بقلم : عبد اللطيف المناوي
قانون المسؤولية الطبية الجديد، الذى أقره مجلس الشيوخ وينتظر موافقة النواب، ذكّرنى بالأفلام العربية القديمة، التى كان يجب فى أحداثها التضحية إما بالأم أو بالجنين من أجل حياة واستمرار الطرف الآخر. وهنا أتساءل: لماذا لا يعيش الطرفان؟.
هذا القانون تأخر كثيرًا عن الصدور فى مصر. عدد كبير من دول العالم أقرت مثل هذا القانون، ومن بينها دول عربية وإفريقية عديدة، ولكن يبدو أن القانون المزمع صدوره لدينا يختلف فى أمور أساسية عن تلك القوانين.
القانون فى صورته المُقَرَّة من «الشيوخ» أثار جدلًا، ويبدو أن السبب الحقيقى أن الحوار قد غاب، وإن حضر فلم تسمع الأطراف أو تكترث.
تابعت مخاوف الأطباء، ولم أسمع ردًّا شافيًا يطرح وجهة نظر الحكومة، الأمر الذى دفع نقابة الأطباء إلى رفع صوتها فى محاولة لتعديل النقاط محل الاختلاف أو التخوف. والحق أننا لاحظنا أن النقابة انتقلت من منطقة العبث فى السياسة وقت كان الإخوان يسيطرون عليها إلى منطقة الاهتمام بشؤون المهنة وشؤون أعضائها بعد أن تولى إدارتها مَن يهتمون بالمهنة.
يمكن تحديد نقاط الاختلاف فى عدم وجود حدود واضحة بين المضاعفات والخطأ والإهمال الجسيم؛ ما يدفع الأطباء إلى ممارسة «الطب الدفاعى»، وهو أسلوب يهدف إلى تجنب المخاطر القانونية بدلًا من التركيز على احتياجات المريض، خاصة أن إقرار المريض بمعرفة مضاعفات العلاج يسمح القانون بعدم الاعتداد به.
كما أعطى النيابة، ابتداء من مستوى رئيس نيابة، حق حبس الطبيب احتياطيًّا قبل التحقيق أو تقديم تقرير اللجنة المختصة. الحبس الاحتياطى يُعد فى حد ذاته عقوبة غير مستحقة إذا ثبتت براءة المتهم.
على الجانب الآخر، هناك المريض الذى غالبًا ما يجد نفسه وحيدًا فى مواجهة نظام طبى قد يبدو غير عادل. القانون يمنح المريض حق التظلم من تقرير اللجنة الطبية، لكنه لا يمنح الطبيب الحق نفسه، ما قد يُخل بالتوازن المطلوب لضمان العدالة للطرفين. وبينما يفترض القانون وجود نية كيدية لدى بعض المرضى، فإنه لا يوفر حماية للطبيب فى حال ثبوت ادعاءات كاذبة.
السؤال الأكبر: هل هذا القانون فى مصلحة المريض، أم الطبيب.. أم أنه يحمل عيوبًا هيكلية تُضر بالطرفين؟. الطبيب الذى يهاجر بسبب الظروف العامة، والآن القوانين القاسية، هو خسارة لنظام صحى يعانى بالفعل نقصًا فى الكوادر. والمريض الذى يشعر بعدم الأمان فى نظام صحى لا يحميه بشكل كافٍ سيظل فاقدًا الثقة.
الحل حوار جاد شامل للوصول إلى صيغة قانونية عادلة تحفظ حقوق الجميع.. فالقانون العادل لا يعنى التحيز لطرف على حساب آخر، بل إيجاد أرضية مشتركة تضمن سلامة المريض وحماية الطبيب.
هذا الحوار، قبل إقرار القانون فى صورته النهائية، حتى يستند إلى شراكة حقيقية بين جميع الأطراف لتحقيق نظام صحى أكثر عدالة وإنسانية.