بقلم - جمعة بوكليب
قبل يوم واحد من إحراز المنتخب الإنجليزي لكرة القدم نصراً تاريخياً على نظيره الإيطالي، في مدينة نابولي، لأول مرة منذ عام 1961، تمكن رئيس الحكومة البريطانية ريشي سوناك، في اليوم السابق له، من تسجيل نصر برلماني غير متوقع ضد خصومه في الجناح اليميني المناوئ لأوروبا، وذلك بتصويت أغلبية نواب الحزب (280 نائباً) على اتفاقية «إطار ويندسور - Windsor Framework» التي وقعها سوناك مع الاتحاد الأوروبي مؤخراً، والمتعلقة بشمال آيرلندا، في مرحلة ما بعد «بريكست».
بلغ عدد النواب المحافظين الذين صوّتوا ضد الاتفاق 22 نائباً فقط، أغلبهم من الجناح اليميني المنضوي في كتلة «فريق البحث الأوروبي»، ومن أنصار رئيسي الحكومتين السابقين بوريس جونسون وليز تراس، مضافاً إليهم نواب حزب «الاتحاديين الديمقراطي» في شمال آيرلندا، مما رفع العدد إلى 29 نائباً.
ثلاثة زعماء سابقين للحزب صوتوا ضد الاتفاق، وهم: بوريس جونسون، وليز تراس، والسير إيان دنكان سميث. الاتفاق المذكور، أُطلقَ عليه سابقاً اسم «بروتوكول شمال آيرلندا». وكانت حكومة السيد بوريس جونسون من قاد الجانب البريطاني في المفاوضات مع بروكسل، ووقعه السيد جونسون بنفسه، وباركته الكتلة اليمينية المتشددة.
يعود ظهور الكتلة اليمينية المتشددة (مجموعة البحث الأوروبي) إلى عام 1993 على يد نائب محافظ هو السير مايكل سبيسر. واستناداً إلى موسومة «ويكيبيديا» على الإنترنت، فإن الهدف من تأسيسها كان لوقف اندماج بريطانيا في الاتحاد الأوروبي بتوقيعها على اتفاقية ماستريخت 1992، التي تعدُّ حجر الأساس في تأسيس الاتحاد الأوروبي. الكتلة، خلال السنوات الماضية، خصوصاً بعد استفتاء عام 2016، وصل عدد أعضائها قرابة 90 نائباً، وكانوا من القوة والنفوذ بحيث تمكنوا من إفشال محاولات رئيسة الحكومة الأسبق السيدة تيريزا ماي، تمرير اتفاق «بريكست» في البرلمان. عقب إعلان نتائج التصويت على الاتفاق الجديد، جادل أعضاء الكتلة بأن 70 نائباً محافظاً لم يصوّتوا على الاتفاقية، من ضمنهم الممتنعون عن التصويت والغائبون. وانتقدوا السيد سوناك لمنحه 90 دقيقة فقط في البرلمان لمناقشة بند واحد لا غير من الاتفاق المعدل.
رئيس الحكومة سوناك عمل على شقّ صفوف الكتلة وإضعافها من خلال تعيين عدة نواب من أعضائها في حكومته. وأسند حقيبة شمال آيرلندا إلى اثنين من رؤسائها السابقين. نجاح رئيس الحكومة سوناك في تمرير الاتفاقية برلمانياً وبأغلبية كبيرة، دفعه إلى محاولة البناء سريعاً على ذلك النجاح. في يوم الجمعة الماضي، وبعد موافقة البرلمان، تمّ التوقيع على الاتفاق رسمياً في لندن من الطرفين. وبدأت جولة جديدة من المفاوضات بينهما لتعميق التعاون في مجالات عديدة؛ أهمها الأبحاث العلمية الجامعية، واللوائح المالية المنظمة. وكذلك مناقشة تنمية العلاقات بين الطرفين.
أغلب المعلقين السياسيين يرون أن التصويت البرلماني بالموافقة على اتفاق «إطار ويندسور» يعد بمثابة إسقاط ورقة «بريكست» من أيدي الجناح اليميني المتشدد. وأن أغلبية النواب المحافظين انحازوا، من دون تردد، إلى براغماتية رئيس الحكومة سوناك، في التعامل مع القضايا الشائكة عملياً وبصمت، بعيداً عن الدوغمائية العقائدية.
الاتفاق المعدّل أعاد تصحيح أمور كثيرة، كانت سبباً في قلق رجال الأعمال في شمال آيرلندا، خصوصاً المتعلق منها بتعطل حركة مرور السلع والبضائع البريطانية من وإلى الإقليم، نتيجة الإجراءات الجمركية التي كانت مفروضة، مما أدى إلى نقص في البضائع والسلع في الأسواق. كما ضمن الاتفاق عدم اتخاذ بروكسل قرارات تخصّ شمال آيرلندا من دون موافقة البرلمان المحلي للإقليم والحكومة البريطانية. إلا أن الاتفاق لا يضمن عودة حزب «الاتحاديين الديمقراطي» إلى المشاركة في الحكومة المحلية، وبالتالي، استئناف البرلمان الجديد لمهامه، وعودة الأمور إلى ما كانت عليه. والسبب، لأن نواب الحزب، في برلمان ويستمنستر، أبدوا تحفّظات على الاتفاق، وصوّتوا ضده.
نجاح السيد سوناك الأخير برلمانياً، يضاف إلى نجاحاته السابقة داخلياً وخارجياً، أهمها وضع نهاية لعديد من إضرابات العاملين في قطاع السكك الحديد والتمريض وغيرهم. وتوقيع اتفاقية «أوكوس» الأمنية مع أميركا وأستراليا، وأخرى مع الرئيس الفرنسي ماكرون، وإعاد فتح الجسور مع بروكسل في وقت قصير. النجاحات المتتالية بدأت تثير اهتمام المراقبين. إلا أن تلك النجاحات لم تعمل، حتى الآن، على تقليص الفارق في النقاط، في استبيانات الرأي العام. وما زال العماليون يتقدمون المحافظين بـ20 نقطة.
الامتحان الصعب المقبل للسيد سوناك تحدد موعده في شهر مايو (أيار) المقبل، حيث ستجرى الانتخابات المحلية. المعلقون يرون أن الانتخابات هي أعلى نقاط الخطر أمام السيد سوناك لإثبات نفسه زعيماً سياسياً. المسؤولون في الحزب يتوقعون أن النتائج لن تكون جيدة للمحافظين. لكنها في الوقت ذاته لا تمثل خطراً على السيد سوناك. في انتخابات عام 2019 حظي المحافظون بنسبة 28 في المائة من الأصوات. وقتذاك، كانت أزمة «بريكست» في الذروة. والنجاح الحقيقي في نظرهم سيكون العام المقبل، موعد إجراء الانتخابات النيابية العامة. ويرون أن وجود الحزب في الحكم طيلة 13 عاماً، لن يجعل المهمة سهلة أمام السيد سوناك.