عن صندوقٍ «سيادي» تمليه «قدسية» الودائع

عن صندوقٍ «سيادي» تمليه «قدسية» الودائع!

عن صندوقٍ «سيادي» تمليه «قدسية» الودائع!

 العرب اليوم -

عن صندوقٍ «سيادي» تمليه «قدسية» الودائع

بقلم:حنا صالح

بعد فتحه مدينة صور، كتب الإسكندر الكبير إلى خليلته في مقدونيا لطمأنتها وتبديد قلقها بعدما استأخرت عودته من فينيقيا. تحدث عن بلاد تشبه بجبالها جمال بلاده، غنية بالمياه والمنتجات الزراعية، وتحاكي مدنها الساحلية بمرافئها النشطة مدن الإغريق البحرية. وإذ أبدى ارتياحه لأحوال جنده وقادة جيوشه الذين تنهال عليهم «الهدايا، أخبرها عن عرضٍ تلقاه من الوجهاء وكبار التجار، وهو التنازل له عن نصف عائدات أرباح تجارتهم المزدهرة مقابل وضع الثغور والتجارة تحت حمايته (...)»، ويضيف متسائلاً: «أي أعيان هؤلاء، وكيف يستمر تسلطهم وهم يتمسكون بالمحتل يغرونه بجزية تفوق كل ما كان يتخيله!».

جينات أولئك الأعيان الذين تفاجأ بهم الإسكندر الكبير، تناسلت من جيل إلى جيل وباتت الجينات إياها التي تميز المنظومة المتسلطة على لبنان والمتحكمة بحياة اللبنانيين. خلال حقبة الوجود السوري، حققت شرائح اجتماعية نشأت في كنفه ثراءً غير مسبوق، تبادلت «الخدمات» مع السوريين فنعم ضباط الجيش السوري بثراء لم يحلموا به. وعندما اتسعت المطالبة بضرورة إنهاء الوجود السوري، قال مرشح دائم للرئاسة إنه سيواجه بصدره الدبابات السورية ويمنعها من الانسحاب!

وبعدما فرضت «انتفاضة الاستقلال» في العام 2005، مستفيدة من وضعٍ دولي مؤاتٍ، خروج الجيش السوري، غدر زعماء الطوائف بشعبهم وذهبوا إلى «الاتفاق الرباعي»، مع «حزب الله»، قوة الأمر الواقع، وتبادلوا «الخدمات» عبر تمتينهم «نظام المحاصصة». تشاركوا في لجان نيابية «طبخ» قوانينهم، وتساكنوا سريراً حكومياً واحداً. وإقراراً بالحقيقة، أطلق بعضهم معارضة صوتية عندما لم تراعِ ممارسات «الحزب» حفظ ماء وجوههم، لكن ذلك لم يمس القاعدة الذهبية: السلاح يحمي الفساد الذي يحمي السلاح!

لم تمس التوترات والأزمات وصولاً إلى الانهيار المالي نهج التحاصص. بعد استنفاد المال العام جرى الانقضاض على ودائع المواطنين التي شكّلت لسنوات عدة المصدر المحوري للتمويل بالدولار. وسط هذا المناخ تحول «القرض الحسن» إلى المؤسسة المالية لـ«حزب الله» واتسع «الاقتصاد الموازي». ومن خلال المتبقي من الودائع فرضت سياسة «دعم» السلع الرئيسية مثل المحروقات؛ ما استنزف المليارات فتضاعفت أرباح المحتكرين وجُلّهم تابعون أو واجهات للمنظومة المتسلطة، فتأمن التمويل الإضافي للدويلة. وكي «يكتمل النقل بالزعرور» كانت «صيرفة» التي أعادت تمويل مصارف مفلسة ومصرفيين مرابين وأنشأت شريحة أثرياء في زمن الانهيار الكبير.

في زمن الوجود السوري، وبعده تسلط «حزب الله»، برز انعدام الأخلاق السياسية، وتراجع المستوى المعرفي لأكثر النخب، باستثناء القيام بصفقات مربحة على حساب الدولة ومن جيوب العامة. وكان طبيعياً أن يسفر تبادل «الخدمات» عن تغطية هذه النخب اختطاف «حزب الله» الدولة وقضمه قرارها، وبالتالي زجّ البلد في حرب مدمرة إنجازها الأبرز تدمير الجنوب وجعله أرضاً محروقة والتسبب بتهجير قسري كبير وقتل المئات، من بينهم أكثر من 360 من القادة الميدانيين لـ«الحزب»؛ ما عنى أن البلد مخترق أمنياً واستخباراتياً وتمتلك إسرائيل أخطر داتا معلومات تفصيلية.

الانهيار المالي والاقتصادي والأزمات الوطنية والسياسية من شغور رئاسي وفراغٍ حكومي وحرب مدمرة، كان ينبغي أن تكون على جدول أعمال القوى الحية، وأن تستأثر بجدول أعمال البرلمان المصادَر القرار والدور. فحدث أنه بعد انتهاء الشهر التاسع على حرب التوحش على غزة، وبدء «حزب الله» حرب «مشاغلة»، طلبت «معارضة» نظام المحاصصة انعقاد المجلس لمناقشة هذا الوضع الداهم، فكانت الحصيلة اجتماعاً نيابياً موسعاً لمناقشة «إنشاء مؤسسة مستقلة والصندوق الائتماني لإدارة أصول الدولة». بمعنى آخر، الدفع لإقامة «صندوقٍ سيادي» يشتمل على أصول الدولة تملي قيامه «قدسية الودائع»! والقدسية شعار تلطى خلفه النواب «البنكرجية» الذين منعوا الإصلاحات وسهّلوا عمليات السطو منذ العام 2019!

مشروعان مقدمان من «التيار العوني» و«القوات اللبنانية» ويحظيان بتأييد من «أمل» و«الاشتراكي» و«حزب الله» إلى نواب «مستقلين»، وكشفَ التعاطي عن وجود نوايا عميقة لتمرير مشروع «لحمته وسداه» قوننة الأطر الآيلة لنهب المستقبل، والحجة هي الودائع و«الحرص» على إعادتها. إنهم بعد انهيار الآمال في اكتشاف النفط والغاز، هرعوا إلى «صندوق نفطهم» وعيونهم على هذه الكعكة الثمينة. فكان أن فضح هذا الاجتماع الهادف لابتداع صيغة تمرير هذا المشروع، زيف المواجهة السياسية مع «الحزب» بعدما بات كل ريع جبهة جنوب لبنان يصبّ في الطاحونة الإيرانية!

سيشتمل «الصندوق السيادي» على كل أصول الدولة وهي مِلك للشعب اللبناني وليست للمتسلطين على البلد. الأملاك البحرية والمرافئ والمطارات والمشاعات والهاتف والخليوي واحتياط الذهب وغيرها، هي أصول يمكن أن تؤسس لوضع البلد على سكة التعافي، وما وضعها تحت أيدي متسلطين مسؤولين عن منهبة منظمة وانهيار لم يحدث بالصدفة واستتباع القضاء وتعطيل الدستور، إلاّ بهدف حماية حكم الناهبين وضمان منع المحاسبة والإفلات من العقاب عن الجرائم المالية المرتكبة كما خداع المودعين الذين تتآكل ودائعهم.

arabstoday

GMT 06:57 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

سبع ملاحظات على واقعة وسام شعيب

GMT 06:46 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

المالك والمستأجر.. بدائل متنوعة للحل

GMT 06:42 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

إيران ولبنان.. في انتظار لحظة الحقيقة!

GMT 06:41 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

أوهام مغلوطة عن سرطان الثدي

GMT 06:31 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

من جديد

GMT 06:29 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

رُمّانة ماجدة الرومي ليست هي السبب!

GMT 06:28 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

لقاء أبوظبي والقضايا الصعبة!

GMT 06:23 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

الفاتيكان... ومرثية غزة الجريحة

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

عن صندوقٍ «سيادي» تمليه «قدسية» الودائع عن صندوقٍ «سيادي» تمليه «قدسية» الودائع



إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 12:17 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

الجيش السوداني يعلن تحرير مدينة سنجة عاصمة ولاية سنار
 العرب اليوم - الجيش السوداني يعلن تحرير مدينة سنجة عاصمة ولاية سنار

GMT 11:15 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

شيرين عبد الوهاب توضح حقيقة حفلها في السعودية
 العرب اليوم - شيرين عبد الوهاب توضح حقيقة حفلها في السعودية

GMT 09:46 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر

GMT 20:51 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

أشرف حكيمي يمدد عقده مع باريس سان جيرمان حتي عام 2029

GMT 18:53 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

منة شلبي تقدم شمس وقمر في موسم الرياض

GMT 09:37 2024 الجمعة ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

ثوران بركاني جديد في أيسلندا يهدد منتجع بلو لاجون الشهير

GMT 22:00 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

كريستيانو رونالدو يدرس تأجيل اعتزاله للعب مع نجله

GMT 11:06 2024 الجمعة ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

مستشفى كمال عدوان بدون أكسجين أو ماء إثر قصف إسرائيلي مدمر

GMT 10:21 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

إسرائيل اعتقلت 770 طفلاً فلسطينيًا في الضفة منذ 7 أكتوبر

GMT 12:02 2024 الجمعة ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

قصف إسرائيلي يقتل 8 فلسطينيين في حي الشجاعية شرقي مدينة غزة

GMT 08:39 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

أجمل السراويل الرائجة هذا الموسم مع الحجاب

GMT 16:52 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

نتنياهو يرد على قرار المحكمة الجنائية الدولية

GMT 17:12 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

حزب الله يعلن قصف قاعدة عسكرية في جنوب إسرائيل لأول مرة

GMT 07:01 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

التسمم بالرصاص وانخفاض ذكاء الطفل
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab