الدين والسياسة دروس من تجربة الاتحاد الأوروبي

الدين والسياسة.. دروس من تجربة الاتحاد الأوروبي

الدين والسياسة.. دروس من تجربة الاتحاد الأوروبي

 العرب اليوم -

الدين والسياسة دروس من تجربة الاتحاد الأوروبي

بقلم : مأمون فندي

تبدو فرضية مباَلغ فيها أن نقول إن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي جاء بدافع ديني، لكن برنت نيلسون وجيمز غوس في كتابهما «الدين والصراع على وحدة أوروبا» أو الحدود الثقافية للاتحاد الأوروبي، الذي نشرته جامعة جورجتاون عام 2015 ،يطرحان مقولة مفادها أن الكاثوليك هم أهل اتحاد، بينما البروتستانت هم أهل تفرقة، أو بصورة أدق داخل الديانة المسيحية وفي التجربة الأوروبية يبدو البروتستانت وكأنهم يؤمنون بالدولة الوطنية أساسا للنظام الدولي المستقر، بينما يرى الكاثوليك أن الاتحاد ما فوق الدولة الوطنية كتجربة الاتحاد الأوروبي هو عامل الاستقرار الأساسي. ترى هل يمكننا أن نطرح فرضية مثل هذه للحديث عن الشيعة والسنة داخل البيت الإسلامي مثلا، حيث يكون السنة هم من يؤمنون بالدولة الوطنية والوضع الراهن quo status ،بينما يؤمن الشيعة بفكرة الطائفية وما فوق الدولة والعمل الثوري من أجلها؟ وكيف نفهم فكرة الخلافة عند السنة فيما سبق تاريخيا، وهل هناك فرق بين إسلام الدولة السنية الذي يركز على وحدة الدولة، وبين راديكالية الجماعات السنية المتطرفة، التي ما زالت تحلم بالخلافة؟ أم أن فقه الدولة الوطنية لم يتطور عند أي من الطائفتين؟ أعتقد أن نقل هذه الفرضية إلى فضاءات الإسلام السياسية وتاريخ بناء الدول، أمر محفوف بكثير من المخاطر رغم أهمية الحراك الفكري الذي قد تحققه هذه الفرضية المثيرة للجدل.

بالطبع داخل الخيمة المسيحية كانت هناك محاولات دائمة لإقحام العوامل الثقافية ومنها الدين، الذي تعتنقه مجموعة ما في فهم السلوك السياسي للجماعات والدول؛ إذ كتب ماكس فيبر كتابه الشهير «الأخلاق عالم نشره كتاب وهو The Protestant Ethic and the Spirit of Capitalism «الرأسمالية وروح البروتستانتية الاجتماع الكبير عام 1905 ،أي منذ أكثر من قرن من الزمان والذي طرح فيه مقولته الشهيرة، التي تدعي أن أساس ظهور الرأسمالية في أوروبا هو الأخلاق البروتستانتية التي تعلي من قيمة العمل، طرحَرآه المثقفون من الكاثوليك بأنه متحيز ضدهم، ويعكس رؤية ماكس فيبر البروتستانتي ضد الطائفة الكاثوليكية داخل البيت المسيحي.

فكرة فيبر الآن يتبناها المؤلفان نيلسون وغوس من خلال تطبيقها على السياسة لا على الاقتصاد وحده، وهي قراءة ثقافية لسلوك الدول تحاول التفسير من خلال عوامل آيديولوجية يكون الدين أحد أعمدتها.

فتصاعد تيار اليمين الديني في بريطانيا مثلا، هو الذي أدى إلى خروجها من الاتحاد الأوروبي، فهل سيفعل الدين الشيء نفسه بفرنسا مع تصاعد تيار ماري لوبين؟ هذه القراءة الثقافية تفتح كوة جديدة من النور للبحث في الدوافع الثقافية التي أوصلتنا اليوم إلى ما يمكن تسميته الصراع على روح الاتحاد الأوروبي، وما يصاحبه أيضا من صراع على هوية أوروبا الثقافية.

ولكن تبقى الأسئلة الأكبر والخاصة بطبيعة التحديات التي خلقت جوا من البلبلة في عقل صناع السياسة4  غِّرد اليوم. فمثلا تعود القادة العسكريون في السابق وخصوصا في أميركا وأوروبا على مواجهة تحديات محددة، مثل الاتحاد السوفياتي أيام الحرب الباردة، أو حتى المنافسة مع روسيا والصين اليوم رغم أنهما (أي روسيا والصين) في مستوى منافس حقيقي مع الولايات المتحدة حتى الآن، ولكن التعود على الصراعات التقليدية، ربما هو الذي أوصلنا إلى حالة الارتباك الحالية التي تبحث في الجذور الثقافية لتهديدات غير تقليدية مثل تنظيم القاعدة وتنظيم داعش، وكل الجماعات الإرهابية المسلحة بتكنولوجيا العصر.

هذه المساحات الرمادية الغامضة في تفسير ما يحدث من حولنا مما يبدو وكأنه انهيار العالم، ربما هي التي تدفعنا إلى مثل هذه التفسيرات، أم أن هناك بالفعل تفسيرا ثقافيا لما يحدث يكون الدين أهم عناصره؟ هل ما حدث في فرنسا وبلجيكا وبريطانيا من قبل وكذلك أميركا هو الذي دفعنا إلى هذا النوع من الأبحاث، أم أن هذه التهديدات غير التقليدية لا تفسير لها سوى الدين والثقافة؟ في مقابلة الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي مؤخرا مع شبكة «سي إن إن» لم يتردد في وصف الإرهاب بـ«الإسلامي»، وقال إنه مسلم ويقول ذلك، فهل هذه جرأة تستحق التقدير، أم أنه تفسير تفرضه تحديات المجتمع والدولة في مصر؟ وإذا كان الأمر كذلك فهل هو إرهاب سني أم شيعي أم كلاهما؟ أم أن التفسير الثقافي وحده لظاهرة الإرهاب، هو تفسير ناقص يتجاهل الدوافع السياسية والاقتصادية للظاهرة؟ أتصور أن نقل هذا النوع من الحوار حول الدين ودوره في تماسك الدولة الوطنية أو تفكيكها، لهو أمر جدير بالتدبر، رغم أنه وحده لا يفسر لماذا تنهار الدول في محيطنا، ولا يفسر لماذا يفشل المسلمون في تكوين اتحاد أوسع، كما أنه لا يفسر تماسك بعض الدول الإسلامية وانهيار بعضها الآخر.

اللحظة العالمية التي نعيشها تطرح تحديات كبرى للباحثين والساسة لمعرفة أسباب حالة التوتر والسيولة في العلاقات الدولية اليوم، ولكن في عالمنا العربي من يتعرض لهذه الحوارات هم أقل الناس تأهيلا للاستمرار في نقاش منطقي مطول يأخذنا إلى نهاية منطقية. أنه شيء أشبه بعنوان رواية الأميركي دون داليليلو الموسومة «الضوضاء البيضاء» noise white وحتى تقل الضوضاء ويرتفع صوت العقل المدرب، نبقى في حالة ضبابية فكرية لا تأخذنا إلى تلك الجرأة الأوروبية في طرح الأسئلة الصعبة.

arabstoday

GMT 00:04 2024 الإثنين ,01 تموز / يوليو

هل ينقسم الحزب الديمقراطي؟

GMT 00:09 2024 الإثنين ,24 حزيران / يونيو

إعادة إعمار العقول والقلوب

GMT 00:09 2024 الإثنين ,27 أيار / مايو

ثلاثة أحداث فارقة ومستقبل الدولة الفلسطينية

GMT 00:01 2024 الإثنين ,20 أيار / مايو

البطيخة: العنصرية والمقاومة

GMT 00:51 2024 الإثنين ,13 أيار / مايو

الكويت: بين المشروع وإعادة النظر

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الدين والسياسة دروس من تجربة الاتحاد الأوروبي الدين والسياسة دروس من تجربة الاتحاد الأوروبي



GMT 10:34 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024
 العرب اليوم - أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024

GMT 13:32 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب
 العرب اليوم - الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب

GMT 10:29 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف
 العرب اليوم - نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف

GMT 03:50 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

مخبول ألمانيا وتحذيرات السعودية

GMT 06:15 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

جنبلاط وإزالة الحواجز إلى قصرَين

GMT 04:01 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الثكنة الأخيرة

GMT 20:58 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

الجيش الأميركي يقصف مواقع عسكرية في صنعاء

GMT 14:06 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

موسكو تسيطر على قرية بمنطقة أساسية في شرق أوكرانيا

GMT 14:19 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

إلغاء إطلاق أقمار "MicroGEO" الصناعية فى اللحظة الأخيرة

GMT 14:06 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

وفاة جورج إيستام الفائز بكأس العالم مع إنجلترا

GMT 17:29 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

سائق يدهس شرطيا في لبنان

GMT 14:06 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

إصابات بالاختناق خلال اقتحام الاحتلال قصرة جنوبي نابلس
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab