العقلية المتطرفة والسلام المأمول

العقلية المتطرفة والسلام المأمول

العقلية المتطرفة والسلام المأمول

 العرب اليوم -

العقلية المتطرفة والسلام المأمول

بقلم : جمعة بوكليب

في المعاجم العسكرية، قديمها وحديثها، يسمّونها هدنة، ويقصدون بذلك فترة هدوء قصيرة في معركة أو حرب، يتفق المتحاربون عليها بهدف الراحة واستجماع الأنفاس وتبادل الأسرى (الأحياء منهم والأموات)، وإسعاف الجرحى، وإتاحة فرصة أمام المقاتلين من الجانبين لإغلاق عيونهم والنوم للحظات، غير مهددين بالموت قتلاً. الاصطلاح: هدنة، انتقل عبر السنين إلى خارج المعاجم العسكرية وصار يستخدم في مناحٍ حياتية كثيرة.

في قطاع غزّة، وبعد نحو 15 شهراً من الاقتتال المستمر، وعشرات آلاف القتلى والجرحى، وآلاف الأسرى، ونحو 42 مليون طن من ركام البيوت والمدارس والمستشفيات والجوامع، تمكن المتفاوضون من الوصول إلى إقناع قادة «حماس» وإسرائيل بالموافقة على اتفاق يقضي بفترة هدنة قصيرة في الحرب الدائرة، بهدف تبادل الرهائن والأسرى من النساء والأطفال من الجانبين أولاً.

وبُدئ فعلياً، يوم الأحد الماضي، في تنفيذ بنوده. وشاهد الملايين في مختلف القارات على شاشات التلفزيونات، إفراج حركة «حماس» عن ثلاث رهائن إسرائيليات، وإفراج إسرائيل عن نحو 90 أسيرة وطفلاً من الفلسطينيين! الأمر ليس غريباً. فقد جرت العادة، في كل الحروب، ومنذ مختلف العصور والحقب، على أن يكون الشيوخ والأطفال والنساء أول الضحايا وأكثرهم في أي حرب.

في المركز من كل هدنة قصيرة، تكمن بذرة أمل في تطويل أمد الهدنة زمنياً، واستمرار صمت هدير المدافع، على أمل توقفه نهائياً. تلك البذرة قد لا تكون مرئية للقادة من الطرفين المتحاربين، أو الأطراف المتحاربة، لكنها موجودة، يراها كثيرون غيرهم. لأن الأمل في وقف الحرب والقتل والدمار، والسماح بعودة السلام والحياة، والعيش في أمن وأمان، أمنيات باقية وخالدة في القلب الإنساني لا تموت. وهذا بالضرورة ينطبق على الهدنة الأخيرة في قطاع غزّة. فهل يتحقق الأمل وتخرس أصوات المدافع نهائياً؟ أم أن الهدنة ستُقطع قبل موعد نهايتها، ويتعرض الاتفاق إلى التجاهل، وتقوم القيامة مجدداً؟

المراهنة على السلام في الشرق الأوسط خطرة؛ إذ لا يقبل عاقل بالمجازفة والمراهنة عليها، لأن شرط تحقق أي سلم، واستقرار أي سلام، يتوقف على اقتناع الأطراف المتحاربة بالاعتراف بمبدأ حق الجميع في الحياة والعيش في أمان. وعلى سبيل المثال، فإن الحبَّ ليس شرطاً في العلاقة بين الجيران لدوام الجيرة؛ لكن احترام الحق في العيش بينهم، وللجميع، شرطٌ أساسي.

وفي الحرب الدائرة بقطاع غزّة، لا يتفق الطرفان المتحاربان على تلك البديهة. أي أن قادة الطرفين يرفضون الاعتراف بحق كل طرف في العيش. الهدف على كل جبهة هو القضاء على الآخر نهائياً واجتثاثه وحرمانه من حق العيش في تلك البقعة. وهو هدف لا يختلف عن هدف إبليس وذريته بحقهم في العيش في الجنة لوحدهم ومن دون سواهم. وهذا بدوره يفضي إلى استنتاج مفاده أن الهدنة الحالية ليس من المسموح لها، واقعياً وفعلياً، بأن تطول أو تكون نهائية، وأن صمت هدير المدافع مؤقت للأسف الشديد، ولن يطول.

من الجدير بالإشارة إلى أن مفردة السلام والعيش المشترك في تلك البقعة الجغرافية من اليابسة لم تجد لها موطئ قدم بعد. وعلى سبيل التذكير، فإن توقيع اتفاق أول سلام بين منظمة التحرير الفلسطينية وإسرائيل، أدى إلى حدوث أول حادثة اغتيال سياسي في إسرائيل، وأول انقسام داخلي في المجتمع الإسرائيلي يظهر على السطح علناً، حين قتل مستوطن إسرائيلي رئيس الحكومة آنذاك إسحاق رابين، وأدى ذلك إلى تعزيز التطرف سياسياً، بتحققه في بروز كثير من الأحزاب المتطرفة؛ كأن المجتمع الإسرائيلي لا يتمكن من تحقيق وحدته الداخلية والحفاظ على بقائه إلا بالحفاظ على استمرار حالة العداء ومواصلة الحرب ضد الفلسطينيين. والأمر نفسه يطول الفلسطينيين؛ أي أن اتفاق السلام المذكور أعلاه، أدى إلى تهميش دور منظمة التحرير، وبروز حركة «حماس» وقيادتها الصراع. وأي معادلة سياسية مستقبلية تستهدف تحقيق الوجود والعيش المشترك بين الشعبين لا يمكنها التحقق، ما لم تسعَ إلى إحداث تغيير في المعادلة الحالية، أي بإحداث تغيير في العقليات المتطرفة على الجانبين، وتهميشها.

والملاحظة التي من المباح أن يخرج بها المراقب للصراع، هي أن تلك العقلية المتطرفة ما زالت هي السائدة، والغالبة على الجانبين. وهذه الحقيقة ليست سرّاً خافياً أو اكتشافاً غير مسبوق، مما يعني أن السلام المأمول بالشرق الأوسط، في خضم سيادة وغلبة تلك العقليات، يحتاج إلى زمن طويل كي يعثر على طريق تقوده إلى المنطقة.

arabstoday

GMT 09:25 2025 الأربعاء ,22 كانون الثاني / يناير

دولار ترمب

GMT 09:23 2025 الأربعاء ,22 كانون الثاني / يناير

لغز اليمن... في ظلّ فشل الحروب الإيرانيّة

GMT 09:21 2025 الأربعاء ,22 كانون الثاني / يناير

هزيمة "حماس" لا تعني تجاوز الشعب الفلسطيني

GMT 09:18 2025 الأربعاء ,22 كانون الثاني / يناير

صدمة ترامب

GMT 09:17 2025 الأربعاء ,22 كانون الثاني / يناير

مهنة البحث عن «الاحتراق»

GMT 09:15 2025 الأربعاء ,22 كانون الثاني / يناير

صراع التيك توك

GMT 09:02 2025 الأربعاء ,22 كانون الثاني / يناير

وعد ترمب ووعيده من المناخ للصحة

GMT 08:58 2025 الأربعاء ,22 كانون الثاني / يناير

... أن يقتل السوريّون واللبنانيّون عجولَهم الذهبيّة الثلاثة

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

العقلية المتطرفة والسلام المأمول العقلية المتطرفة والسلام المأمول



أحلام بإطلالات ناعمة وراقية في المملكة العربية السعودية

الرياض ـ العرب اليوم

GMT 09:58 2025 الأربعاء ,22 كانون الثاني / يناير

أنغام تثير الجدل بتصريحاتها عن "صوت مصر" والزواج والاكتئاب
 العرب اليوم - أنغام تثير الجدل بتصريحاتها عن "صوت مصر" والزواج والاكتئاب

GMT 11:30 2025 الإثنين ,20 كانون الثاني / يناير

عشبة القمح تعزز جهاز المناعة وتساهم في منع السرطان

GMT 05:22 2025 الثلاثاء ,21 كانون الثاني / يناير

تحالفاتُ متحركة

GMT 05:57 2025 الثلاثاء ,21 كانون الثاني / يناير

هل سيكفّ الحوثي عن تهديد الملاحة؟

GMT 04:01 2025 الثلاثاء ,21 كانون الثاني / يناير

زلزال بقوة 6 درجات يضرب تايوان ويخلف 15 مصابا

GMT 13:20 2025 الإثنين ,20 كانون الثاني / يناير

كريم عبد العزيز يتّخذ قراره الأول في العام الجديد

GMT 13:09 2025 الإثنين ,20 كانون الثاني / يناير

بعد 22 عاما محمد سعد يكشف سرّاً عن فيلم "اللي بالي بالك"

GMT 13:16 2025 الإثنين ,20 كانون الثاني / يناير

محمد منير يواصل التحضير لأعماله الفنية في أحدث ظهور له

GMT 08:47 2025 الإثنين ,20 كانون الثاني / يناير

جائزة هنا.. وخسارة هناك
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab