بقلم - جمعة بوكليب
المسافة بين ضفتي القنال الإنجليزي تصل تقريباً إلى 21 ميلاً، وهي قصيرة جداً، مقارنة بتلك التي تفصل بين لندن والعاصمة الرواندية كيغالي في أفريقيا. واللاجئون القادمون عبرها من الضفة الفرنسية، على متن قوارب المهربين، من مختلف الجنسيات والألوان، فراراً من الموت في بلدانهم، وبحثاً عن حياة جديدة في بريطانيا، من الآن وصاعداً، عليهم الاستعداد للسفر إلى تلك العاصمة الأفريقية للإقامة هناك، بعد أن وقَّعت الحكومتان البريطانية والرواندية، قرب نهاية الأسبوع الماضي، اتفاقاً بهذا الخصوص.
الاتفاقُ الذي صممته وزيرة الداخلية السيدة بيرتي باتيل، وأعلنه رئيس الحكومة السيد بوريس جونسون في خطاب له، بمنطقة كِنتْ، القريبة من القنال الإنجليزي، يُمكِّن حكومته من ترحيل اللاجئين القادمين عبر القنال، منذ شهر يناير (كانون الثاني) الماضي، إلى ذلك البلد الأفريقي، بعد شهر من الآن. والمقابل، مساعدة تنموية مالية مقدارها 120 مليون جنيه إسترليني تدفعها لندن إلى حكومة كيغالي، تُضاف إليها تكاليف إقامة اللاجئين المُرحلين. القيمة تتراوح بين 20 - 30 ألف جنيه إسترليني لكل لاجئ، تغطية تكاليف إقامته في كيغالي لمدة ثلاثة أشهر. هذه المبالغ، تؤكد السيدة باتيل، أنها ضئيلة مقارنة بقيمة 1.5 مليار جنيه إسترليني تنفقها وزارة الداخلية على أولئك اللاجئين سنوياً. تأكيدات السيدة باتيل تناقض ما يقوله كبار المسؤولين في وزارتها.
قواربُ القادمين من الضفة الفرنسية في تزايد هذه الأيام، بسبب تحسن الطقس. ورئيس الحكومة جونسون أصدر تعليماته بتولي القوات البحرية مراقبة الشواطئ البريطانية، وصد قوارب اللاجئين، بدلاً من قوة الهجرة ومراقبة الحدود. ورغماً عن ذلك، يتوالى توافد القوارب إلى بريطانيا محملة بشحناتها البشرية.
الترحيلُ إلى رواندا مقتصر على القادمين عبر القنال، ولا يشمل اللاجئين الأوكرانيين الجدد. والتقارير الإعلامية تؤكد وصول قرابة 17 ألف لاجئ أوكراني إلى بريطانيا، وحصول قرابة 58 ألف آخرين على تأشيرات دخول إلى بريطانيا!!
أسقف الكنيسة الإنجليزية وصف الاتفاق بأنه «يناقض القيم المسيحية». والأمم المتحدة اعتبرته «غير مقبول، ويشكل انتهاكاً للقانون الدولي»، والجمعيات الأهلية والحقوقية وصفته بأنه «قذر ومخزٍ»، أما وزيرة الداخلية فلم تأبه للانتقادات، وقالت إن المنتقدين أخفقوا في تقديم حلول للمشكلة.
يتوقف دخول الاتفاق حيز التنفيذ على نجاح الحكومة البريطانية في تمرير مشروع قانون الهجرة الجديد في البرلمان. المشروع تعرض للعرقلة مرتين في مجلس اللوردات، وأعيد من جديد لمجلس النواب لقراءة ثالثة. العقبة الأخرى المحتملة ممثلة في المنظمات الأهلية وحقوق الإنسان، حيث من المتوقع لها رفع دعاوى قضائية ضده في المحاكم، ما يعني تأخير ترحيل اللاجئين.
الصفقة البريطانية مع رواندا، سبقتها محاولتان مع ألبانيا وغانا، إلا أن أخبار التفاوض تسربت إلى وسائل الإعلام، وأدت إلى وأدها، لكن وزيرة الداخلية السيدة باتيل تمكنت من إقناع الحكومة الرواندية بالصفقة، وتم التفاوض في سرية منعاً لأي تسريب.
بريطانيا ليست الدولة الأولى في عقد اتفاق مع رواندا؛ حيث كانت إسرائيل الأسبق إلى ذلك بسنوات، بتوقيع اتفاق مماثل لترحيل لاجئين من إريتريا والسودان. أربعة آلاف مهاجر، لم يبق منهم، وفق التقارير الإعلامية، سوى تسعة، وفرَّ الباقون. وتلتها الدنمارك، في الفترة الأخيرة، بتوقيع مذكرة تفاهم في السياق نفسه، ولم تقم حتى الآن، بترحيل لاجئين. النشطون في مجال الهجرة يقولون إن الاتفاق البريطاني الرواندي مصيره الفشل، ويوضحون أن أغلبية المهاجرين، سوف يتسللون من رواندا إلى أوغندا، وعبرها إلى السودان، ومنها إلى ليبيا، لمعاودة الكرَّة مرة أخرى.
الاتفاق تزامن مع بروز قضية بارتي غيت مجدداً، بعد أن عاقبت الشرطة 30 من العاملين في 10 داوننغ ستريت بمخالفات مالية نتيجة انتهاكهم لقانون العزل الوقائي، من ضمنهم رئيس الحكومة ووزير خزانته. وأدى ذلك مجدداً إلى ارتفاع الأصوات المطالبة باستقالة الاثنين، من داخل وخارج حزب المحافظين. أضف إلى ذلك، يواجه الاثنان تهمة تضليل البرلمان المخالفة لمعايير السلوك الوزاري. السيد جونسون أكد لأعضاء البرلمان، لدى كشف الفضيحة، عدم خرق أي لوائح ذات صلة بالعزل الوقائي من الفيروس في 10 داوننغ ستريت. ووزير الخزانة نفى خرقه للقانون، مخالفتهما من قبل الشرطة مؤخراً جاءت بمثابة إدانة لهما. التهمة، لو ثبتت، تلزمهما بتقديم الاستقالة.
يقول معلقون إن رئيس الحكومة جونسون يسعى من خلال الاتفاق إلى ضرب أكثر من عصفور بحجر واحد، من ضمنها توجيه الحملة الإعلامية المثارة حول دوره في قضية بارتي غيت بعيداً، وتحويلها باتجاه قضية اللاجئين. وأيضاً، محاولة السعي لإرضاء قاعدته الانتخابية من كوادر الحزب وأنصار «بريكست» بالوفاء لهم بوعده بوقف الهجرة. أضف إلى ذلك، قرب بدء انتخابات المجالس المحلية يوم 5 مايو (أيار) القادم، حيث تتوقع استبيانات الرأي العام خسارة المحافظين لكثير من المقاعد. حجم الخسارة في الانتخابات القادمة، مضافاً إليه إصدار الشرطة لمخالفات أخرى متوقعة ضده، ربما سيكونان القشة التي ستقصم ظهر السيد جونسون.
فهل يتدخل حسنُ الحظ لصالحه هذه المرة أيضاً؟