بين حرب مدمرة أو استنزاف طويل

بين حرب مدمرة أو استنزاف طويل!

بين حرب مدمرة أو استنزاف طويل!

 العرب اليوم -

بين حرب مدمرة أو استنزاف طويل

بقلم - حنا صالح

يمكن وصف الأربعاء 27 مارس (آذار) الماضي بأنه يوم الجنازات في لبنان. جنازات المدنيين، وبوجه خاص جنازات المسعفين الطبيين في يوم انفلات الاستهداف القاتل. يكره الصهيوني المسعف لأنه ينقذ الجرحى، ويكره النساء لأنهن ينجبن، ويكره الأطفال لأنهم سيشبون، ويكره المصور والمراسل الصحافي لأنهما ينقلان للعالم صور المحارق الجماعية التي ينفذها التوحش الصهيوني!

ترافق تحويل بلدات الجنوب المستباح حقول موت، مع استعداد حكومة مجرم الحرب نتنياهو لتوسيع العمليات العدوانية ضد لبنان وصولاً إلى حربٍ مفتوحة. والعنوان إنهاء نتائج حرب «حزب الله» المحدودة منذ 8 أكتوبر (تشرين الأول) 2023. فيعلن قائد المنطقة الشمالية الإسرائيلي: «جاهزون من الليلة للتصرف على الحدود اللبنانية، وعازمون على تغيير الوضع الأمني». وبعدما جمع الإسرائيلي بين جبهتي لبنان وسوريا، فطاولت الضربات الخطوط الخلفية لـ«المقاومة الإسلامية» وطرق الإمداد وما يُعتقد أنه أماكن تخزين الصواريخ والمسيّرات، وكانت ترجمته غارات على بعلبك ومحيطها والهرمل أقصى شمال شرق لبنان... يصدر رئيس أركان الجيش الإسرائيلي هاليفي أمراً «بتوسيع دائرة الأهداف في لبنان إلى نحو 200 كلم من الحدود»... ما يعني استباحة شاملة لأن امتداد البلد من الشمال إلى الجنوب لا يتجاوز 220 كلم!

تأكد هذا المنحى مع تراجع الرهان على حلٍ ديبلوماسي، يتفادى الحرب ويسمح بعودة المهجرين من جانبي الحدود، تكون ركيزته عودة حقيقية إلى القرار الدولي 1701 معطوفاً على إمكانية حسم الخلافات المتبقية بشأن النقاط الحدودية. حلٌ لو توافرت جدية من بقايا السلطة لملاقاة الجهود الدولية لكان من شأنه استعادة أمن الجنوب وسلام لبنان مقابل إسقاط أي إمكانية مستقبلية لتكرار «7 أكتوبر» من حدود الجنوب.

أمام مخاطر محدقة بلبنان الكيان والمواطنين، يبدو «حزب الله» عالقاً في عنق الزجاجة، لا يملك قرار وقف حرب «المشاغلة» التي فشلت أهدافه المعلقة عليها ولم ينقضِ الأمر بسقوط رهاناته اللاواقعية، بل تسببت بجعل مناطق جنوبية أرضاً محروقة وبلدات سيتعذر طويلاً إعادة عمرانها، فلا يملك قرار التخلي عن مواقعه؛ لما سيكون لذلك من ارتداد سلبي على بيئته اللصيقة من جهة، ومن الأخرى على المشروع الإيراني للهيمنة وركيزته التهديد بتطويق الكيان الصهيوني. لذلك تبدو مواقف الإنكار والانفصام عن الواقع سمة مواقف «الحزب»، فيروّج عبر أبواقه لمقولات يعجز العقل العادي عن فك ألغازها من نوع أن إجرام إسرائيل يعكس «فشل المساعي الإسرائيلية للسيطرة على التصعيد من أجل فرض قواعد اشتباكٍ جديدة» وفق جريدة «الأخبار»، التي رأت أن «حرب المعادلات... وفّرت مظلة أمنية للبنان». ليتأكد هنا أن هذا الإنكار لا يضاهيه سوى إعلان رئيس المكتب السياسي لـ«حماس» إسماعيل هنية أمام المرشد الخامنئي أن «عملية (طوفان الأقصى) حققت إنجازات غير مسبوقة للشعب الفلسطيني» (...)، وكأن بين الجانبين تنافساً لمن سيكون السبق في تدمير غزة ولبنان!

هنا يبرز دور طهران التي مع تمسكها ببقاء تماسك محورها «المقاوم»، ترى في الوضع الناشئ منذ «7 أكتوبر»، ومع متطلبات عام الانتخابات الأميركية، حالة لا تتكرر لجهة الفرصة لتثبيت نفوذها. والأهم تكريس شرعية دولية لدورها، على غرار ما كان يوصف الوجود السوري في لبنان بأنه «ضروري ومؤقت» فاستمر لعقود. ومن هنا يصبح مفهوماً استخدام طهران وكلاءها في لبنان والعراق واليمن لخدمة هذه الأجندة. وإذذاك يصبح من نافل القول أنه لا يضيرها رسوخ نظرة عالمية لـ«حزب الله»، بأنه مجرد فصيل في «فيلق القدس» الإيراني، هوى ومهامات، واستثمر فيه نظام طهران لخدمة مشروع الهيمنة الإقليمية لإيران!

بهذا السياق، تبدو سطحية مطالبات أطرافٍ لبنانية لـ«حزب الله» بتسليم سلاحه، وهي لم تجد غضاضة منذ مؤتمر الدوحة في تضمين بيانات الحكومات المتعاقبة ثلاثية الصيغة الخشبية: «شعب وجيش ومقاومة»؛ ما غطى استباحة «المقاومة الإسلامية» للسيادة. إنها مطالبة تعادل دعوة النظام الإيراني إلى التخلي عن دوره، وعن الأدوات الدفاعية التي استثمر فيها خدمة لطموحات إمبراطورية للنظام الإيراني.

الأكيد أن قوى سياسية لبنانية وجهات نيابية راحت بعد ثورة «17 تشرين» اللبنانية تصنّف نفسها في موقع مناهضة «حزب الله» والمشروع الموكل إليه تنفيذه. وتشكل اليوم جانباً من فسيفساء واسعة رافضة توريط لبنان في الحرب. ما تعرفه هذه القوى ويعرفه خصمها المفترض، هو عجزها عن إقناع المواطنين بجدية طروحاتها. وكما لا يصح صيف وشتاء على سقف واحد، فإن مناهضة جر لبنان إلى الحرب لا تكون ببقاء التعاون الوثيق مع «الحزب»، في متابعة السياسات التي أدت إلى الإفلاس وانهيار مالية البلد واقتصاده وإفقار شعبه وإذلاله وتجويعه ووضعه وجهاً لوجه أمام حالة إبادة جماعية. نتكلم عن تكافل الطبقة السياسية في منع المحاسبة، وحماية الناهبين أركان الكارتل المصرفي السياسي الميليشيوي، وطي «التدقيق الجنائي»، إلى التساكن مع مخطط تعطيل العدالة في جريمة تفجير مرفأ بيروت وعدم اعتبار المحاسبة أولويتها... ومن ثم تلتقي مع «حزب الله» في ابتداع مشاريع مطروحة الآن للسطو على المستقبل من خلال الاستيلاء على أصول الدولة لتتضاعف ثروات أثرياء مرحلة «السلم الأهلي» وتتعزز مكانة «الاقتصاد الموازي» للدويلة!

من شويا قبل عامين إلى رميش بالأمس، إنها تجربة مواجهة السلاح اللاشرعي بالصدور العارية. بإمكان اللبنانيين أن يستعيدوا دور اللاعب السياسي كما برز في «ثورة تشرين» وفي التصويت العقابي في الانتخابات. وبإمكانهم إسقاط التهويل بالحرب الأهلية وإخراج لبنان من ثنائية حرب مدمرة أو استنزاف طويل. إن النخب «التشرينية»، كما الحالات التنظيمية وإن جنينية، أمام تحدي مبادرة تستعيد ثقة المواطنين في الداخل ودنيا الاغتراب بما في ذلك أوساط واسعة ضللها النفاق والترهيب الطائفي فاقترعت للقوى الطائفية، ليكون متاحاً رسم طريق لشل التهديد والسلاح، وإخراج لبنان من أزماته وإنقاذه. إنها «الكتلة التاريخية» الشعبية العابرة للمناطق والطوائف، حيث لا مكان لتكرار تجارب بيع وشراء ومقايضة وتقديم مصالح فئوية ضيقة.

arabstoday

GMT 04:32 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

رسائل الرياض

GMT 04:28 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

د. جلال السعيد أيقونة مصرية

GMT 04:22 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

إيران وترمب... حوار أم تصعيد؟

GMT 04:19 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

هل تغتنم إيران الفرصة؟!

GMT 04:17 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

داخل عقل ترمب الجديد

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

بين حرب مدمرة أو استنزاف طويل بين حرب مدمرة أو استنزاف طويل



إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 07:35 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية
 العرب اليوم - قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية

GMT 07:55 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة
 العرب اليوم - الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة

GMT 09:46 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر
 العرب اليوم - الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر

GMT 14:18 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

شيرين رضا خارج السباق الرمضاني 2025 للعام الثالث علي التوالي
 العرب اليوم - شيرين رضا خارج السباق الرمضاني 2025 للعام الثالث علي التوالي

GMT 09:07 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

"نيسان" تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان "نيسمو" الـ25
 العرب اليوم - "نيسان" تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان "نيسمو" الـ25

GMT 07:54 2024 الثلاثاء ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

فيتامينات ومعادن أساسية ضرورية لشيخوخة أفضل صحياً

GMT 07:15 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

فيتامين سي يعزز نتائج العلاج الكيميائي لسرطان البنكرياس

GMT 05:57 2024 الثلاثاء ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

مشكلة العقلين الإسرائيلي والفلسطيني

GMT 07:39 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

نجاة نهال عنبر وأسرتها من موت محقق

GMT 22:56 2024 الثلاثاء ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

مقتل 3 جنود لبنانيين في قصف إسرائيلي

GMT 09:48 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

بيب غوارديولا يوافق على عقد جديد مع مانشستر سيتي

GMT 18:37 2024 الثلاثاء ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

واشنطن تفرض عقوبات على 6 قادة من حركة حماس

GMT 16:42 2024 الثلاثاء ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

جماعة الحوثي تعلن استهداف سفينة في البحر الأحمر

GMT 08:32 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

حسين فهمي يُعلّق على فوزه بجائزة عمر الشريف

GMT 06:43 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

ترامب الطامح إلى دور شبه ديكتاتور!

GMT 11:51 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

تليغرام يطلق تحديثات ضخمة لاستعادة ثقة مستخدميه من جديد

GMT 08:04 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

أحمد العوضي يكشف عن بطلة مسلسله بعد انتقاد الجمهور

GMT 06:02 2024 الثلاثاء ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

نعم... نحتاج لأهل الفكر في هذا العصر

GMT 03:04 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

مصر تطالب بتبني قرار لوقف إطلاق النار في قطاع غزة

GMT 06:00 2024 الثلاثاء ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

مقتلة صورة النصر

GMT 18:42 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

مسلسل جديد يجمع حسن الرداد وإيمي سمير غانم في رمضان 2025

GMT 18:00 2024 الأحد ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

حسين فهمي يكشف سر تكريم أحمد عز في مهرجان القاهرة
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab