منطق ويستفاليا

منطق ويستفاليا

منطق ويستفاليا

 العرب اليوم -

منطق ويستفاليا

عبد الحسين شعبان
بقلم : عبد الحسين شعبان

منذ أن أُعلن الاتفاق السعودي - الإيراني الذي التأم برعاية صينية، أصبح محطّ تكهّنات عدّة بين متفائل، بل وشديد التفاؤل، وبين متشائم وشديد التشاؤم، وبين هذا وذاك، هناك بعض الأوساط تعاطت معه بحذر وبشيء من "التشاؤل" باستعادة رواية إميل حبيبي "الوقائع الغريبة في اختفاء سعيد أبي النحس المتشائل".

والأمر لا يتعلّق بمضمون الاتفاق وأبعاده، بل احتمالات امتداداته وتأثيراته على عموم دول المنطقة، من دون نسيان ما قد يعترضه من تحديات وضغوط، من داخله ومن خارجه، الأمر الذي يحتاج  لدوامه، توفر الثقة والصدقية في تنفيذه، بما يُخفّف من حدّة التوتّر بين البلدين، وفي المنطقة، ويطوي الشكوك، ويُزيل العقبات والألغام من طريقها، لاسيّما انعكاساته على أوضاع اليمن ولبنان وسوريا والعراق، فضلًا عن دول الخليج.
ويمكن قراءة ردّ الفعل "الإسرائيلي" الحاد ضدّه منذ إعلانه، والترقّب التركي الملحوظ، وبلا أدنى شك فإن الملف النووي الإيراني سيكون حاضرًا أمريكيًا، وليس بعيدًا عن ذلك استمرار الحرب الروسية - الأوكرانية وتصاعد احتمالات مواجهة بين روسيا وحليفتها الصين من جهة، وبين الغرب وحلف الناتو من جهة أخرى. الجدير بالذكر أن الأزمة الروسية - الأوكرانية هي أكبر وأخطر وأعمق أزمة عالمية منذ قيام الأمم المتحدة العام 1945 وإلى اليوم.
وبغضّ النظر عن التقديرات المتناقضة بخصوص مستقبل العلاقات السعودية - الإيرانية، فإن أية علاقة إيجابية بين دول المنطقة يمكن رؤيتها في إطار الحفاظ على السلم والأمن في المنطقة، بوقف النزاعات ونزع فتيل التوترات وإطفاء بؤر الحروب التي عانتها، الأمر الذي سينعكس إيجابيًا كذلك على تنمية شعوبها، بما يعزّز علاقاتها الاقتصادية والتجارية والاجتماعية والثقافية، التي يفترض فيها أن تقوم على أساس احترام السيادة وعدم التدخّل بالشؤون الداخلية ومراعاة المصالح المشتركة والمنافع المتبادلة.
لقد عانت المنطقة خلال ثلاثة أرباع القرن الماضي حروبًا ونزاعات أساسها العدوان "الإسرائيلي" المتكرّر على الأمة العربية، بما فيه ما يجري اليوم من عنف وإرهاب طال المقدسيين، إضافة إلى توسيع أعمال الاستيطان المدان بموجب القانون الدولي، فضلًا عن التنكّر لحق الشعب العربي الفلسطيني من تقرير مصيره بنفسه، وإقامة دولته المستقلّة على أرضه، كما شهدت المنطقة حربًا ضروسًا عراقية - إيرانية استمرّت لثمانية أعوام، وفيما بعد حربًا ثانية في الخليج بعد غزو قوات النظام العراقي السابق للكويت، والتي توجّت بحصار دولي ثم احتلال العراق بعد أفغانستان.
ولا تزال المنطقة تعاني من صراعات مسلّحة ونزاعات أهلية وتدخلات خارجية متعددة استنزفت مواردها وبددّت طاقاتها، وهدرت إمكاناتها، وعرّضت وحدة دولها إلى التصدّع بدلًا من تعاونها واتحادها، الأمر الذي يفترض إجراء مراجعات على صعيد النخب الحاكمة وغير الحاكمة، لمصلحة شعوبها عبر حوار مسؤول وجاد للوصول إلى صيغة توافق وتفاهم وتعاون قد تكون أقرب إلى وستفاليا مشرقية.
لقد سبق لنا أن دعونا من هذا المنبر إلى ويستفاليا مشرقية يكون أساسها مفهومًا جديدًا للأمن الخاص بالمجاميع الثقافية في ظلّ التنوّع والتعدّدية الدينية والإثنية واللغوية على صعيد كلّ دولة، وعلى الصعيد الإقليمي، والهدف هو استنهاض الجانب الحضاري في الهويّات الخاصة والفرعية لكلّ مجتمع وكل دولة، وذلك  بتعظيم الجوامع وتقليص الفوارق والبحث عن المشتركات في إطار الهويّات العامة الجامعة.
ويمكن أن يكون الحوار السعودي - الإيراني نواةً أساسية لحوار عربي - إيراني، وهذه المعادلة يمكن أن تفضي إلى فضاء إقليمي يشمل حوارًا عربيًا - تركيًا وحوارًا عربيًا - كرديًا، وحوارات كردية مع دول الإقليم، وحوارات إيرانية - تركية، فمنطقتنا تتكوّن من أربع أمم أساسية هي الترك والفرس والكرد والعرب، وهو ما أسماه الأمير الحسن بن طلال ﺑ "أعمدة الأمّة الاربعة" .
ولعلّ أي حوار، ناهيك عن أي اتفاق يتطلّب مناخًا صحّيًا لإشاعة روح الثقة بالأفعال وليس بالأقوال فحسب، من خلال خطوات تدرّجية ملموسة وعملية، فالسياسة في نهاية المطاف ليست بالنوايا.
وإذا كانت "الحروب تولد في العقول" لذلك اقتضى "تشييد حصون السلام في العقول أيضًا" حسب دستور "اليونيسكو" ، وهذا يتطلّب تغليب منطق العقل والمصالح والحوار والتفاهم، محل سياسات فرض الهيمنة والتسيّد وإملاء الإرادة.
أليس حريًا بأمتنا وشعوبنا العربية والإسلامية ودولها، وضع حدّ لنزاعات طائفية ومذهبية عقيمة، واحترابات دينية لا معنى لها، باعتماد صيغة أقرب إلى "اتفاقية وستفاليا" لبناء سلام دائم وشامل؟ وهو ما توصّلت إليه أوروبا بعد حروب عبثية بين البروتستانت والكاثوليك، وخصوصًا حرب "الثلاثين عامًا"، التي أزهقت فيها أرواح ملايين البشر، وانتهت بتوقيع "اتفاقية ويستفاليا" العام 1648 التي وضعت حدًّا لتلك النزاعات، واعترفت بالسيادة والحق في ممارسة الطقوس والشعائر الدينية بحريّة، فضلًا عن حريّة مرور البضائع والسلع في إطار المصالح المشتركة. ويصبح مثل هذا الأمر لمنطقتنا "فرض عين وليس فرض كفاية".

* عبد الحسين شعبان كاتب عراقي مقيم في بيروت

 

arabstoday

GMT 06:23 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

المبحرون

GMT 06:20 2024 الأربعاء ,10 تموز / يوليو

قرارات أميركا العسكرية يأخذها مدنيون!

GMT 06:17 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

تسالي الكلام ومكسّرات الحكي

GMT 06:14 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

كيف ينجح مؤتمر القاهرة السوداني؟

GMT 06:11 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

اكتشافات أثرية مهمة بموقع ضرية في السعودية

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

منطق ويستفاليا منطق ويستفاليا



إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 07:35 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية
 العرب اليوم - قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية

GMT 07:55 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة
 العرب اليوم - الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة

GMT 09:46 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر
 العرب اليوم - الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر

GMT 14:18 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

شيرين رضا خارج السباق الرمضاني 2025 للعام الثالث علي التوالي
 العرب اليوم - شيرين رضا خارج السباق الرمضاني 2025 للعام الثالث علي التوالي

GMT 09:07 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

"نيسان" تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان "نيسمو" الـ25
 العرب اليوم - "نيسان" تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان "نيسمو" الـ25

GMT 07:54 2024 الثلاثاء ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

فيتامينات ومعادن أساسية ضرورية لشيخوخة أفضل صحياً

GMT 07:15 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

فيتامين سي يعزز نتائج العلاج الكيميائي لسرطان البنكرياس

GMT 05:57 2024 الثلاثاء ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

مشكلة العقلين الإسرائيلي والفلسطيني

GMT 07:39 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

نجاة نهال عنبر وأسرتها من موت محقق

GMT 22:56 2024 الثلاثاء ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

مقتل 3 جنود لبنانيين في قصف إسرائيلي

GMT 09:48 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

بيب غوارديولا يوافق على عقد جديد مع مانشستر سيتي

GMT 18:37 2024 الثلاثاء ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

واشنطن تفرض عقوبات على 6 قادة من حركة حماس

GMT 16:42 2024 الثلاثاء ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

جماعة الحوثي تعلن استهداف سفينة في البحر الأحمر

GMT 08:32 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

حسين فهمي يُعلّق على فوزه بجائزة عمر الشريف

GMT 06:43 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

ترامب الطامح إلى دور شبه ديكتاتور!

GMT 11:51 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

تليغرام يطلق تحديثات ضخمة لاستعادة ثقة مستخدميه من جديد

GMT 08:04 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

أحمد العوضي يكشف عن بطلة مسلسله بعد انتقاد الجمهور

GMT 06:02 2024 الثلاثاء ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

نعم... نحتاج لأهل الفكر في هذا العصر

GMT 03:04 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

مصر تطالب بتبني قرار لوقف إطلاق النار في قطاع غزة

GMT 06:00 2024 الثلاثاء ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

مقتلة صورة النصر

GMT 18:42 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

مسلسل جديد يجمع حسن الرداد وإيمي سمير غانم في رمضان 2025

GMT 18:00 2024 الأحد ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

حسين فهمي يكشف سر تكريم أحمد عز في مهرجان القاهرة
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab