تكنولوجيا بلا حدود

تكنولوجيا بلا حدود

تكنولوجيا بلا حدود

 العرب اليوم -

تكنولوجيا بلا حدود

بقلم:جمعة بوكليب

للتقنية، في القرن الواحد والعشرين، أفضالٌ كثيرة على الناس في العالم أجمع، بما قدمته لهم من تطورات مجسّدة في أجهزة ذكية، تساهم في متعتهم وتواصلهم، وتقلل أو تزيد من سعادتهم أو كآبتهم حسب الطلب والظروف والمزاج كذلك. وعلى سبيل المثال، في مجال المتعة الشخصية المنزلية، بإمكان المرء منّا الجلوس باسترخاء على كنبة في غرفة جلوسه في البيت، في أي وقت، وبين يديه جهاز تحكّم وسيطرة، ويشاهد ما يود مما يُقدم في مختلف القنوات بمختلف اللغات من برامج، وأفلام سينمائية ومسلسلات تلفزيونية، وبرامج تحقيقات، وطبخ ولبخ.....الخ.

تلاشت مختفية، غير مأسوف عليها، تلك الأعوام الكئيبة التي كان جهاز التحكّم والسيطرة في أيدي الحكومات، وليس على المواطنين سوى مشاهدة ما يختاره له موظفون رسميون، يفرضون أذواقهم على الناس.

في القرن الحادي والعشرين، أتاح التطور التكنولوجي للمواطنين ميزة لم تكن متوفرة لهم في السابق اسمها حرية الاختيار. أليست حرية الاختيار واحدة من شروط الحرّية الشخصية في الفلسفة الليبرالية؟

لهذا، يمكن للواحد منهم، على سبيل المثال، أينما كان وحلَّ، الاختيار بين متابعة مجريات ألعاب الأولمبياد في باريس، ومعرفة من فاز بأكثر الميداليات، ومن خسر، ومن بقى من الفرق واللاعبين في باريس ومن غادروها راجعين إلى بلدانهم محمّلين بخُفي حُنين، أو، إن شاء، يمكنه اختيار متابعة آخر أخبار وتقارير غارات سلاح الجو الإسرائيلي، وهي تدكُّ، ليلاً ونهاراً، بأطنان من القنابل والصواريخ، ما بقي من مبانٍ لم تدك في تلك البقعة المنكوبة المسماة قطاع غزة، أو في غيرها من المناطق مثل جنوب لبنان، أو جنوب العاصمة بيروت، أو حتى العاصمة الإيرانية طهران. فأيدي إسرائيل الطويلة، صارت في القرن الواحد والعشرين، وبفضل التطور التكنولوجي كذلك، أطول وأطول. وكل همّها تحقيق أهدافها والعودة إلى قواعدها سالمة، من دون أن تطالها طائلة.

وإذا أحسَّ المرء بالاختناق من تلك المشاهد المرعبة، وفقد القدرة على تحمّل رؤية جثت الأطفال الفلسطينيين في أكفانهم وعويل أمهاتهم، فما عليه سوى الضغط على زر صغير في جهاز التحكّم لديه والانتقال إلى قناة أخرى متخصصة في فنّ الطبخ. من ميزة برامج الطبخ، في كل القنوات التلفزيونية، المحلية منها والدولية، أنّها جميعاً تتسم بالحيادية، ولا تسبب ضرراً للمشاعر والأحاسيس. والأهمُّ أنّها تساهم كثيراً في فتح الشهية للأكل. وقد يختار المرء الانتقال إلى قنوات أخرى متخصصة في برامج مصائب أخرى عديدة.

التطور التكنولوجي الهائل جعل من الواحد منّا مواطناً عالمياً وحرّاً! يملك بين يديه جهاز تحكّم وسيطرة، وكل القنوات التلفزية في العالم تحت طلبه، ولا يخاصمه في ملكيته للجهاز أحد. وأكثر من ذلك، منحه التطور التكنولوجي ما صار يعرف بالشبكة العنكبوتية - الإنترنت. ففي تلك الشبكة ينفتح أمامه عالم بلا حدود، يخوض فيه بحرّية. وكونه مواطناً عالمياً حرّاً، بإمكانه التعبير عن أفكاره ومشاعره وقراءاته في الفلسفة والفنّ والأدب والتاريخ، أو اللجوء إلى سبّ وشتم الناس وتنغيص حيواتهم، ونعتهم بأسوأ النعوت والصفات لأنهم لا يوافقونه الرأي السياسي، أو يخالفونه في لون البشرة والعقيدة الدينية، أو بث الأكاذيب حول المهاجرين لأنهم فقراء فروا بحيواتهم هرباً من حروب أهلية، أو مجاعات، أو كوارث طبيعية، ومن السهل جداً تعريضهم للأذى، وبخاصة إذا كانوا عرباً أو مسلمين.

عالمُ الشبكة العنكبوتية مفتوح على كل الآفاق والجهات. والمرءُ الذي صيّرته التكنولوجيا مواطناً عالمياً وحرّاً يملك حرّية الاختيار، إلا أنه للأسف، في أغلب الأحيان، لا يملك حِسّاً بالمسؤولية. إذ ليس من مهام التكنولوجيا تلك الوظيفة. وغيابُ الحِسّ بالمسؤولية الأدبية والأخلاقية، حَوّل الشبكة العنكبوتية إلى غابة بأحراش ووحوش وأشباح غير مرئيين، يتخفّون وراء رموز وأسماء غريبة، بقصد التحايل والسرقة، أو برغبة التنغيص على الناس، أو طلباً لشهرة، أو سلطة. إلا أن التضليل في المعلومات من أخطر وأكثر ما يطفو على الإنترنت من مصائب. آخرها صدر عن عنصريين في بريطانيا، عقب حادثة قتل ثلاثة أطفال طعناً بسكين، ارتكبها شاب من أصول أفريقية لم يتجاوز السابعة عشرة من عمره (قاصر قانونياً).

العنصريون والمتطرفون سارعوا منذ ظهور أخبار القتل إلى الإنترنت، بنشر أخبار مضللة تؤكد على أن الفاعل مسلم، بهدف التحريض العدائي ضد المسلمين. وبالفعل نجح التضليل. وتسبب في خروج متظاهرين، وقيامهم بهجمات على المسجد الإسلامي في المنطقة التي شهدت الجريمة. وأفضت تلك التظاهرة العنيفة إلى موجات أشد عنفاً، استهدفت أماكن إقامات المهاجرين، وانتشرت في العديد من المدن البريطانية، ولم تنتهِ بعد.

 

arabstoday

GMT 05:52 2024 الخميس ,31 تشرين الأول / أكتوبر

من مقالات نجيب محفوظ

GMT 05:50 2024 الخميس ,31 تشرين الأول / أكتوبر

شرط إسرائيل شريط مهجور على حدودها مع لبنان!

GMT 05:49 2024 الخميس ,31 تشرين الأول / أكتوبر

«فينيسيوس» المحروم من الجائزة... وشجون الجوائز!

GMT 05:47 2024 الخميس ,31 تشرين الأول / أكتوبر

مذبحة «السريحة»... صدمة السودان

GMT 05:46 2024 الخميس ,31 تشرين الأول / أكتوبر

افتتاح المتحف المصري الكبير

GMT 05:45 2024 الخميس ,31 تشرين الأول / أكتوبر

ليبيا وأنظمتها السياسية... الرسوف في الفوضوية

GMT 05:43 2024 الخميس ,31 تشرين الأول / أكتوبر

حرب إسقاط المفاهيم

GMT 05:39 2024 الخميس ,31 تشرين الأول / أكتوبر

الحروب الدينية مستوردة؟

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

تكنولوجيا بلا حدود تكنولوجيا بلا حدود



هند صبري بإطلالة أنثوية وعصرية في فستان وردي أنيق

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 06:13 2024 الخميس ,31 تشرين الأول / أكتوبر

البدلة النسائية الخيار الأمثل لإبراز شخصيتك وأناقتك
 العرب اليوم - البدلة النسائية الخيار الأمثل لإبراز شخصيتك وأناقتك

GMT 12:54 2024 الأربعاء ,30 تشرين الأول / أكتوبر

اكتشاف جينات جديدة ترتبط بزيادة خطر الإصابة بالسرطان
 العرب اليوم - اكتشاف جينات جديدة ترتبط بزيادة خطر الإصابة بالسرطان

GMT 17:16 2024 الأربعاء ,30 تشرين الأول / أكتوبر

عمرو سعد يتحدث عن غيرته من هيفاء وهبي
 العرب اليوم - عمرو سعد يتحدث عن غيرته من هيفاء وهبي

GMT 12:54 2024 الأربعاء ,30 تشرين الأول / أكتوبر

اكتشاف جينات جديدة ترتبط بزيادة خطر الإصابة بالسرطان

GMT 05:35 2024 الثلاثاء ,29 تشرين الأول / أكتوبر

قائمة الفائزين بـ"جوائز الكرة الذهبية" 2024

GMT 01:12 2024 الأربعاء ,30 تشرين الأول / أكتوبر

وفاة الفنان مصطفى فهمي عن عمر يناهز الـ 82 عاما

GMT 17:23 2024 الثلاثاء ,29 تشرين الأول / أكتوبر

أفكار عملية ومختلفة لتزيين الشرفة المنزلية الصغيرة

GMT 02:00 2024 الثلاثاء ,29 تشرين الأول / أكتوبر

مقترح أميركي جديد لهدنة في غزة وإطلاق سراح الرهائن

GMT 14:36 2024 الثلاثاء ,29 تشرين الأول / أكتوبر

الجيش الإسرائيلي يتخبّط في "أزمة حادة"

GMT 16:53 2024 الثلاثاء ,29 تشرين الأول / أكتوبر

محمد عبده يفجّر مفاجأة لجمهوره بعد رحلة علاجه من السرطان

GMT 19:44 2024 الثلاثاء ,29 تشرين الأول / أكتوبر

إدانة خليجية جماعية للهجوم العسكري الإسرائيلي على إيران

GMT 05:47 2024 الإثنين ,28 تشرين الأول / أكتوبر

كندة علوش تطلّ بالكوفية الفلسطينية في مهرجان الجونة

GMT 07:03 2024 الثلاثاء ,29 تشرين الأول / أكتوبر

طريقان لا ثالث لهما أمام إيران

GMT 17:07 2024 الثلاثاء ,29 تشرين الأول / أكتوبر

حلا شيحة تكشف عن سبب ابتعادها عن الأعمال الرمضانية

GMT 05:34 2024 الأربعاء ,30 تشرين الأول / أكتوبر

هند صبري بإطلالة أنثوية وعصرية في فستان وردي أنيق

GMT 16:59 2024 الثلاثاء ,29 تشرين الأول / أكتوبر

هند صبري تعلن أسباب ابتعادها عن الساحة الفنية
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab