النصب التذكاري للفساد

النصب التذكاري للفساد

النصب التذكاري للفساد

 العرب اليوم -

النصب التذكاري للفساد

بقلم : مأمون فندي

في قلب القاهرة وفي حي الزمالك الفخم يقف «النصب التذكاري للفساد» وهو مبنى عملاق بطوابق تصل إلى 50  ً دورا، أي أكبر من أي عمارة في مصر، يمكنك من فوقه أن ترى أهرامات الجيزة والقلعة حتى المطار، ً مبنى بدأ مخالفا منذ عصر الرئيس الراحل أنور السادات كمبنى تم الترخيص له عام 1972 ثم تصريح آخر كبناء من تسعة طوابق ثم صرح له عام 1973 من قبل وزارة السياحة كفندق من 44  ً طابقا ثم تم استثناؤه ً من الارتفاعات حتى بلغ خمسين طابق ً ا، هذا المبنى الدائري العملاق بقي مهجورا طوال عهد مبارك تسكنه ً الأشباح حتى يومنا هذا، أكثر من أربعين عاما.

ً بنى هذا المبنى ضد كل القوانين المعروفة ليس وزيرا بل أحد وكلاء الوزارة المتنفذين في عهد مبارك، بمخالفة لكل القوانين من حيث الارتفاع وغياب أي مرآب أرضي. حاول صاحبه شراء أرض إضافية من نادي الجزيرة الذي يقبع إلى جواره، ولكنه فشل لأن النادي يتمسك بقيم حي الزمالك القديم أو ربما لأسباب أخرى باطنية لا ظاهرية؟ المهم في هذا كله ورغم أعداد أطفال الشوارع في القاهرة وأزمة المساكن، يوجد مبنى في قلب الزمالك به أكثر من ألف غرفة فارغة، ومثله كثير حتى نصل إلى «النصب التذكاري الثاني للفساد»، المعروف ببرج القطن في الإسكندرية.

ً منذ عهد عبد الناصر حتى عهد السيسي وكل عام تعلن الدولة حرب ً ا على الفساد، وما زال الفساد قائما نخشى اقتلاعه حتى لا تنهار الدولة ومؤسساتها، لأن الفساد والدولة أصبحا ص َنوين أو توأمين ملتصقين لا تستطيع فك أحدهما عن الآخر دون موت الاثنين أو انهيار الدولة قبل انهيار مؤسسات الفساد.

كل من كانوا ضد ثورة 25 يناير يقولون بأن الشباب الذين قاموا بالثورة أرادوا لمؤسسات الدولة أن تنهار، الحقيقة هي أن الفساد كما دابة سليمان تأكل منسأة الدولة وهو السبب الأول للانهيار.

يظهر الفساد في الدول التي تحكمها قوانين ولوائح غائمة وغامضة، متراكمة بعضها فوق بعض وفي كثير ً من الأحيان متناقضة، هذا المظهر أيضا واضح وجلي في معظم بلداننا العربية قديمها وحديثها، ومع ذلك تبقى حالة الفساد في مصر غير مسبوقة في الإقليم.

ً فاللوائح والقوانين ليست فقط متراكمة، فهي في معظم الأحيان متناقضة أيضا. ً  الفساد أيضا يظهر حال تركز السلطات والصلاحيات التي لا تخضع للرقابة، في يد كبار المسؤولين، سواء كانوا حكوميين أو من المجتمع العادي أو القطاع الخاص. وأظن أن هذه النقطة ومظاهرها واضحة للعيان وغنية عن البيان في ً الحالة المصرية، خصوصا بعد أن اتضح للجميع أن الدستور أضحى مجرد صورة، ويعمل الإعلام (المفروض أنه سلطة رابعة رهن الإشارة» ً ، إذن لا بد أن يترك هذا المبنى الفخم في الزمالك مهجورا، شريطة أن يطلقً عليه وبلافتة علنية مكتوبة بالخط العريض يراها الجميع؛ النصب التذكاري لخمسين عاما من الفساد المستمر وغير المنقطع.

أتمنى ألا يظن القارئ، أن الفساد هو مشكلة حكومية فقط. فالفساد له قوانينه الحاكمة مثل قوانين الاقتصاد العام. معادلة الفساد هي مثل معادلة الاقتصاد، أو معادلة السوق، عرض وطلب. إذا ما زاد العرض قل الطلب والعكس. بمعنى أنه حتى لو كانت الحكومات طالبة للفساد، فلا بد من وجود عرض حتى يتسنى لميكانيزمات الفساد ومحركاته أن تعمل. المجتمع، وكذلك القطاع الخاص في مصر، يعرضان الفساد على قدر طلب الحكومات. والعاملون في الشركات يعرضون الفساد على قدر طلب الرؤساء، فحتى تكون للفساد قيمة ً اجتماعية، فلا بد للفاسد أن يكون مطلوب ً ا ومرغوبا. ومن هنا تكون بداية الحل هي في تقليل المعروض من الفساد، حتى يرتفع سعره وتقبل عليه الحكومات بدرجة تنظمها ميكانيزمات السوق وآلياته المحركة.

ً في مصر المعروض من الفساد كثير جدا ورغم ثورتين، فإن اختيار القادة في كل مرحلة من الثورتين له معيار واحد لا غير وهو الفساد.

الاختبار الحقيقي ليس تشجيع الاستثمار كما جاء في القوانين الأخيرة التي أقرتها حكومة الرئيس السيسي، القوانين الجديدة ستجلب أموالا من البنك والصندوق الدوليين ومن دول الجوار، أموال سيبتلعها الثقب الكوني الأسود (hole black (المعروف بالفساد، وما برج الزمالك سالف الذكر إلا رمز له وعنوان. لو كان الرئاسة تريد امتحانًا لقدرتها على مقاومة الفساد فلتبدأ بإزالتها هذا البرج القبيح وأبراج أخرى غيره، ًصبا تذكارية للفساد والكل يراها كل يوم، ولكنها تبدو وكأنها موافقة على أن الفساد كان عنوان أصبحت المرحلة منذ عام 1952 حتى اليوم، فقط يمط الفرد شفتيه وكأنه يقول «فوضت أمري إلى الله»، أتمنى أن يأتي اليوم الذي يفوض المرء أمره في الأمور الدنيوية إلى دولة أساسها علاقة بين الحاكم والمحكوم أساسها الدستور وحكم القانون.

الفرصة ما زالت قائمة أمام الرئاسة لتبين للعالم بالفعل المادي المجرد حرصها على إزالة النصب التذكارية للفساد في بر مصر، من أقصى جزيرة التمساح في الأقصر إلى برج الزمالك.

arabstoday

GMT 00:04 2024 الإثنين ,01 تموز / يوليو

هل ينقسم الحزب الديمقراطي؟

GMT 00:09 2024 الإثنين ,24 حزيران / يونيو

إعادة إعمار العقول والقلوب

GMT 00:09 2024 الإثنين ,27 أيار / مايو

ثلاثة أحداث فارقة ومستقبل الدولة الفلسطينية

GMT 00:01 2024 الإثنين ,20 أيار / مايو

البطيخة: العنصرية والمقاومة

GMT 00:51 2024 الإثنين ,13 أيار / مايو

الكويت: بين المشروع وإعادة النظر

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

النصب التذكاري للفساد النصب التذكاري للفساد



الأسود يُهيمن على إطلالات ياسمين صبري في 2024

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 07:39 2025 السبت ,04 كانون الثاني / يناير

أفكار هدايا لتقديمها لعشاق الموضة
 العرب اليوم - أفكار هدايا لتقديمها لعشاق الموضة

GMT 08:03 2025 السبت ,04 كانون الثاني / يناير

وجهات سياحية مناسبة للعائلات في بداية العام الجديد
 العرب اليوم - وجهات سياحية مناسبة للعائلات في بداية العام الجديد

GMT 07:49 2025 السبت ,04 كانون الثاني / يناير

نصائح بسيطة لإختيار إضاءة غرف المنزل
 العرب اليوم - نصائح بسيطة لإختيار إضاءة غرف المنزل

GMT 19:57 2025 الأربعاء ,01 كانون الثاني / يناير

دراسة حديثة تكشف علاقة الكوابيس الليلية بالخرف

GMT 06:40 2025 السبت ,04 كانون الثاني / يناير

2024 سنة نجاحات مغربيّة

GMT 06:32 2025 السبت ,04 كانون الثاني / يناير

هل قرأت افتتاحية «داعش» اليوم؟!

GMT 08:12 2025 الجمعة ,03 كانون الثاني / يناير

ممرات الشرق الآمنة ما بعد الأسد

GMT 09:29 2025 الخميس ,02 كانون الثاني / يناير

للمرة الأولى بعد «الطائف» هناك فرصة لبناء الدولة!

GMT 14:10 2025 الجمعة ,03 كانون الثاني / يناير

رسميا الكويت تستضيف بطولة أساطير الخليج

GMT 06:30 2025 السبت ,04 كانون الثاني / يناير

ما تم اكتشافه بعد سقوط النظام السوري!

GMT 11:26 2025 الجمعة ,03 كانون الثاني / يناير

وزيرا خارجية فرنسا وألمانيا يتفقدان سجن صيدنايا في سوريا

GMT 14:14 2025 الجمعة ,03 كانون الثاني / يناير

زلزال بقوة 4.7 درجة يضرب مدينة "سيبي" الباكستانية
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab