سوناك بريطاني وعجمي أميركي

سوناك بريطاني... وعجمي أميركي!

سوناك بريطاني... وعجمي أميركي!

 العرب اليوم -

سوناك بريطاني وعجمي أميركي

بقلم - ممدوح المهيني

قرأت مؤخراً مقالات وتغريدات تهاجم رئيس الوزراء البريطاني ريشي سوناك؛ بسبب مواقفه من الهجرة، وتتهمه بالعنصرية والمزايدة على أعضاء من حزبه المحافظ وتطالبه، بسبب جذوره الهندية ولأنه ابن مهاجرين، بمواقف أكثر تفهماً، بحسب وجهة نظرهم.

وفي الواقع، فإن هذه الاتهامات هي العنصرية، وليست قرارات سوناك؛ لأنها تنطلق في موقفها المنتقد عرق سوناك، وتطالبه بناء عليه بأن يتخذ قراراته. أي بما أنه من جذور هندية فيجب عليه أن يقرّ سياسات، ويختار مواقفه السياسية والاقتصادية وربما حزبه بناء على ذلك، وأي خروج عن ذلك يوصف بأنه عنصري، أو يتخذ مواقف متصلبة، حتى لا يوصف بأنه يحابي المهاجرين.

ينسى هؤلاء الناقدون أن سوناك هو رئيس وزراء بريطانيا وليس الهند، لهذا فإن دوره الأساسي أن يخدم مصالح المملكة المتحدة قبل كل شيء. قراراته يجب أن تُرى بهذا المنظور ولو قرر أن يخدم مصالح بلاد أو أمة أخرى سيعدّ خيانة. بمجرد أن يأخذ الشخص جنسية بلد آخر فهو ملزم بخدمته والحفاظ على مصالحه والدفاع عن ترابه. وهذا ينطبق على كل البلدان وليس فقط الدول الأوروبية، فلو أن شخصاً أصبح عراقياً أو مصرياً أو سعودياً فيجب أن تكون مواطنته الكاملة خالصة لهذا البلد حتى لو كان قادماً من أقاصي آسيا أو أفريقيا.

وفي السياق نفسه، شاهدت مقابلة أخرى تتحدث عن المفكر الراحل فؤاد عجمي، ويشير المتحدث منتقداً عجمي، الذي تعود أصوله إلى جنوب لبنان، إلى أنه يقول في أحاديثه لوسائل الإعلام: «نحن الأميركيين»! وكأن هذا عيب أو نقيصة، ولكن العكس هو الصحيح. نعم هو أميركي كامل وخالص منذ أخذ الجنسية، ولم يعد لبنانياً حتى لو كانت جذوره كذلك. ولكن فكرة الاستنقاص منه وجعله يشعر بالحرج، والتوقُع منه أن يتخذ أفكاراً بناء على عرقه أو جذوره... هي، مثل سوناك، نوعٌ من العنصرية المستترة.

عجمي انتُقد كثيراً بسبب مواقفه من الغزو الأميركي للعراق الذي عدّه تحريراً من «الديكتاتورية البعثية»، ولكنّ ناقديه اتهموه بالخيانة واغتالوا شخصيته؛ بسبب خلفيته ومكان ميلاده. ويتهمونه بأنه «معادٍ للقضايا العربية» كما يصفونها. وبالطبع بالإمكان انتقاد عجمي بكل قسوة ولكن ليس بناء على جذوره وطفولته، بل بناء على مواقفه الفكرية والسياسية بشكل خالص من دون أن نخلط عرقه بفكره، ولكن الصحيح أن نفصل بينهما. لذا عندما يقول «نحن الأميركيين» علينا أن نصدقه ونراه أميركياً كامل الأميركية.

على الجانب الآخر نرى الظاهرة ذاتها تحدث مع المفكرين الأميركيين من الجذور السوداء الذين يوصفون بأنهم مثل بسكويت «أوريو»، أي سود من الخارج وبيض من الداخل. من هؤلاء الكاتب المفكر شلبي ستيل، فقد ذكر في كتبه ومحاضراته الانتقادات التي تُوجه له لأنه لا يتبنى العقيدة الآيديولوجية التي لا ترى في العنصرية سبباً في تراجع المجتمع الأسود داخل أميركا، ولكن يعيدها لأسباب ثقافية مثل الإحساس بالمظلومية، وأسباب سياسية عندما يستغلها الساسة لكسب أصوات السود بتعزيز الإحساس بالظلم في أوساطهم، ولسياسات حكومية بسبب تقديم التعويضات التي أدت إلى قتل الطموح ووهن العزيمة (أشرت إلى كتاب شلبي ستيل «عقد الذنب البيضاء» في مقال «لنوقف إطلاق النار على أقدامنا!»). المطلوب من ستيل أن يتبنى الخطاب السائد لدى النخب والساسة والمجتمع الأسود، وإلا سيعد خائناً لعرقه حتى لو كان في ذلك ضرر عليهم وعلى المجتمع الأميركي والدولة. مثل سوناك وعجمي وستيل وكثيرين غيرهم مطلوب أن يحاصروا بعرقهم وجذورهم ولا يخرجوا عن هذه القوالب الآيديولوجية حتى يوم وفاتهم وإلا سيعدون خائنين وخارجين عن مبادئ أمتهم. ولكن ستيل يرى في نفسه أميركياً قبل أي شيء آخر، ويبحث عن الخير لها من دون أن يؤثر عليه أي شيء آخر.

هذا النوع من العنصرية والاستنقاص من كل أحد يأتي من جذور مختلفة بأن عليه أن يؤمن بأفكار معينة ويتبنى خطاباً محدداً هدفه الابتزاز الفكري والنفسي، بحيث تمنع الأشخاص أن يختاروا الفكر أو الحزب أو البلد الذي يريدون، بناء على خلفياتهم الإثنية والثقافية، والهدف الآخر هو منع تشكُل نماذج أو موديل يحفز الشباب ليسلكوا الطريق ذاتها من دون خوف، لهذا هم يتعرضون سريعاً للاغتيال وتحطيم السمعة. لكن الواقع أن الإنسان حر في أن يختار ما يريد، ولا علاقة لطفولته وجذوره بأن تدفعه نحو نمط معين من التفكير والانتماء السياسي كما يطالبون، وخياره لجنسية بلد معين يعني ولاءه الكامل له والدفاع عنه، وليس خيانته والتنكر له.

arabstoday

GMT 20:40 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

عندما يعلو صوت الإبداع تخفت أصوات «الحناجرة»

GMT 06:23 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

المبحرون

GMT 06:20 2024 الأربعاء ,10 تموز / يوليو

قرارات أميركا العسكرية يأخذها مدنيون!

GMT 06:17 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

تسالي الكلام ومكسّرات الحكي

GMT 06:14 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

كيف ينجح مؤتمر القاهرة السوداني؟

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

سوناك بريطاني وعجمي أميركي سوناك بريطاني وعجمي أميركي



الأسود يُهيمن على إطلالات ياسمين صبري في 2024

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 03:38 2025 الأربعاء ,08 كانون الثاني / يناير

إسرائيل تتهم الجيش اللبناني بالتعاون مع حزب الله
 العرب اليوم - إسرائيل تتهم الجيش اللبناني بالتعاون مع حزب الله

GMT 04:11 2025 الأربعاء ,08 كانون الثاني / يناير

أدوية حرقة المعدة تزيد من خطر الإصابة بالخرف
 العرب اليوم - أدوية حرقة المعدة تزيد من خطر الإصابة بالخرف

GMT 14:00 2025 الثلاثاء ,07 كانون الثاني / يناير

نيقولا معوّض في تجربة سينمائية جديدة بالروسي
 العرب اليوم - نيقولا معوّض في تجربة سينمائية جديدة  بالروسي

GMT 10:38 2025 الإثنين ,06 كانون الثاني / يناير

المشهد في المشرق العربي

GMT 07:59 2025 الإثنين ,06 كانون الثاني / يناير

النظام الغذائي الغني بالفواكه والخضراوات يحدّ من الاكتئاب

GMT 15:07 2025 الإثنين ,06 كانون الثاني / يناير

كاف يعلن موعد قرعة بطولة أمم أفريقيا للمحليين

GMT 19:03 2025 الإثنين ,06 كانون الثاني / يناير

فيروس جديد ينتشر في الصين وتحذيرات من حدوث جائحة أخرى

GMT 13:20 2025 الإثنين ,06 كانون الثاني / يناير

برشلونة يستهدف ضم سون نجم توتنهام بالمجان

GMT 02:56 2025 الإثنين ,06 كانون الثاني / يناير

مقتل وإصابة 40 شخصا في غارات على جنوب العاصمة السودانية

GMT 07:52 2025 الإثنين ,06 كانون الثاني / يناير

ميتا تطلق أدوات ذكاء اصطناعي مبتكرة على فيسبوك وإنستغرام

GMT 08:18 2025 الإثنين ,06 كانون الثاني / يناير

مي عمر تكشف عن مصير فيلمها مع عمرو سعد

GMT 10:42 2025 الإثنين ,06 كانون الثاني / يناير

عواقب النكران واللهو السياسي... مرة أخرى

GMT 09:44 2025 الأحد ,05 كانون الثاني / يناير

الصحة العالمية تؤكد أن 7 ٪ من سكان غزة شهداء ومصابين

GMT 08:54 2025 السبت ,04 كانون الثاني / يناير

محمد هنيدي يكشف مصير مشاركته في رمضان

GMT 23:13 2025 الإثنين ,06 كانون الثاني / يناير

زلزال بقوة 5.5 درجة على مقياس ريختر يضرب مدينة "ريز" في إيران

GMT 08:44 2025 السبت ,04 كانون الثاني / يناير

بشرى تكشف أولى مفاجآتها في العام الجديد

GMT 09:35 2025 الأحد ,05 كانون الثاني / يناير

شهداء وجرحى في قصف متواصل على قطاع غزة
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab