بقلم - جمعة بوكليب
حين أعلنتْ السيدة نيكولا ستورجن فجأة استقالتها من رئاسة الحكومة وزعامة الحزب القومي الأسكوتلندي، تنفّس أنصارُ الاتحاد البريطاني، في أسكوتلندا وبقية مناطق بريطانيا، الصعداء، كمن تخلّص أخيراً من حصاة في سُباطه، أدمته وأعاقت سيره. حدث ذلك في شهر فبراير (شباط) الماضي.
بعد مرور أقل من 4 أشهر، وتحديداً يوم الأحد الماضي، طفت السيدة نيكولا ستورجن فجأة على سطح الأحداث، مرفوقة بزوبعة إعلامية. وعادت صورها لتحتل نشرات الأخبار في مختلف القنوات التلفزيونية، والصفحات الأولى في الصحف. هذه المرّة، ظهرت السيدة ستورجن في وضعية متهم.
الحكاية بدأت بمداهمة الشرطة منزلها صباح يوم الأحد واعتقالها، ثم التحقيق معها لمدة 7 ساعات، في قضية إساءة استخدام مبلغ قيمته 600 ألف جنيه إسترليني، جمّعها متبرعون للحزب القومي الأسكوتلندي لحملة إعادة الاستفتاء على استقلال أسكوتلندا. لكن الأموال أُنفقتْ في أوجه أخرى غير المخصصة لها، وغير معروفة. واضطرت الشرطة إلى التدخل، وفتح تحقيق في الموضوع، بعد أن تقدم عديدون بالشكوى. الشرطة أفرجت عن السيدة ستورجن، من دون اتهام، لكن الإفراج، على ما يبدو، مؤقت، وليس من المستبعد استدعاؤها للتحقيق مرة أخرى. ومن يدري إلى أي جهة ستنحو القضية؟ اختيار السيدة ستورجن طوعاً وفجأة توقيت إطفاء الأضواء على نفسها، وإنزال الستائر وراءها، ومغادرة المسرح السياسي، ترك أسئلة ظلت قائمة من دون إجابات. كما ترك خروجها فراغاً سياسياً في الحزب يصعب على خليفتها الحالي ملؤه. وبدأت أعراض الانقسام تظهر واضحة في الحزب، خصوصاً خلال فترة التنافس على الزعامة، واستمرت حتى بعد انتخاب زعيم جديد للحزب. وبدا وكأن الحركة الاستقلالية الأسكوتلندية، ممثلة في الحزب القومي الأسكوتلندي، قد وصلت طريقاً مسدوداً، بعد رفض لندن الموافقة على إجراء استفتاء ثانٍ على الاستقلال.
العَودُ، هذه المرّة، لم يكن أحمد. وليس كما يُفترض، أو يُتوقع ويجب. المرأة التي حلمت بأسكوتلندا دولة مستقلة ذات سيادة، وأنفقت سنوات من عمرها على تحويل ذلك الحلم إلى حقيقة، سعت إلى الالتحاق منذ ريعان شبابها بموجة الحركة الاستقلالية الأسكوتلندية عن الاتحاد البريطاني، ثم تقدمت الصفوف، حتى وصلت كرسي الزعامة، وقادتها بذكاء ودهاء، وكانت، طوال فترة زعامتها، بمثابة شوكة في خاصرة كل الحكومات البريطانية خلال السنوات الماضية.
خلال فترة زعامتها، تمكّن الاستقلاليون من الحصول على عدد 58 مقعداً في برلمان وستمنستر. وأصبحوا ثالث أكبر حزب بعد المحافظين والعمال. واستحوذوا على حكم أسكوتلندا لسنوات عديدة. وما زالوا أكبر حزب سياسي بها ويترأسون الحكومة في ائتلاف مع حزب الخضر الأسكوتلندي، وهو أيضاً حزب يدعو إلى استقلال أسكوتلندا.
إلا أن السيدة ستورجن أخفقت في دفع الحكومة البريطانية لعقد استفتاء ثانٍ على الاستقلال، كما وعدت أنصارها. وحين التجأت إلى القضاء، على أمل فتح ثغرة في الجدار، حكم القضاء لصالح حكومة لندن. وكان الحكم القضائي بمثابة دق مسمار آخر في نعش حلم الاستقلال.
في السياسة، فإن تخلي حُسن الحظ عن حزب أو قائد سياسي يعني ضمنياً تبسّمه لزعيم وحزب آخر. الزعيم العمالي كير ستارمر، يبدو الآن أكثر المبتسمين وأكثرهم استفادة من التطورات الأخيرة في حزبي المحافظين والقومي الأسكوتلندي. والتقارير الإعلامية البريطانية تقول إن الاستعدادات في حزب العمال لتصميم خطة انتخابية تجري على قدم وساق؛ لضمان الاستحواذ على 20 مقعداً برلمانياً، انتزعها الحزب القومي الأسكوتلندي من العمال في السنوات الماضية، ولم يتركوا لهم سوى مقعد واحد.
من الممكن القول إن الحزب القومي الأسكوتلندي يعاني حالياً من الإصابة بالإحباط نظراً لانعدام الحلول للخروج من المأزق الذي وصلته الحركة الاستقلالية، بعد أن أصدرت المحكمة العليا حكمها. أضف إلى ذلك، افتقاد الزعامة الحالية استراتيجية سياسية تعيد للحزب زخمه الشعبي، وحيويته المتلاشية، وتحول بينه وبين داء الانقسام، الذي بدأت تظهر أعراضه بوضوح، وقد يعصف بالحزب. وجاءت قضية الفساد المالي وتورط السيدة ستورجن وزوجها والمدير المالي للحزب لتزيد في تفاقم سوء الحال، وربما تفتح الأبواب أمام العماليين للعودة منتصرين وإحكام قبضتهم على أسكوتلندا مجدداً.