بقلم : جمعة بوكليب
اليوم الأحد الموافق 30 يونيو (حزيران)، تفتح مراكز الاقتراع الفرنسية أبوابها أمام الناخبين للإدلاء بأصواتهم في المرحلة الأولى من الانتخابات النيابية الخاطفة. المرحلة الثانية ستكون يوم 7 يوليو (تموز) المقبل.
لا أحد ينكر أهمية الانتخابات النيابية البريطانية التي ستجري يوم 4 يوليو 2024، لكنها، حسب آراء أغلب المعلقين والمحللين السياسيين، لا تحظى بنفس الاهتمام والقلق اللذين تحظى بهما الانتخابات الفرنسية.
في بريطانيا، البديل الذي ستفرزه الانتخابات النيابية لحزب المحافظين الحاكم سيكون حزب «العمال». وبالتأكيد، الفروق بين الحزبين والزعيمين ليست خافية على أحد، كونهما تاريخياً الحزبين اللذين تناوبا على حكم بريطانيا منذ نهاية الحرب الكونية الثانية.
في فرنسا، هذه الانتخابات النيابية الخاطفة، من المحتمل جداً أن تفرز نتائجها فرنسا أخرى مختلفة، غير التي نعرفها. وهناك ترقّب وقلق مبرران، يصلان لدى البعض إلى درجة الخوف من أن يفلح اليمين المتشدد، ممثلاً في حزب «التجمع الوطني»، بزعامة ماري لوبان، في الجلوس في مقعد قيادة الحكومة للمرّة الأولى.
نتائج استطلاعات الرأي العام تشير إلى احتمال تمكّن جوردان بارديلا - البالغ من العمر 28 عاماً، ويشغل منصب رئيس حزب «التجمع الوطني» - من قيادة الحكومة الفرنسية المقبلة. النتائج تقول إن «التجمع الوطني» يتقدم الجميع ويحظى بـ36 في المائة من الأصوات، ويليه تجمع الأحزاب اليسارية المتشددة (الجبهة الشعبية الجديدة) بـ30 في المائة، ويأتي في المرتبة الثالثة التحالف الذي يقوده حزب الرئيس ماكرون، تحت قيادة رئيس حكومته وحزبه جبرييل أتال بـ21 في المائة من الأصوات.
التنبؤات تشير إلى إمكانية حصول «التجمع الوطني» على الأغلبية البرلمانية. وفي حالة حدوث ذلك يوم 7 يوليو المقبل، تدخل فرنسا مرحلة سياسية تتَّسم بالتعقيد، يطلق عليها باللغة الإنجليزية Cohabitation، وتعني قاموسياً المُعاشرة. وسياسياً تعني وجود رئيس دولة ورئيس حكومة ينتميان إلى حزبين سياسيين مختلفين.
جرت العادة في فرنسا على إجراء الانتخابات النيابية بعد الانتهاء من الانتخابات الرئاسية. وفي حالة نجاح حزب الرئيس في الحصول على أغلبية المقاعد، يقوم باختيار وتعيين رئيس الحكومة. لكن هذه الانتخابات النيابية جاءت بعد الانتهاء من الانتخابات الرئاسية بعام ونصف عام. وبالتالي، فإن حصول حزب «التجمع الوطني» على الأغلبية يضع رئيسه بارديلا في وضعية متميّزة دستورياً، كونه منتخباً من الشعب مباشرة مثل الرئيس. ولا فضل للرئيس ماكرون عليه. وهذا، استناداً إلى معلقين فرنسيين، يجعل النظام السياسي الفرنسي الرئاسي أقرب ما يكون إلى النظام البرلماني. وبذلك يفقد رئيس الدولة ماكرون السيطرة؛ كونه ليس برلمانياً، وليس رئيساً لحزب، وذلك استناداً إلى إدوارد فيليبس، رئيس الحكومة الفرنسية السابق، في مقابلة أجريت معه مؤخراً.
وما يهمُّ هو التغيّر الذي ستشهده فرنسا على المستويَين الداخلي والخارجي في حالة تولي بارديلا رئاسة الحكومة المقبلة. البعضُ من المعلقين يحذّر من مغبّة نشوب حرب أهلية، بسبب ما ستتخذه الحكومة اليمينية المحتملة من سياسات. المهاجرون، وبخاصة منهم العرب والمسلمون، سيكونون في المركز الأول من قرارات عدائية تجاههم. حيث يسعى بارديلا إلى إلغاء حق الحصول على الجنسية الفرنسية للمواليد في فرنسا من أبوين غير فرنسيين، وهو حق دستوري، تقول تقارير إعلامية، يُعمل به من عام 1515. ولتحقيق ذلك سيسعى بارديلا إلى إجراء استفتاء على الدستور لإلغاء ذلك الحق المكتسب. أضف إلى ذلك أن الأفضلية في الوظائف الحكومية والسكن ستعطى للمواطنين الفرنسيين. ومن المرجح أن يكون أول قرارات حكومته منع ارتداء الحجاب على النساء العربيات والمسلمات؛ لأنّه، حسب تصريحه مؤخراً لصحيفة بريطانية، سيقود حرباً ثقافية ضد الثقافة الإسلامية. وهذا بدوره سيؤثر سلبياً على علاقة فرنسا بدول عربية وإسلامية كثيرة، خاصة دول المغرب العربي، والساحل والصحراء، ويُدخل فرنسا في متاهة من التوترات الداخلية عِرقياً، من المحتمل أن تؤدي إلى أعمال عنف.
من جهة أخرى، من المحتمل جداً أن تؤدي الإجراءات الجديدة المحتملة ضد المهاجرين غير القانونيين إلى زيادة تدفقهم على بريطانيا، وغيرها من البلدان المجاورة. كما ستتعرض علاقة فرنسا ببروكسل إلى كثير من الهزّات، خاصة الموقف من أوكرانيا والعلاقة بروسيا، مضافاً إليها تعهد بارديلا بتخفيض مشاركة فرنسا بقيمة ملياري يورو في ميزانية بروكسل.
قد لا يهم كثيراً وضعية الرئيس إيمانويل ماكرون في الترتيب المحتمل والمقبل بعد الانتخابات؛ لأن ما حدث من صنع يديه، وبذلك لن يتعاطف معه كثيرون. وما يخيف هو احتمال ظهور فرنسا أخرى، يقود حكومتها للمرّة الأولى حزب يميني متشدد، ويدخلها في متاهة غير مسبوقة، قد لا تخرج منها مطلقاً.