بقلم : عبد اللطيف المناوي
مصر لن تكون طرفًا فى أى ترتيبات تهدف إلى تصفية القضية الفلسطينية أو تغيير الواقع الديموغرافى للأراضى الفلسطينية. هذا الرفض لم يكن مجرد تصريح دبلوماسى، بل يعكس موقفًا راسخًا فى السياسة المصرية، التى ظلت لعقود خط الدفاع الأول عن القضية الفلسطينية. وهو ما عبر عنه الرئيس السيسى فى تصريحاته الأخيرة التى لاقت اتفاقًا ودعما غير مسبوقين من كل الاتجاهات، حتى تلك التى اعتادت اتخاذ موقف معارض وأحياناً معاد. هذا الإجماع يجب أن يضعه صانع القرار الأمريكى فى اعتباره ليتمكن من فهم خطأ الإصرار على الفكرة المرفوضة.
يرتكز الموقف المصرى على عدة عوامل رئيسية، أولها المسؤولية التاريخية. مصر كانت وما زالت الدولة العربية الأكثر التزامًا بالدفاع عن حقوق الفلسطينيين، ورفضها للتهجير هو امتداد لهذا الالتزام. الأمن القومى المصرى هى العامل الثانى. قبول تهجير الفلسطينيين إلى سيناء قد يؤدى إلى خلق بؤرة صراع جديدة داخل الأراضى المصرية، خاصة مع التحديات الأمنية التى تواجهها المنطقة. ويظل الموقف المستمر برفض تصفية القضية الفلسطينية عاملًا حاسمًا يحدد ملامح الموقف المصرى. التهجير الجماعى للفلسطينيين يعنى فعليًا إنهاء حلم الدولة الفلسطينية، وهو ما يتناقض مع موقف مصر الداعم لحل الدولتين.
تلك العوامل ربما تجعل من مخطط التهجير فكرة غير قابلة للتطبيق على أرض الواقع، حتى لو أصر ترامب على طرحها خلال هذه الفترة، أو فى المستقبل.
الموقف المصرى الرافض للتهجير لا ينفصل عن الموقف الأردنى، حيث أعلن الملك عبدالله الثانى أن أى محاولة لنقل الفلسطينيين من غزة أو الضفة الغربية إلى الأردن ستُعتبر «إعلان حرب». ويأتى هذا الموقف الأردنى مدفوعًا بمخاوف من تغير التوازن الديموغرافى داخل المملكة، حيث يشكل الفلسطينيون جزءًا كبيرًا من السكان.
ورغم الضغوط السياسية والاقتصادية التى قد تمارسها بعض القوى الدولية، فإن مصر والأردن يدركان أن الاستجابة لمثل هذا الطرح ستؤدى إلى تداعيات كارثية على استقرارهما الداخلى. فلا يمكن لأى دولة أن تقبل بأن تكون طرفًا فى «نكبة فلسطينية ثانية»، خاصة عندما تكون البدائل المطروحة تتجاهل الحق الفلسطينى فى أرضه.
إن أى حل حقيقى للصراع يجب أن يكون مبنيًا على العدالة، وليس على محاولات فرض حلول ظالمة بالقوة. إن مستقبل القضية الفلسطينية لا يمكن أن يكون رهينةً لأطماع القوى الكبرى أو لمخططات اليمين الإسرائيلى المتطرف، بل يجب أن يُبنى على أسس عادلة تُحقق الأمن والاستقرار للمنطقة بأسرها.
القضية الفلسطينية لن تُحل بالترحيل والتهجير، بل بالعدالة والاعتراف بحق الشعب الفلسطينى فى أرضه. ومصر، بكل ثقلها السياسى والتاريخى، ستظل المدافع الأول عن هذا الحق، مجسدة الحقيقة الراسخة أن مصر لن تشارك فى هذا الظلم.