هداياك التى لم تفضّ أغلفتَها بعد ١

هداياك التى لم تفضّ أغلفتَها بعد (١)

هداياك التى لم تفضّ أغلفتَها بعد (١)

 العرب اليوم -

هداياك التى لم تفضّ أغلفتَها بعد ١

بقلم: فاطمة ناعوت

كلما صدم عينىَّ كومُ قمامة فى الطريق، يراودنى سؤالٌ: لماذا لا نستحدث وزارة توعية مؤقتة خاصة بالنظافة وحسب، تكون كلُّ مهمتها توعية الناس بأن إلقاء ورقة صغيرة فى الشارع جريمة كبرى لا تقلُّ خطورة عن جريمة خيانة الوطن!، وينتهى عملُها باختفاء آخر ورقة من آخر شارع فى مصر؟. القمامة فى الطرقات أمرٌ لا يليقُ بنا ولا نليقُ به!، لا يليقُ بـ«الإنسان» بوجهٍ عام، ولا يليقُ بـ«المصرى»، صانعِ أولى حضارات التاريخ، على وجه التخصيص.

ولأننى سبق وتكلمتُ عن فرادة «المصرى» فى مئات المقالات من قبل، دعونى اليومَ أفتحُ مِظلّة الحديث وأتكلم عن فرادة «الإنسان»، ذلك الكائن الأسطورى الذى ميّزه اللهُ بمزايا ومواهبَ خارقة، ومنحه هدايا، غالبًا ما يعيش ويموت دون أن يعرفها أو حتى يفضَّ أغلفتها. وحدهم العباقرةُ والناجحون والاستثنائيون فى هذ العالم، اكتشفوها واستثمروا فيها حتى صاروا فرائدَ التاريخ، فى حين غفل عنها غيرُهم من عوامّ الناس.

- «مَن أنا حتى أكونَ عبقريًّا ورائعًا وموهوبًا وخارقًا؟!». كثيرًا ما يسألُ المرءُ نفسَه هذا السؤالَ على استحياء. ويجيبُ «العلمُ» عن ذاك السؤال قائلا:- «بل مَن أنت حتى لا تكون كذلك؟!».

وُجِد الإنسانُ للتعبير عن التكريم الذى منحه اللهُ لبنى البشر، ذاك التكريمُ لم يمنحه الُله للبعض منّا دون الآخر، بل منحه لكل واحد فينا على حِدة. تقول «ماريان ويليامسون»، الكاتبة الأمريكية الشهيرة: «نحن نخافُ من المواهب الفطرية التى نمتلكها، ربما بسبب الخوف من المسؤولية التى تُلقيها تلك المواهبُ على عواتقنا. إن النورَ الكامنَ داخلنا، وليس الظلام، هو الذى يخيفنا». واستلهم الفكرةَ ذاتها «ستيفن كوڤى»، فى كتابه المهم: «العادة الثامنة.. من الفعالية إلى العظمة»، الذى أكمل به كتابه المهم أيضًا: «العادات السبع.. للبشر الأكثر نجاحًا»، الصادر مع نهاية ثمانينيات القرن الماضى. «العادة الثامنة» هى التى تحوّل النجاحَ إلى عظمة واستثناء. وملخص «العادة الثامنة»: «ابحثْ عن صوتك، وألهم الآخرين أن يجدوا أصواتهم».

كلما صدمنى فعلٌ مُشين يأتى به إنسانٌ ما مثل: البلطجة، العنف، العنصرية، التطرف، البذاءة، التنمّر، القسوة، الكذب، إلقاء القمامة، وغيرها من أدران السلوكات اللاأخلاقية، أقولُ لنفسى إن هذا الإنسانَ «ضحيةُ نفسه» لأنه أغفل حقيبة الهدايا التى يمتلكها منذ ميلاده، ولا يدرى عنها شيئًا، ولم يفضّ أوراقَها بعد. فى يقينى أن جميع مجرمى العالم، وجميع أشرار العالم، وجميع سفاحى العالم، وجميع إرهابيى العالم، وجميع الفاشلين فى هذا العالم.. هم أولئك الذين تركوا هداياهم خبيئةَ أغلفتها. الفاشلُ هو ذلك الشخص الذى- بسبب انعدام ثقته فى نفسه وفى مِنَح السماء- قد ضيّع فرصةَ أن يكون إنسانًا ناجحًا أو عظيمًا أو إصلاحيًّا أو متحضرًا.

«الأفعالُ الصغيرة» لا تصدرُ إلا عن شخص يرى نفسه «صغيرًا». وهنا يحاول «علمُ النفس» أن يقنعه بأنه إنسان كبير ومتحقق وعظيم لكى يرفض من تلقاء ذاته أن يرتكب الصغارات والنواقص، فالإنسانُ الذى يدرك من داخله ويؤمن بأنه «جميل» مستحيلٌ أن يقبل أن يخدش ذلك «الجمالَ» بسلوكات مُخزية وقبيحة أو لا أخلاقية. إنها جريمةُ «عدم الثقة بالنفس»، التى تنطلقُ منها- فى تقديرى الخاص- معظمُ آفات السلوك الإنسانى غير الكريم، فى كل مكان وزمان. لأن الإنسانَ الواثق فى نفسه وفى عظمة الخالق التى منحها للمخلوق يرى نفسَه طوال الوقت جميلًا وراقيًا ومتحضرًا لمجرد كونه «إنسانًا»، فيتصرفُ من تلقاء ذاته بتلك الرؤية، وتصطبغُ جميعُ سلوكاته وأفعاله اليومية بسَمتِ الجمال والرقى والتحضر، فلا يُلقى قمامةً فى شارع، ولا يظلم ولا يسرق ولا يرتشى ولا يتطرف.

فى مقالى القادم يوم «الخميس» بإذن الله، أُحدثكم عن ثلاث من تلك الهدايا النفيسة، التى ننسى أن نفضَّ أغلفتَها ونستمتع بها.

ومن نُثار خواطرى:

***

(فى زمن الكوليرا)

كان القياسُ خاطئًا

حيثُ أرَّخَ «ماركيزُ» للحبِّ

بطريقةٍ

هى مَحْضُ جنون:

برقياتٌ

فى كلِّ محطة

سنواتُ تَعَبُّدٍ

وانتظار

وثلاثةُ أعمار

حتى يُشيِّدَ قصرًا بوهيميًّا

من أجل مَلكةٍ

أبدًا

لن تَجىء

...

لكّنهُ

يقينُ العاشق

الذى يُسقِطُ السنواتِ

ويجعلُ الصَّبَّ

ناسِكًا

فى مذبحِ الانتظارِ المقدّس.

arabstoday

GMT 04:01 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الثكنة الأخيرة

GMT 03:56 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

سوريا... هذه الحقائق

GMT 03:54 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

في أنّنا بحاجة إلى أساطير مؤسِّسة جديدة لبلدان المشرق

GMT 03:50 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

مخبول ألمانيا وتحذيرات السعودية

GMT 03:47 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

التاريخ والفكر: سوريا بين تزويرين

GMT 03:42 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

إنجاز سوريا... بين الضروري والكافي

GMT 03:39 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

ليبيا: لعبة تدوير الأوهام

GMT 03:37 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

فلسطين وإسرائيل في وستمنستر

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

هداياك التى لم تفضّ أغلفتَها بعد ١ هداياك التى لم تفضّ أغلفتَها بعد ١



الملكة رانيا تجسد الأناقة الملكية المعاصرة في 2024

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 14:05 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

«صاحبك راجل» يعيد درة للسينما بعد غياب 13 عامًا
 العرب اليوم - «صاحبك راجل» يعيد درة للسينما بعد غياب 13 عامًا

GMT 20:21 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

غارة إسرائيلية تقتل 7 فلسطينيين بمخيم النصيرات في وسط غزة

GMT 16:46 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

صورة إعلان «النصر» من «جبل الشيخ»

GMT 22:23 2024 الخميس ,19 كانون الأول / ديسمبر

إصابة روبن دياز لاعب مانشستر سيتي وغيابه لمدة شهر

GMT 06:15 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

جنبلاط وإزالة الحواجز إلى قصرَين

GMT 18:37 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

مصر تحصل على قرض بقيمة مليار يورو من الاتحاد الأوروبي

GMT 10:01 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

الزمالك يقترب من ضم التونسي علي يوسف لاعب هاكن السويدي

GMT 19:44 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

هزة أرضية بقوة 4 درجات تضرب منطقة جنوب غرب إيران

GMT 14:08 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

استشهاد رضيعة فى خيمتها بقطاع غزة بسبب البرد الشديد

GMT 14:09 2024 الخميس ,19 كانون الأول / ديسمبر

كوليبالي ينفي أنباء رحيله عن الهلال السعودي

GMT 03:37 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

أحمد الشرع تُؤكد أن سوريا لن تكون منصة قلق لأي دولة عربية

GMT 20:22 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

الاتحاد الأوروبي يعلن صرف 10 ملايين يورو لوكالة "الأونروا"
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab