هل هناك تاريخ معين لنهاية الاستعمار

هل هناك تاريخ معين لنهاية الاستعمار؟

هل هناك تاريخ معين لنهاية الاستعمار؟

 العرب اليوم -

هل هناك تاريخ معين لنهاية الاستعمار

بقلم - ممدوح المهيني

رغم أن الجيل الذي أنتمي إليه لم يمر بأي تجارب استعمارية أو حروب دينية، فإن الثقافة السياسية والدينية معبأة بأفكار الاستعمار والاحتلال والتقسيم وكأن العالم العربي يرزح تحت وطأة الغزاة المستعمرين ناهبي خيرات الشعوب على طريقة القرن التاسع عشر أو لم يخرجوا من عهد الحروب الصليبية.

     

 

         

 

من السهل أن تقع فريسة لهذا الخطاب؛ لأن القوميين والإسلاميين قد سيطروا على صناعة الثقافة وحشوها بمثل هذه المعتقدات والأفكار وبفضل القراءات النقدية لكتاب واقعيين متنورين يستطيع المرء أن يتخلّص من هذا الفخ ويفهم المغالطات التي تنطوي عليها هذه الآيديولوجيات التعبوية الكفاحية.

وتتوقع أن هذه الأفكار تتراجع مع التغيرات الكبيرة حول العالم، ولكن ما حدث هو العكس، بل إنها زادت في الفترة الأخيرة. ومن المفارقة أن تجد شباناً في بداية العشرينات يتحدثون بحماسة عن الاستعمار والإمبريالية وكل هذه المصطلحات التي كنا نسمعها من البعثيين والناصريين وكأن الزمن لم يتحرك. وقد شاهدت مؤخراً حديث شاب كويتي يتحدث عن خطط المؤامرات الغربية وأفكار التقسيم على الرغم من أن بلده اُحتل بسبب قوة غاشمة وحُرّر بفضل «القوى الاستعمارية» الغربية الذي يلطخ صورتها.

ما نراه الآن وما يبقي هذه الأفكار تنتعش وتزدهر من جديد هو إعادة ترويجها من قِبل أسماء أكاديمية (بعضها يعيش في الغرب) لامعة في تخصصاتها ولكنها مسكونة بهذه الأفكار التي اكتسبتها في شبابها وسكنت وجدانها وأصبحت تروّج لها إعلامياً واكتسبت مصداقية من قيمتها العلمية. وقد كتبت سابقاً عن المفكر جورج صليبا الذي قال في حوار له إن الاستعمار لا يزال يسكن النفوس (إلى متى؟ 50 عاماً أو 100 عام أو إلى ما لا نهاية!)، وموخراً خرج أحد المؤرخين الذي أعاد الترويج أيضاً لمثل هذه الأفكار المضرّة.

ورغم كل ما يمكن قوله عن مساوئ الاستعمار في الماضي، فإنه انتهى بشكل كامل في بعض الدول العربية قبل أكثر من نصف قرن. أي أنه أصبح شيئاً بعيداً في الماضي ولا يمكن إعادة تدويره ذهنياً في عقول الأجيال الصاعدة وتحميله كل المشكلات التي تعاني منها دول عربية كثيرة. ما علاقة الخلاف بين البرهان وحميدتي بالغزوات الاستعمارية؟ ورغم أن الحوثيين يرددون صرخة «اللعنة على أميركا واليهود» كل يوم، فإن اليمنيين يواجهون مصيراً صعباً بسبب مشاكلهم السياسية والاقتصادية، وليبيا منقسمة بيد أبنائها وليس تطبيقاً للخطط الإمبريالية المتخيلة. كل هذه الحقائق يتم تجاهلها بشكل كامل ويلقي باللوم على الآخرين الذين لم يعد لهم وجود منذ عقود طويلة.

الأمر الآخر، أن دولاً كثيرة تعرضت للاستعمار وحتى الاحتلال لفترات أطول مثل سنغافورة والهند واليابان، ولكنها نهضت بشكل مثير للإعجاب وتوقفت عن إخراج المهملات من سلة الماضي وإعادة تدويرها وتوزيعها على أبنائها مثل الأقراص المخدرة. ومع هذا، خرج الأكاديمي وائل حلاق وقال إنه يضحك على الهنود الذين استعمرتهم بريطانيا لأنهم يحاولون في مراحل أخيرة من تاريخهم أن يستنسخوا الغرب وعاداته بشكل هزلي وكاريكاتوري. ولكن هل هي مدعاة للضحك أن يكون رئيس الوزراء البريطاني من أصول هندية ورئيس الشركة العملاقة «غوغل» أيضاً وكبار رجال الأعمال والمال والعلماء يعودون إلى الجذور ذاتها؟ وإذا كانوا مثيرين للسخرية والضحك وحققوا كل هذا النجاح، أليس من الأفضل إذن تقليدهم بدل الاستنقاص منهم؟ في الواقع أن نجاحهم تحديداً بسبب الشيء ذاته الذي يقول حلاق إنه مدعاة للضحك عليهم وهو أنهم تجاوزوا الماضي الذي يريد تثبيته وتعلموا من الأعداء القدماء العادات التي جعلتهم يتفوقون عليهم في ديارهم.

الخطأ في هذا التفكير هو أنه يعيد الحياة لجثة ثقافية كان المفترض أن تدفن قبل وقت طويل، ومشكلتها أنها تعزل ذهنياً وشعورياً أجيالاً صاعدة في عالم متغير ومتصل بشكل لا مثيل له قائم على التنمية والتنافس العلمي وليس استرجاع الماضي، والأخطر في ذلك أنه لا يعتمد على الحقائق وإنما يلتف حولها ويخلق التفسيرات المتهافتة ليعيد الحياة لنفسية مهزومة تبحث بيأس عن تبرير إخفاق حاضرها بلوم الأعداء الوهميين الذين لم يعد لهم وجود على الإطلاق.

وعنوان هذا المقال: هل هناك تاريخ معين لنهاية الاستعمار؟ موجّه لمروجي هذه النظريات المتكررة. من المهم أن يقدموا تاريخاً محدداً حتى نقوم بعدها بلوم ومحاسبة أنفسنا!

arabstoday

GMT 20:40 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

عندما يعلو صوت الإبداع تخفت أصوات «الحناجرة»

GMT 06:23 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

المبحرون

GMT 06:20 2024 الأربعاء ,10 تموز / يوليو

قرارات أميركا العسكرية يأخذها مدنيون!

GMT 06:17 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

تسالي الكلام ومكسّرات الحكي

GMT 06:14 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

كيف ينجح مؤتمر القاهرة السوداني؟

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

هل هناك تاريخ معين لنهاية الاستعمار هل هناك تاريخ معين لنهاية الاستعمار



إطلالات الأميرة رجوة الحسين تجمع بين الفخامة والحداثة بأسلوب فريد

عمّان ـ العرب اليوم

GMT 07:58 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

تحوّل جذري في إطلالات نجوى كرم يُلهب السوشيال ميديا
 العرب اليوم - تحوّل جذري في إطلالات نجوى كرم يُلهب السوشيال ميديا

GMT 07:25 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

وجهات سياحية راقية تجمع بين الطبيعة الساحرة وتجارب الرفاهية
 العرب اليوم - وجهات سياحية راقية تجمع بين الطبيعة الساحرة وتجارب الرفاهية

GMT 07:39 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

كيف تختار الأثاث المناسب لتحسين استغلال المساحات
 العرب اليوم - كيف تختار الأثاث المناسب لتحسين استغلال المساحات

GMT 13:15 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

بايدن يؤكد العمل على وقف حرب غزة وإقصاء حماس عن السلطة
 العرب اليوم - بايدن يؤكد العمل على وقف حرب غزة وإقصاء حماس عن السلطة

GMT 08:12 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

التغذية السليمة مفتاح صحة العين والوقاية من مشاكل الرؤية
 العرب اليوم - التغذية السليمة مفتاح صحة العين والوقاية من مشاكل الرؤية

GMT 12:55 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

دينا الشربيني ورانيا يوسف تستعدّان للقائهما الأول على المسرح
 العرب اليوم - دينا الشربيني ورانيا يوسف تستعدّان للقائهما الأول على المسرح

GMT 08:36 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

أطعمة ومشروبات تساعد في علاج الكبد الدهني وتعزّز صحته

GMT 02:40 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

القهوة والشاي الأسود تمنع امتصاص الحديد في الجسم

GMT 06:59 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

فلسطين و«شبّيح السيما»

GMT 07:22 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

دراسة تحذر من أن الأسبرين قد يزيد خطر الإصابة بالخرف

GMT 09:52 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

كفاءة الحكومة

GMT 06:45 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

لبنان يقترب من وقف النار

GMT 10:19 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

جهود هوكستين: إنقاذ لبنان أم تعويم «حزب الله»؟

GMT 16:54 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

روسيا تتعاون مع الحوثيين لتجنيد يمنيين للقتال في أوكرانيا

GMT 02:58 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

11 شهيدًا في غارات للاحتلال الإسرائيلي على محافظة غزة

GMT 06:56 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

فرصة إيرانية ــ عربية لنظام إقليمي جديد

GMT 19:23 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

ميادة الحناوي تحيي حفلتين في مملكة البحرين لأول مرة

GMT 03:09 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

عدوان جوي إسرائيلي يستهدف الحدود السورية اللبنانية

GMT 07:58 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

اندلاع حريق ضخم في موقع لتجارب إطلاق صواريخ فضائية في اليابان

GMT 07:53 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

ألمانيا تحاكم 4 أشخاص بزعم الانتماء لـ "حماس"

GMT 06:54 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

النموذج السعودي: ثقافة التحول والمواطنة

GMT 07:10 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

تحذير أممي من تفشي العنف الجنسي الممنهج ضد النساء في السودان
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab