحزب الديمقراطي؟

GMT 00:09 2024 الإثنين ,24 حزيران / يونيو

إعادة إعمار العقول والقلوب

GMT 00:09 2024 الإثنين ,27 أيار / مايو

ثلاثة أحداث فارقة ومستقبل الدولة الفلسطينية

GMT 00:01 2024 الإثنين ,20 أيار / مايو

البطيخة: العنصرية والمقاومة

GMT 00:51 2024 الإثنين ,13 أيار / مايو

الكويت: بين المشروع وإعادة النظر

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

لماذا فشل الربيع لماذا فشل الربيع



إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 07:15 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

فيتامين سي يعزز نتائج العلاج الكيميائي لسرطان البنكرياس

GMT 06:15 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

1000 يوم.. ومازالت الغرابة مستمرة

GMT 09:46 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر

GMT 15:49 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

الاتحاد الأوروبي يؤجل عودة برشلونة إلى ملعب كامب نو

GMT 14:52 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

الرئاسة الفلسطينية تعلّق على "إنشاء منطقة عازلة" في شمال غزة

GMT 06:27 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الجيش الإسرائيلي يصدر تحذيرا لـ3 مناطق في جنوب لبنان

GMT 12:26 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الجنائية الدولية تصدر مذكرتي اعتقال بحق نتنياهو وغالانت

GMT 13:22 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

الرئيس الإيراني يناشد البابا فرانسيس التدخل لوقف الحرب

GMT 13:29 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

رئيس دولة الإمارات وعاهل الأردن يبحثان العلاقات الثنائية

GMT 14:18 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

شيرين رضا خارج السباق الرمضاني 2025 للعام الثالث علي التوالي
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab