بقلم : عبد اللطيف المناوي
ناقشنا فى هذا المكان من قبل سيناريو قد يكون سيئًا للوضع فى سوريا، وهو خشية أن يتحول البلد الذى تخلص من نظام الأسد لتوه إلى أفغانستان جديدة، أو بمعنى أدق أن تكون سوريا أرضًا خصبة لجذب المتطرفين والحركات الإسلامية من العالم، مثلما حدث مع طالبان فى أفغانستان.
الآن، ونحن نناقش السيناريوهات السورية المستقبلية، لابد أيضًا أن ندرك أو يدرك السوريون أن هناك تهديدًا آخر قد يكون أخطر مما سميته (الأفغنة)، وهو (البلقنة)، وهو مصير شهدته منطقة البلقان بعد انهيار يوغوسلافيا فى التسعينيات، حيث أدى الصراع الطويل والانقسامات العرقية والدينية إلى تفتت الدولة إلى دويلات صغيرة، ما أسهم فى خلق بيئة خصبة للفوضى والتهديدات الأمنية، ومن ثَمَّ كانت المنطقة بأسرها عرضة للاستغلال من القوى الخارجية.
خطر (البلقنة) فى سوريا هو خطر انقسام الدولة إلى دويلات أو مناطق متنازعة تسيطر عليها مختلف القوى والفصائل المسلحة، سواء كانت ذات طابع طائفى أو عرقى، ما يهدد بخلق واقع جديد مرشح للامتداد إلى دول المنطقة.
لقد أصبح واضحًا أن الصراع السورى أخذ أبعادًا عميقة من الطائفية والعرقية، ومع دخول لاعبين إقليميين ودوليين مؤثرين فى الملف السورى، قد يتحول الوضع إلى معركة مستمرة من أجل النفوذ، أكثر من كونه صراعًا داخليًّا من أجل بناء الدولة.
من خلال النظر إلى الوضع الحالى فى سوريا، يمكننا ملاحظة وجود مناطق تسيطر عليها فصائل إسلامية، وأخرى تخضع لقوات كردية، بينما تظل العاصمة دمشق عمليًّا تحت حكم نظام «أبومحمد الجولانى» أو أحمد الشرع، فهو الذى يعين الوزراء، ويحدد شكل مَن يديرون فى هذا التوقيت على الأقل.
لن أكرر ما تحدثت عنه أو ما تحدث به غيرى فى السابق حول الجولانى، لكنى أتحدث هنا عن صعوبة شديدة فى تصور مسألة الوحدة الوطنية الحقيقية أو حتى استمرار حكومة مركزية قادرة على فرض سلطتها على كامل الأراضى السورية.
ولهذا أخشى تمامًا السيناريو الأسوأ، الذى قد يؤدى إلى تقسيم البلاد بشكل رسمى إلى دويلات صغيرة ذات هويات مستقلة، وهو ما يشكل تهديدًا كبيرًا لمستقبل سوريا، ويكون مقدمة لتنفيذ مشروع «البلقنة» على نطاق أوسع يشمل المنطقة. الهدف الأخير هو الوصول إلى هذه النقطة لحماية مصالح أصحاب المصالح وضمان سيادة وأمن إسرائيل.
خطر (البلقنة) أو التفتت لن يضر فقط بالوحدة الوطنية أو الاستقرار السياسى فى سوريا، بل سيمثل تهديدًا أكبر للأمن الإقليمى العربى برمته، فتقسيم سوريا إلى دويلات قد يفتح الباب أمام تدخلات خارجية، سواء من دول إقليمية أو قوى عالمية تسعى لتحقيق مصالحها عبر إشعال المزيد من النزاعات.
وما أخشاه هنا هو تعزيز الهيمنة الإسرائيلية على منطقة الشام، فقد تجد تل أبيب نفسها فى موقف يمكنها فيه الاستفادة من غياب الدولة السورية الموحدة، وضعف الدولة اللبنانية، فتصبح الأرض ممهدة أمامها للتوسع أو حتى التأثير على قرارات مهمة تخص شعوب تلك الدول وغيرها.
إن المستقبل السورى جدير بالدراسة، وما نطرحه هنا هو تخوفات، نأمل ألا تكون واقعًا، ولكن كما يقولون العينة بينة. لذا يجب أن تكون رؤية سوريا المستقبلية قائمة على الوفاق الوطنى، ما يحميها من الوقوع فى فخ (البلقنة).