بقلم : عبد اللطيف المناوي
الخطة العربية التى أتمناها، والتى سوف تقودها مصر، وربما تدعمها دول عربية أخرى، من المؤكد أنها تتبنّى رؤية مختلفة جذريًّا لما دأب ترامب على التصريح به مؤخرًا، وهى خطة لا تهدف إلى تهجير الفلسطينيين أو تغيير واقعهم الجغرافى، بل تركز على إعادة إعمار القطاع مع بقاء سكانه فى أماكنهم.
الخطة بالتأكيد سوف تعكس أعمق التزام بالمبادئ الإنسانية والفلسطينية، فإلى جانب السعى لإعادة بناء البنية التحتية المدمرّة، فإنها سوف تعزز سلطة الحكومة الفلسطينية فى غزة، وهو ما يتفق مع أهداف حل الدولتين، الذى يُعتبر حجر الزاوية لأى تسوية سلمية بين الفلسطينيين والإسرائيليين.
ويظهر الجانب السياسى من الخطة العربية التى أتمناها فى تشكيل لجنة فلسطينية لإدارة القطاع تحت إشراف السلطة الفلسطينية، وهو خطوة مهمة نحو توحيد الأراضى الفلسطينية بعد سنوات من الانقسام بين الضفة الغربية وغزة. ولكن هذه الخطوة لا تخلو من التحديات، خاصة فيما يتعلق بموقف حماس التى تصر على بقائها فى غزة، فقد أبدت الحركة رغبتها فى أن تظل جزءًا من الحل مادامت مصالح الغزيين محفوظة. وهذه المعادلة السياسية قد تكون أحد الأوجه الصعبة التى ستواجهها الخطة، ما لم يتم تجاوز الخلافات الفلسطينية الداخلية. ما أُعلن مؤخرًا منسوبًا لحماس أنهم على استعداد لعدم المشاركة فى إدارة القطاع فى المرحلة المقبلة تطور مهم.
من الناحية الأمنية، تعكس الخطة الوعى العميق بالتحديات التى يواجهها القطاع، خصوصًا الجانب الأمنى، من أجل أن تستعيد السلطة الفلسطينية قدرتها على إدارة غزة بشكل كامل، بهدف تقليص التهديدات الأمنية وتحقيق الاستقرار على الحدود.
أما على صعيد التنفيذ الفنى، فقد تقدم الخطة رؤية شاملة لإعادة إعمار غزة، بدءًا من إزالة الأنقاض وإعادة تدوير الركام، وصولًا إلى إعادة بناء البنية التحتية المتكاملة من شبكات المياه والكهرباء والصرف الصحى، وهو ما قد يستغرق من ثلاثة إلى خمسة أعوام ليكتمل، وهو ما يعكس حجم التحدى فى إعادة بناء غزة وفقًا للمعايير الحديثة.
من الوارد كذلك تقسيم غزة إلى عدة مناطق لتسهيل عملية إعادة الإعمار وتوفير المأوى للمواطنين المتضررين، وهو خطوة تعكس اهتمامًا بالغًا بالجانب الإنسانى قبل كل شىء، حيث سيتم توفير مناطق سكن مؤقتة مع كافة الخدمات الأساسية من ماء وكهرباء، ثم تبدأ عملية بناء المستوطنات الجديدة والبنية التحتية بشكل تدريجى.
فى مقابل هذه الجهود العربية، تظل خطة ترامب فى «ريفييرا غزة» تمثل محاولة أمريكية لتغيير المعادلة السكانية فى القطاع بشكل جذرى، وهو ما يثير التساؤلات حول النوايا الحقيقية وراء هذه المبادرة، فالتهجير القسرى لسكان غزة يثير العديد من المخاوف حول الحقوق الإنسانية للمواطنين الفلسطينيين، وهو ما يتناقض مع الرؤية العربية التى تلتزم بوجودهم على أرضهم.
أتمنى أن يقدم العرب بديلًا حقيقيًّا ومقبولًا عربيًّا ودوليًّا لإعادة إعمار غزة، مع الحفاظ على حقوق الفلسطينيين وعدم التفريط فى جغرافية القطاع.
أما خطوات حماس إلى الخلف فلها حديث آخر.