قطر وجماعة «الحياد السلبي»

قطر وجماعة «الحياد السلبي»

قطر وجماعة «الحياد السلبي»

 العرب اليوم -

قطر وجماعة «الحياد السلبي»

بقلم : مأمون فندي

هناك موقف يتبلور ممن يتبنون ما أسميه «الحياد السلبي»، وليس الحياد الإيجابي الذي أطلقه عبد الناصر أيام الحرب الباردة، بل هو حياد سلبي مغلف بتفوق أخلاقي يدعي أنه وفي الأزمة بين قطر ورباعية المقاطعة أن قطر ضحية لا ذنب لها في الأزمة الخليجية الحالية. فهل قطر فعلا ضحية لا لوم عليها كما جاء في خطاب الشيخ تميم الأخير، أم أن قرارات دول المقاطعة هي نتيجة طبيعية لتبعات السياسة الخارجية القطرية؟ في تصوري أن هذه المساحة الضبابية للحياد السلبي المصحوب بالتفوق الأخلاقي تحتاج إلى فرز حتى نتبيّن السراب من الماء في صحاري العرب الفكرية والأخلاقية.

«الحياد الإيجابي وعدم الانحياز» كان مفهوماً ناصرياً لتجنب اتخاذ موقف واضح بين روسيا وأميركا أثناء الحرب الباردة، ولم يكن لا حياداً ولا إيجابياً بل كان انحيازاً للمعسكر الاشتراكي، ولكن دونما دفع ثمن هذا الانحياز لأنه مغطى بالحياد، وتشكل للحياد الإيجابي ائتلاف من الدول عرف بحركة عدم الانحياز بقيادة نهرو وتيتو وناصر.

لا أدعي أن حركة مثل حركة عدم الانحياز ستتبلور تجاه الأزمة القطرية، ولكن هناك حركة اجتماعية ربما لم يشرح لها الأمر بوضوح تتبنى موقف الحياد السلبي وليس الإيجابي تجاه الأزمة بين قطر ورباعية المقاطعة المتمثلة في مصر والسعودية والإمارات والبحرين، حياد هو في أساسه انحياز لقطر دونما أن يسمى بذلك بوضوح. في هذا المقال سأحاول رفع الغطاء عن هذا الموقف، حتى لا ندخل في نفق الحياد الكاذب وأحاديثه الملتوية ومنطقه الأعوج.

مرة أخرى هل قطر فعلا ضحية لإجراءات دول المقاطعة، أم هي ضحية سياساتها التي انتهجتها على مدى ما يقرب من عشرين عاما؟

قطر اليوم تتحمل تبعات ما يعرف بالتمدد خارج نطاق قوتها أو over stretching وهذا لا ينطبق على دولة صغيرة جداً مثل قطر، بل التمدد يؤذى الدول العظمى أيضا، وهذا ما حذر منه كثيرون في الولايات المتحدة عندما دخلت أميركا حربين في أفغانستان والعراق في ذات الوقت، وبالفعل نتيجة هذا التمدد الأميركي في أفغانستان والعراق، إضافة إلى التزامات أميركا في آسيا أوروبا وصلت أميركا إلى هذا الحال من الوهن. فإذا كانت الدولة العظمى الوحيدة لا تستطيع أن تدفع فاتورة التمدد خارج نطاق القوة فما بالك بدولة صغيرة مثل قطر لا تتدخل على جبهتين فقط مثل أميركا، بل تتدخل في تونس وليبيا ومصر واليمن والعراق وسوريا، أي إن تدخلاتها الخارجية أكبر من التدخل الروسي. فحتى النخب الروسية اليوم تتحدث عن مخاطر التدخل في سوريا وتقارنها بمستنقع أفغانستان في السبعينات. فإذا كان التمدد يقلق الدول العظمى، أليس من المنطقي أن يكون التمدد القطري في خمس دول سببا كافيا لإقناع «جماعة الحياد السلبي» بأن قطر تعاني من تبعات هذه الرعونة في السياسة الخارجية وليس من تبعات مقاطعة الرباعية الإقليمية.

قطر هي دولة صغيرة تعاني من كل أعراض الدول الصغيرة في عالم يوصف بأن على كل دولة أن تساعد نفسها (self help)، أي أن تبنى تحالفات مختلفة للحفاظ على بقائها. إن قدرة الدول الصغيرة في النظام العالمي المتسم بالفوضى على التكيف والبقاء كانت دائما سؤالا يشغل دارسي العلاقات الدولية، ومع هذا السؤال أسئلة كثيرة عن السياسة الخارجية للدول الصغيرة وقدرتها على الاستقلالية عن الدول المهيمنة، سواء في النظام العالمي المجمل أو في الأنظمة الإقليمية الفرعية. وتبعات التمدد بالنسبة للدول الصغيرة كارثية دائماً حتى التي كانت من أكثرها قوة مثل إسرائيل. إسرائيل كدولة صغيرة خرجت من جنوب لبنان ومن غزة، ليس نتيجة نبل في موقفها ضد الاحتلال، ولكن تكلفة التمدد خارج نطاق القوة أجبرتها على ذلك، وقطر ليست استثناء بالنسبة لتبعات السياسات المتهورة للدول الصغيرة.

أيا كانت قدرات قطر المالية فإن قدراتها البشرية كدولة لا تؤهلها للقيام بكل هذه الأدوار الإقليمية والعالمية. وإن وهم حالة التماهي بين قناة الجزيرة في عالمها الافتراضي الناعم، وبين قطر في عالمها الواقعي في العالم القاسي للعلاقات الدولية هو وهم يؤدي إلى هذه التبعات. فمصر والسعودية والإمارات والبحرين عندما تغضب على الجزيرة ويقفل مكاتبها فهذا لا يكلف قطر كثيرا، أما إغلاق السفارات وقطع العلاقات الدبلوماسية فله تبعات حقيقية. ما يحدث في عالم الواقع لا يمكن معالجته في العالم الافتراضي، أي عالم تلفزيون الواقع.

إن ما تقوم به قطر لا يختلف كثيرا عما كان في القرن العشرين من استضافة المعارضات وحكومات المنفى بين الدول، وكلها لها تبعات من قبل الدول التي تعاني من مثل هذه السياسات. وجود قيادة جماعة الإخوان على أرض قطر والدعم الذي تتلقاه الجماعة من قطر مثلا يمثل تهديدا بالنسبة لحكومة الرئيس عبد الفتاح السيسي، ومن هنا يكون طبيعيا أن تتخذ الحكومة المصرية موقفا تجاه قطر من هذا المنطلق. هذا مجرد مثال بسيط لتوضيح الفكرة.

كما أن ما تقوم وقامت به «الجزيرة» وهي قناة مملوكة للحكومة القطرية من دعم وترويج وتبرير لأعمال العنف في المنطقة منذ أحداث الحادي عشر من سبتمبر (أيلول) حتى الآن يجعل الدول المتأثرة بتبعات هذا الترويج والتبرير تتخذ مواقف تحمي بها نفسها. جماعة الحياد السلبي لا ترى في سلوك قطر خلال ما يقرب من عشرين عاما شيئا يستحق هذا العقاب، والحقيقة هي أن التدخل القطري في كل شمال أفريقيا ومصر واليمن وسوريا كله كان دعما ماليا ولوجيستيا لجماعات تشن حروبا على المجتمعات في هذه الدول. إنه لأمر محمود أن تراجع جماعة الحياد السلبي والتفوق الأخلاقي السياسات القطرية خارج الحدود ولهم أن يحكموا بأنفسهم، أما المتشدقون بحرية التعبير، والذين سحرهم الوهج الأزرق لقناة الجزيرة، فإنني أحيلهم إلى القوانين الحاكمة للإعلام الداخلي في إمارة قطر، الذي يعد من أكثر القوانين إجهاضا لحرية التعبير في العالم.

من صفحة هيومن رايتس ووتش: «ينبغي ألا يوافق حاكم قطر على مشروع قانون الأنشطة الإعلامية، ما لم تُلغ منه الأحكام فضفاضة الصياغة الخاصة بانتقاد الحكومة القطرية. يعاني مشروع القانون من ازدواجية المعايير فيما يتعلق بحرية التعبير، وهو ما لا يتفق مع دعاوى قطر بأنها مركز لحرية الإعلام في المنطقة».
أعتقد بعد قراءة القوانين الحاكمة للإعلام داخل قطر قد تغير جماعة الحياد السلبي موقفها وتنزل قليلا من على صهوة جواد التفوق الأخلاقي.

arabstoday

GMT 00:04 2024 الإثنين ,01 تموز / يوليو

هل ينقسم الحزب الديمقراطي؟

GMT 00:09 2024 الإثنين ,24 حزيران / يونيو

إعادة إعمار العقول والقلوب

GMT 00:09 2024 الإثنين ,27 أيار / مايو

ثلاثة أحداث فارقة ومستقبل الدولة الفلسطينية

GMT 00:01 2024 الإثنين ,20 أيار / مايو

البطيخة: العنصرية والمقاومة

GMT 00:51 2024 الإثنين ,13 أيار / مايو

الكويت: بين المشروع وإعادة النظر

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

قطر وجماعة «الحياد السلبي» قطر وجماعة «الحياد السلبي»



إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 07:35 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية
 العرب اليوم - قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية

GMT 07:55 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة
 العرب اليوم - الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة

GMT 07:15 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

فيتامين سي يعزز نتائج العلاج الكيميائي لسرطان البنكرياس

GMT 06:15 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

1000 يوم.. ومازالت الغرابة مستمرة

GMT 09:46 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر

GMT 15:49 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

الاتحاد الأوروبي يؤجل عودة برشلونة إلى ملعب كامب نو

GMT 14:52 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

الرئاسة الفلسطينية تعلّق على "إنشاء منطقة عازلة" في شمال غزة

GMT 06:27 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الجيش الإسرائيلي يصدر تحذيرا لـ3 مناطق في جنوب لبنان

GMT 12:26 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الجنائية الدولية تصدر مذكرتي اعتقال بحق نتنياهو وغالانت

GMT 13:22 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

الرئيس الإيراني يناشد البابا فرانسيس التدخل لوقف الحرب

GMT 13:29 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

رئيس دولة الإمارات وعاهل الأردن يبحثان العلاقات الثنائية

GMT 14:18 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

شيرين رضا خارج السباق الرمضاني 2025 للعام الثالث علي التوالي
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab