بقلم - جمعة بوكليب
الانتخابات الأولية التي نكاد تصل إلى نهايتها قريباً، لاختيار مرشحي الحزبين للانتخابات الرئاسية الأميركية، التي ستعقد في يوم 5 نوفمبر (تشرين الثاني) 2024 اختلفت هذه المرة بشكل واضح عما سبقها من انتخابات أولية، وبدت، لأغلب المعلقين والمراقبين، وكأنها حفلة تتويج متواصلة، خاصة لمرشح الحزب الجمهوري الرئيس السابق دونالد ترمب. إذ باستثناء الحاكمة السابقة لولاية ساوث كارولينا السيدة نيكي هيلي، انسحب بقية المترشحين، واحداً تلو آخر، وغادروا خشبة المسرح اعترافاً بهزيمتهم، واصطفوا وراءه. السيدة هيلي، بعد هزيمتها في تصويت الثلاثاء العظيم. لحقت بهم فيما بعد. وعلى عكسهم، رفضت تقديم دعمها للسيد ترمب. عقب انتصار الثلاثاء الهائل، صار من المحتمل جداً للمترشح ترمب الحصول على أصوات الوفود البالغة 1215 صوتاً لضمان الترشح للرئاسة للمرة الثالثة على التوالي عن الحزب الجمهوري لانتخابات الرئاسة المقبلة. وهذا يعني أن على أميركا، وأوروبا والصين، ربط أحزمة المقاعد بإحكام، والاستعداد لما سيواجهون من هزّات خلال رحلة السنوات الأربع المقبلة. إذ رغم ما طرأ من حوادث في العالم خلال سنوات حكم الرئيس بايدن، ظل دونالد ترمب على حاله، مواصلاً تخندقه في مواقفه المعروفة على المستويين: الداخل الأميركي، والخارج الدولي.
أمام المترشح الجمهوري ترمب حالياً عقبة واحدة، كما يؤكد المعلقون، ولو تمكن من اجتيازها بنجاح، بات الطريق إلى البيت الأبيض أمامه ممهداً. تلك العقبة تتمثل في جلسة المحاكمة المنتظرة في ولاية نيويورك يوم 24 مارس (آذار) الحالي. ما يميزها عن غيرها من المحاكمات الأخرى التي تنتظره، أنها تشمل اتهامات في قضايا مخالفة للقانون، ارتكبها قبل وصوله إلى الرئاسة في عام 2016. وهي قضايا تجيز لقاضي المحكمة إرسال ترمب إلى السجن في حالة ثبوت التهم. ولهذا السبب تحديداً، يضيف أهل القانون موضحين، أن حكم محكمة نيويورك المقبل، لأنه مهم في منأى عن الإلغاء، في حال إصدار المحكمة العليا حكماً بمنح الرئيس السابق حصانة كاملة من المثول أمام القضاء.
رياح الحظ، إلى حدّ الآن، تهبُّ بانتظام وسريعاً في نفس اتجاه سفينة المترشح ترمب، وتدفع به وبمن معه نحو مرفأ نهائي موعود ومأمول، مقره واشنطن دي سي. ومؤخراً، أشارت التقارير الإعلامية الأميركية إلى عدم احتمال النظر في المحاكمات الأخرى قبل يوم 5 نوفمبر 2024. ولا ننسى الإشارة إلى النصر القانوني الذي أحرزه فريق دفاعه أمام المحكمة العليا الأميركية، بإصدارها حكماً يقضي بعدم قانونية منع ترمب من الترشح لانتخابات الرئاسة في ولاية كولورادو.
تأجيل المحاكمات المحتمل، وحق الحصانة الكاملة للرئيس السابق من المحاكمة، في حالة تحققهما، يفضيان بالضرورة إلى تقليص فرص الرئيس الحالي جو بايدن في قضاء فترة ثانية في البيت الأبيض. العقبة الوحيدة المتبقية هي المحاكمة المقبلة في ولاية نيويورك. وهي الولاية والمدينة التي ولد ونشأ فيها السيد ترمب، وبرز في سمائها نجمه، وبنى فيها مجده في عالم الأموال والعقارات. السؤال: هل من الممكن أن تكون نيويورك من سيضع نهاية محزنة لطموحه؟
محاكم نيويورك عاقبته مرتين بغرامات مالية كبيرة في الأشهر الماضية، في قضايا مدنية (Civil Cases). أصدرت الأولى ضده حكماً بدفع غرامة مالية لكاتبة معروفة بقيمة 88.5 مليون دولار، في قضية تحرش جنسي وتشهير. وأصدرت أخرى حكما بتغريمه مبلغ 345.9 مليون دولار في قضية احتيال بالمبالغة في تقدير حجم ثروته للاحتيال على الدائنين.
ما يميز الرئيس السابق عن غيره أن أنصاره من الناخبين لم يتخلوا عنه، حتى خلال فترة وجوده خارج جدران البيت الأبيض، وما ناله من اتهامات ومحاكمات. إذ واصلوا دعمهم له، وواصل هو عبرهم إحكام سيطرته ونفوذه على الحزب الجمهوري. استبيانات الرأي العام تقول إن أكثر من 97% من الناخبين الذين صوتوا له في عام 2016، أكدوا أنهم سيفعلون ذلك ثانية في نوفمبر 2024. في حين أن 83% فقط من الناخبين الذين صوتوا للرئيس الحالي بايدن في عام 2020، قالوا إنهم سيكررون ذلك. أضف إلى ذلك أن 10% ممن يرفضون التصويت له ثانية، قالوا إنهم سيصوتون لترمب. والأهم من ذلك، نود الإشارة إلى الاستبيان الذي أجرته إحدى شركات استبيانات الرأي العام المشهورة الأميركية، لصالح صحيفة «نيويورك تايمز» مؤخراً، وتبين أن الرئيس السابق والمترشح الجمهوري الحالي دونالد ترمب يتفوق على الرئيس الديمقراطي الحالي جو بايدن بعدد 5 نقاط. الأمر الذي صار مدعاة للقلق والتوتر في دوائر الحزب الديمقراطي. وكذلك مدعاة للقلق والخوف في عديد من العواصم الأوروبية، آخذين في الاعتبار التصريحات التي جاءت على لسان الرئيس السابق ترمب بعدم وقوف أميركا ضد روسيا لدى اجتياحها أي دولة أوروبية عضو في حلف الناتو تخلت عن الإيفاء بالتزاماتها الدفاعية المتفق عليها. وقبل ذلك تصريحه بقدرته على وقف الحرب في أوكرانيا خلال 24 ساعة في حالة نجاحه في الانتخابات. مما يعني التسليم بانتصار الرئيس الروسي فلاديمير بوتين عسكرياً، وكذلك التسليم لروسيا بحقها في الاحتفاظ بما احتلته من أراض أوكرانية.