«عسكر على عسكر»

«عسكر على عسكر»!

«عسكر على عسكر»!

 العرب اليوم -

«عسكر على عسكر»

بقلم - حنا صالح

المشهد الحزين الصادم والمؤلم، الذي كان محيط السرايا الحكومية في بيروت مسرحاً له الخميس الماضي، فرض نفسه على ما عداه. غاز مسيل للدموع، وحالات إغماء وتدافع، ومواجهات دموية بين القوى العسكرية والأمنية وبين العسكريين المتقاعدين، وقد انضمت إليهم عائلات عسكريين في الخدمة، انتفضوا على أكل حقوقهم مع تآكل القدرة الشرائية للبنانيين تحت وطأة الإفقار الممنهج، الذي بدأ بالسطو على المال العام وامتدَّ إلى مدخرات اللبنانيين وجيوبهم.

«عسكر على عسكر»، وصف سوريالي لحدثٍ غير مسبوق. ففي زمن «نظام المحاصصة الطائفي الغنائمي» صار مألوفاً أن يشهر العسكري السلاح في وجه رفيق سلاحٍ سابقٍ حمل السلاح دفاعاً عن البلد ومصالحه وحقوق أهله! هي نتيجة طبيعية للمنهبة الشاملة، التي مكّنت أخطر تحالفٍ مافيوي متسلط من الاستئثار بإيرادات الخزينة والودائع، ففقدت العملة الوطنية نحو 95 في المائة من قيمتها، وقد أظهرت معطيات موثقة، دولية ولدى جهات مستقلة، أن 85 في المائة من اللبنانيين باتوا على خط الفقر وتحته!

مع «عسكر على مين»، الذي ضمنه الرؤيوي سمير قصير، لمحاتٍ عن مساوئ استخدام السلطة للعسكر، فكتب قبل نحو ربع قرن: «من يضمن ألا يتساءل أحد غداً: عسكر على مين؟ وأن يجيب: على الآمنين؟!» فقد كان مألوفاً القمع الذي مارسته القوى الأمنية ضد كلِّ فئات المجتمع. ذلك أن زمن ما بعد الحرب الأهلية، وأُسمي من دون أي تدقيق، زمن «السلم الأهلي»، كان في حقيقته الفجة، زمن الفراغ من أي مشروع حكمٍ يتوسل التنمية المستدامة والتوازن، يولي الأهمية لمواجهات الأزمات باحثاً عن حلول لها. يومها نبّه قصير، وهو من رموز «انتفاضة الاستقلال» وصنّاعها، إلى مخاطر فقدان قيم الجمهورية وتراثها، التي كان يمكن لها أن «تؤسس لنهضة الاجتماع الوطني»، فلم يتوقع بلوغ مثل هذه الحيثية الصادمة!

الذين تسلطوا على البلد بعد عام 1990، قادوا انقلاباً على الطائف والدستور. انتقلوا من متاريس الحرب إلى التمترس خلف «الحصانات» و«نظام الإفلات من العقاب»، فكانوا طبقة سياسية صنّعها الوجود السوري. وعندما فرضت «انتفاضة الاستقلال» المغدورة، مستفيدة من مناخٍ دولي مؤاتٍ، إخراج الجيش السوري، نقل هذا التحالف ارتهانه إلى الهيمنة الإيرانية عبر وكيلها «حزب الله»، ليعيد تكريس حالة «زواج ماروني» بين الميليشيا المسلحة الخارجة على الشرعية والميليشيا المالية المصرفية. فتعمقت إذاك طبائع الاستبداد، الذي وجد له أرضية خصبة مع تناسل أجهزة أمنية ومخابراتية في استنساخ مريض لما هو قائم في المحيطين الأقرب والأبعد. أجهزة تم تطييفها عندما استتبع كلٍ منها لزعامة طائفة.

نماذج خطرة شهدها لبنان عن تحلل السلطة واتساع انتهاك حقوق المواطنين المتروكين من دون أي حماية. أجهزة أمنية تحمي رياض سلامة الملاحق دولياً وتمنع توقيفه، فيما أجهزة أخرى «تفشل» في العثور عليه وكان مقيماً في المصرف المركزي! ويشهد البلد رفض أجهزة أمنية تبليغ مذكرات استدعاءٍ قضائية، وامتناع عن تنفيذ مذكرات توقيف صادرة عن المحقق العدلي بجناية «القصد الاحتمالي» بالقتل، في جريمة تفجير المرفأ وما نجم عنها من إبادة جماعية و«ترميد» وسط العاصمة!

وفق قواعد هذه الممارسة صار معروفاً للبنانيين سبب صبّ رئيس الجمهورية السابق ميشال عون غضبه على قيادة الجيش والقائد، بتهمة «التقصير» في إفراغ الشوارع من «التشرينيين» بعد اندلاع ثورة «17 تشرين» 2019 كردٍ شعبي على انفجار الأزمة، وبدء بروز حجم المنهبة، التي نقلت أكثرية لبنانية من دور المتفرج إلى دور اللاعب السياسي الفاعل. فكان تحميل المنظومة السياسية، مسؤولية الإفقار وانتهاك الكرامات، ما أدى إلى إخراج كل الطبقة السياسية من الفضاء العام. فبلورت الثورة المنحى الحقيقي للإنقاذ وممره الإجباري قيام حكومة مستقلة من خارج نظام المحاصصة، بعدما لمس المواطنون الانحسار المريع لكل «المجتمع السياسي» فكان الانقضاض العنفي عليها. بعدها لا الجهات «الممسكة قانوناً» بالقرار قدمت شيئاً للبلد ولا «معارضتها» تشبه أي معارضة، وقد تطيّفت الأحزاب وتفتتت النقابات التي استتبعتها مافيا الحكم!

