بيغ براذر أبوظبي

بيغ براذر: أبوظبي

بيغ براذر: أبوظبي

 العرب اليوم -

بيغ براذر أبوظبي

مأمون فندي

 عندما تم إلقاء القبض على طالب مصري بتهمة أنه يحمل في حقيبته رواية جورج أورويل «1984»، كانت التهمة - حسب الأخبار التي نشرت وليست بالضرورة حقيقية - أن الطالب والرواية ينتقدان نظام الأخ الأكبر (Big Brother) الذي تراقب عينه كل ما يجري كما صورها أورويل في روايته، وكما حللها في ما بعد الفيلسوف الفرنسي ميشال فوكو من خلال مفهوم «البيبتكون» أو العين التي ترى كل ما يدور في السجن. فكرة الـ«بيغ براذر» ليست بالضرورة موجودة فقط في النظام الديكتاتوري، فبريطانيا وهي من أعرق الديمقراطيات يتم تصوير أي مواطن فيها كل ثمانية أمتار. الفارق هو ما بين الأخ الأكبر الغشيم الذي لا يراقب، بل يعاقب بقسوة، وبين المراقبة الناعمة عن طريق الكاميرات الإلكترونية التي تحافظ على الأمن ولا تتدخل في خصوصية الأفراد.

«بيغ براذر» ليس سيئا دائما إلا إذا كان بدائيا وغشيما. كاميرات لندن هي التي كشفت جناة الإرهاب في 7/7، وبسرعة يحسد البريطانيون عليها. هذا تقريبا ما حدث في أبوظبي بعد تتبع المتهمة التي قتلت المعلمة الأميركية، تلك المتهمة المغطاة تماما تم كشفها من خلال كاميرات المراقبة «بيغ براذر» والقبض عليها في وقت قياسي.

الجريمة التي حدثت في أبوظبي لن تكون المحاولة الأخيرة في جرائم الإرهاب في الإمارات، لذلك يجب فهمها في إطارها الأوسع.

بداية، توقيت الحدث في أعقاب احتفالات الإمارات بعيد الاتحاد الثالث والأربعين أمر لا بد من التوقف عنده. من حضر الاحتفالات يدرك أن الإماراتيين فخورون بما أنجزوه في عمر فرد في بعض الدول لا يستطيع أن يمتلك فيه مسكنا بعد 43 سنة من العمر. هذا الزهو بالإنجاز لا بد أنه يستفز من فشلوا في تحقيق شيء في حياتهم ويصيبهم بالإحباط، لذا ربما كانت رغبة القوى الظلامية كبيرة في إفساد الفرحة وإفساد الاحتفال بالنجاح. قوى الفشل في منطقتنا، أفرادا ودولا، هم أعداء النجاح، ولهذا لم يكن مستغربا أن تستخدم امرأة في قتل معلمة أميركية، وأن تستخدم في وضع قنبلة تفشل في الغدر بمصري أميركي مقيم. إنها رغبة الهدم ضد رغبة البناء، رغبة الدول الفاشلة ضد رغبة الدول الناجحة.

العملية الإرهابية ورد فعل أبوظبي عليها كاشفان للإماراتيين أكثر من أنهما كاشفان للإرهابيين وجماعات العنف والتطرف في منطقتنا. بداية، الإمارات أخذت بسبل التكنولوجيا الحديثة، كما أنها دولة لا يضرب بها الفساد، وتضع المواطن كأولوية، وواضحة في بناء نموذج دولة حديثة تسمح بدرجة عالية من التعددية الثقافية وتقف حائلا بين جماعات الإرهاب وآيديولوجيا التخلف في المنطقة. أعتقد أن هذه العناصر مجتمعة هي التي تجعل نموذج الإمارات يجب أن يكون محل دراسة لمنطقتنا.

طبعا هذا لا يعني أن نموذج الإمارات وصل إلى حد الكمال، أو أن الجماعة في أبوظبي يجب أن يربتوا على أكتاف بعضهم مهنئين بعضهم بعضا بالنجاح، على العكس، فكما يجب على الدول المحيطة التعلم من تجربة الإمارات، على الإمارات أيضا أن تعتبر مما يحدث مع أشقائها.

بمعنى، على المستوى الفردي لو كان هناك مرض وراثي بين الأشقاء، كالجلطات مثلا، فإن بقية الأشقاء يجب أن يمارسوا الرياضة ويغيروا من طريقة أكلهم، ويواظبوا على التحاليل. الإمارات لا تختلف إذا ما نظرت إلى أشقائها في سوريا ومصر وليبيا واليمن، فلا بد أن تواظب على التمارين وتغير من أسلوب حياتها، لأن الجلطات السياسية جزء من تاريخ العائلة في الدول الشقيقة. إذن النوم على أمل أن أمراض المنطقة لن تصيب الإمارات يعني تراخيا وتواكلا يضع الإنجازات الإماراتية أمام تحد وخطر شديدين.

يحسب للإمارات كدولة أنها لم تحاول أن تؤلف في مسألة الأمن الوطني، بل أخذت بأسباب التكنولوجيا المتقدمة في التصوير والإنذار كما هو الحال في دول مثل بريطانيا وبقية دول أوروبا التي أدركت أنه لا يمكن حماية المدن الحديثة بمولاتها التجارية وبذلك العدد الكبير من الزوار من مختلف الجنسيات ومختلف الديانات والمشارب الفكرية. لم يستخدم الإماراتيون نظاما شرطيا تقليديا، بل استفادوا من كل ما تقدمه التكنولوجيا. فالأساس في بناء الدول الحديثة هو عدم التأليف وعدم الإصرار على إعادة صناعة العجلة. تكنولوجيا التصوير في كل 18 قدما موجودة في بريطانيا، وساعدت البوليس البريطاني في القبض على مجرمي 7/7 في وقت قصير جدا، وهي التكنولوجيا ذاتها التي تستخدمها أبوظبي في الكشف عن المجرمين وآخرهم المرأة المنتقبة التي قتلت مدرسة الابتدائية الأميركية في أبوظبي. لم تمر 48 ساعة إلا وكانت الداخلية الإماراتية قد قبضت على المرأة المشتبه بها وأحالتها للتحقيق. هذا هو الفارق بين من يستوردون التكنولوجيا ويسخرونها لمصلحة بلادهم، وبين من استوردوا الآيديولوجيات كما هو الحال في سوريا والعراق وليبيا، فأصبحت بلدانهم نهبا للضياع.

عندما تزور الإمارات تحس بأن قيادة ذاك البلد وشعبه مصرون على بناء دولة حديثة لا مكان فيها لقوى الظلام، تحس بأن هناك إصرارا على بناء واحة للحداثة في المنطقة لا تساوم على الأسس التي بنيت عليها الدولة.

لافت في الإمارات أن هناك معادلة لا بد أن تدرس، فالإماراتيون رغم أن بلدهم يحوي أكثر من مائة جنسية أجنبية فإن أهل البلاد المتسامحين مع كل اختلافات الزوار ما زالوا متمسكين بعاداتهم وتقاليدهم الأصلية، بمعنى أنه شعب يتمتع بالثقة الحضارية التي تجعله يتقبل الآخر دونما إحساس بتهديد لهويته الوطنية.

جريمة أبوظبي تؤكد على نجاح نظام حكم مبني على فكرة الـ«بيغ براذر»، ولكن ليس الأخ الأكبر الغشيم.

أتصور أنه ستحدث من آن لآخر اعتداءات من الإرهابيين وقوى الظلام على التجربة الإماراتية التي هي النقيض الناصع لتيارات الظلام والتخلف، ولكن في نهاية المطاف سينتصر من يتخذ بالأسباب وبالتكنولوجيا الحديثة، وفي ذلك القضاء على أي حلم لجماعات التطرف بأن تتغلغل في الإمارات.

arabstoday

GMT 07:17 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

شالوم ظريف والمصالحة

GMT 07:13 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

حرب اعتزاز ومذكرة مشينة

GMT 07:11 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

العدالة... ثم ماذا؟

GMT 07:08 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

لبنان وسؤال الاستقلال المُرّ

GMT 07:05 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

شاورما سورية سياسية مصرية

GMT 07:03 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

الحضارة بين العلم والفلسفة أو التقنية والإدارة

GMT 07:00 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

استقرار لبنان... رهينة التفاوض بالنار

GMT 06:58 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

الصراع الطبقي في بريطانيا

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

بيغ براذر أبوظبي بيغ براذر أبوظبي



إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 09:46 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر

GMT 07:23 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

"فولكس فاغن" تتمسك بخطط إغلاق مصانعها في ألمانيا

GMT 06:42 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

إيران ولبنان.. في انتظار لحظة الحقيقة!

GMT 15:39 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

رانيا يوسف تخوض تحديا جديدا في مشوارها الفني

GMT 15:41 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

ميرهان حسين تكشف مفاجأة عن أعمالها المقبلة

GMT 14:30 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

نائبة الرئيس الفلبيني تتفق مع قاتل مأجور لاغتياله وزوجته

GMT 08:18 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

الجيش الإسرائيلي يعلن اعتراض مسيّرة قبالة سواحل حيفا

GMT 17:41 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

حماس تعلن مقتل رهينة بقصف إسرائيلي شمالي غزة

GMT 08:28 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

واتساب يحول الرسائل الصوتية إلى نصوص بلغات منها العربية

GMT 08:16 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

"حزب الله" يعلن استهداف قوات إسرائيلية في الخيام والمطلة
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab