بقلم : عبد اللطيف المناوي
شن حزب الله، صباح أمس، هجومًا، وصفه بـ«الكبير»، على العمق الإسرائيلى، حيث استخدم فيه طائرات مسيرة وصواريخ من نوع كاتيوشا، وفقًا للبيانات التى أصدرها الحزب، الذى أكد أن الهجوم يأتى ردًّا على اغتيال القيادى العسكرى البارز فى الحزب، فؤاد شكر، الذى قُتل بغارة إسرائيلية على الضاحية الجنوبية لبيروت الشهر الماضى.
إسرائيل بادلت حزب الله الهجوم، واستمرت فى قصف أهداف بجنوب لبنان، وهو القصف الذى بدأته تل أبيب حتى قبل أن يشن حزب الله عمليته، صباح الأمس.. من ناحية أخرى، تم تعليق رحلات الطيران فى المنطقة، ما ينذر بخطر كبير، وتصعيد ربما يستمر لفترة، رغم الإعلان المتردد عن عودة حركة الطيران لبعض الخطوط والمطارات.
وكالعادة، هوّن كل طرف من تأثير هجوم الطرف الآخر، وكذّب كلٌّ منهما الآخر.
فى تلك الساعات يبرز عدد من النقاط التى قد تغير شكل الصراع فى المنطقة.
أولى النقاط هى أن بيان حزب الله حمل فى طياته دلالة غامضة تستدعى الوقوف عندها، وهى أنه لم يتضمن أى ذكر مباشر لفلسطين أو الحرب فى قطاع غزة. هذه النقطة لفتت انتباهى بشكل كبير، خصوصًا فى ظل الأحداث الأخيرة المتعلقة بمقتل رئيس المكتب السياسى لحماس، إسماعيل هنية، الذى غاب اسمه أيضًا عن الخطاب، فى حين ظهر اسم فؤاد شكر، قيادى الحزب.
ربما أراد حزب الله أن يرسل رسالة تتجاوز الأحداث فى قطاع غزة، نحو هدف أكبر قد يكون مرتبطًا بصراع إقليمى أوسع، يعكس تكتيكًا جديدًا يتعلق بموقفه كإحدى الأذرع العسكرية المدعومة من إيران.
أما ثانية النقاط فهى حالة الارتباك، أو إن جازت تسميتها بـ«الفوضى» فى الصراع، حيث نجد أنفسنا أمام حالة غير مسبوقة فى تاريخ الصراع العربى الإسرائيلى، حيث تتحدث أطراف عن اقتراب التوصل إلى اتفاق هدنة لوقف إطلاق النار فى القطاع، وفى الوقت نفسه تتصاعد الهجمات فى جبهات متعددة.
هذا التناقض يثير تساؤلات حول مَن يتحكم بالفعل فى زمام الأمور، ومَن له الكلمة الفصل فى هذا الصراع متعدد الأوجه. هذا التناقض يثير مخاوف حقيقية فى أن تدخل المنطقة إلى حالة من «الفوضى» المدمرة.
ثالثة النقاط أصوغها فى صورة تساؤل: هل فعلًا يجرى الآن فصل قضية الصراع الفلسطينى- الإسرائيلى عن الصراع الإيرانى- الإسرائيلى؟.. أو بمعنى أدق: هل من الممكن أن نشاهد اتفاقًا بين تل أبيب والفصائل الفلسطينية على وقف إطلاق النار فى غزة، وفى نفس الوقت اشتعال حرب إقليمية بين إيران وأذرعها العسكرية فى المنطقة من جانب، وبين إسرائيل من جانب آخر؟.
وهنا لابد أن نسأل عن وضع حماس، باعتبارها أيضًا من القوى المدعومة من طهران، إلا لو حدث جديد خلال الفترة القصيرة الماضية، وتحديدًا من بعد اغتيال «هنية» فى العاصمة الإيرانية.
فى تقديرى، المنطقة كلها تعيش لحظة مفصلية، فنحن نعيش إما فى إطار تحول فى أجندة الصراع الإيرانى- الإسرائيلى يجعله ثنائيًّا بين البلدين، أو أننا نعيش (تكتيكًا) مؤقتًا مرتبطًا بالأحداث الجارية. وأيًّا كانت الحقيقة، فإن هذا الصراع يرسم ملامح مسار المنطقة خلال السنوات المقبلة.