حتى إن تدهور معيشة الغالبية وتردي أوضاعها الصحية والاجتماعية، استتبعتاه بقايا السلطة بضرائب غير مباشرة في موازنة حمت الناهبين ومن هرّب الأموال إلى الخارج. وتجاهلت منحى الانخراط الميليشياوي العضوي في الشبكة المالية الدولية لـ«فيلق القدس»... وأدارت الظهر للتداعيات الناجمة عن ربط مصير الجنوب ولبنان بغزة، في إصرار على جر البلد إلى الهاوية، مطمئنة إلى متانة حكمها البلد بالبدع واستتباع القضاء، ولإدراكها أن «معارضة» نظام المحاصصة، التي تخلت منذ عقدين عن السيادة وقرار الحرب والسلم، أولويتها مصالحها الفئوية الضيقة، فأطلقت دعوات ببغائية لانتخاب رئيس للجمهورية علّها تغطي بذلك تهربها من استحقاقات معالجة الأزمات المالية والاقتصادية والاجتماعية والسياسية!

بعد 4 سنوات ونيف على الانهيار والإفلاس ما من متهم. وبعد 3 سنوات ونيف على التفجير الهيولي للمرفأ بعض المدعى عليهم ادعوا على قاضي التحقيق. ومع شغور مديد في الرئاسة وفراغٍ في السلطة وتجويف المؤسسات، وترك البلد يؤخذ قسراً إلى حربٍ مدمرة خدمة للنفوذ الإيراني، فإن التحالف الإجرامي المتهم بالكبائر ماضٍ في استتباع القضاء يحاضر بالعفة، غير عابئ بالصدام بين رفاق السلاح.

تنطبق مقولة أنطونيو غرامشي على وضع لبنان اليوم: «الجديد لم يستطع أن يولد بعد... وفي فترة الالتباس تظهر شتى أنواع الأمراض»... يعتمد علاجها على استعادة المناخ «التشريني» لبلورة البديل السياسي وممره تطور «قوى اجتماعية جديدة وتشكيلات سياسية حديثة ذات طابعٍ وطني غير طائفي»، كما يؤكد نواف سلام رئيس محكمة العدل الدولية.

arabstoday

GMT 04:32 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

رسائل الرياض

GMT 04:28 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

د. جلال السعيد أيقونة مصرية

GMT 04:22 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

إيران وترمب... حوار أم تصعيد؟

GMT 04:19 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

هل تغتنم إيران الفرصة؟!

GMT 04:17 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

داخل عقل ترمب الجديد

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

«عسكر على عسكر» «عسكر على عسكر»



إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 07:35 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية
 العرب اليوم - قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية

GMT 07:55 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة
 العرب اليوم - الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة

GMT 17:12 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

حزب الله يعلن قصف قاعدة عسكرية في جنوب إسرائيل لأول مرة
 العرب اليوم - حزب الله يعلن قصف قاعدة عسكرية في جنوب إسرائيل لأول مرة

GMT 09:46 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر
 العرب اليوم - الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر

GMT 18:17 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

أسماء جلال وأسماء أبو اليزيد تتنافسان في الغناء والسينما
 العرب اليوم - أسماء جلال وأسماء أبو اليزيد تتنافسان في الغناء والسينما

GMT 09:07 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

"نيسان" تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان "نيسمو" الـ25
 العرب اليوم - "نيسان" تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان "نيسمو" الـ25

GMT 07:15 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

فيتامين سي يعزز نتائج العلاج الكيميائي لسرطان البنكرياس

GMT 06:15 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

1000 يوم.. ومازالت الغرابة مستمرة

GMT 09:46 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر

GMT 15:49 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

الاتحاد الأوروبي يؤجل عودة برشلونة إلى ملعب كامب نو

GMT 14:52 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

الرئاسة الفلسطينية تعلّق على "إنشاء منطقة عازلة" في شمال غزة

GMT 06:27 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الجيش الإسرائيلي يصدر تحذيرا لـ3 مناطق في جنوب لبنان

GMT 12:26 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الجنائية الدولية تصدر مذكرتي اعتقال بحق نتنياهو وغالانت

GMT 13:22 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

الرئيس الإيراني يناشد البابا فرانسيس التدخل لوقف الحرب

GMT 13:29 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

رئيس دولة الإمارات وعاهل الأردن يبحثان العلاقات الثنائية

GMT 14:18 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

شيرين رضا خارج السباق الرمضاني 2025 للعام الثالث علي التوالي

GMT 06:52 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

نتنياهو يعلن عن مكافأة 5 ملايين دولار مقابل عودة كل رهينة

GMT 14:17 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

نادين نجيم تكشف عن سبب غيابها عن الأعمال المصرية

GMT 09:07 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

"نيسان" تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان "نيسمو" الـ25

GMT 23:34 2024 الثلاثاء ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

يسرا تشارك في حفل توقيع كتاب «فن الخيال» لميرفت أبو عوف

GMT 08:54 2024 الثلاثاء ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

تنسيق الأوشحة الملونة بطرق عصرية جذابة

GMT 09:14 2024 الأحد ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

موديلات أوشحة متنوعة موضة خريف وشتاء 2024-2025

GMT 06:33 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

صهينة كرة القدم!
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab