بقلم - جمعة بوكليب
القاعدةُ هي أن رؤساء الحكومات البريطانيين حين يغادرون «10 داوننغ ستريت» يخرجون من المسرح السياسي نهائياً. الاستثناء عودتهم إليه فجأة. عودة رئيس الوزراء الأسبق ديفيد كاميرون مؤخراً إلى خشبة المسرح السياسي، رئيساً للدبلوماسية البريطانية، بعد مرور 7 سنوات على خروجه من المسرح عام 2016، تدخل ضمن دائرة الاستثناء.
ردود الأفعال تباينت بين مرحب مؤيد، ومستنكر معارض. وسريعاً، وفق المتوقع، انبثقت الأسئلة من كل الاتجاهات بحثاً عن جواب للدوافع التي أدّت برئيس الحكومة ريشي سوناك إلى إلقاء حبل في البئر، وانتشال رئيس حكومة سابق، كان إلى وقت قريب يظن أنّه سيقضي بقية حياته مغموراً في جُبّ النسيان، مثل غيره من رؤساء الحكومات السابقين. حَرَمُ السيد كاميرون، في تصريح لوسائل الإعلام، رحّبتْ جداً بالخبر، وقالت إنه رغم الراتب الزهيد الذي سيحصل عليه زوجها من المنصب، فإنها ابتهجت، لأنّه سيضع نهاية لوجوده عاطلاً في البيت.
سوناك لا يجهل ديفيد كاميرون. وهو على دراية ومعرفة بتفاصيل السنوات التي قاد فيها المحافظين في المعارضة، ثم في الحُكم. فترة زمنية طويلة نسبياً، بلغت 11 عاماً. نصيبه من النجاح لا يُنكر، كونه الزعيم الذي أعاد المحافظين إلى الحكم، وأطاح بحكم العماليين. ونصيبه من الفشل لا يُخفى أيضاً. فهو من انتهج سياسة مالية تقشفية أنهكت بريطانيا، وخاصة القطاعات الخدمية مثل الصحة والتعليم والأمن وغيرها. وعلى مستوى السياسة الخارجية لا تخلو صفحات سجله من مثالب. على رأس القائمة تتموضع العلاقة بالصين. تلك العلاقة استمرت حتى بعد خروجه من الحكم، إذ ترأس لفترة قصيرة صندوق الاستثمار البريطاني - الصيني. الأمر الذي عرّضه لسهام النقد والغضب من الأجهزة الاستخباراتية والأمنية، واتهمه بالترويج لتحسين صورة الصين دولياً. بعد ذلك، يأتي موقفه من التدخل العسكري في ليبيا عام 2011، وتعرضه للمساءلة أمام لجنة الشؤون الخارجية البرلمانية. والأسوأ، سعيه إلى استرضاء الجناح اليميني المعادي لأوروبا في حزبه، بالإذعان لمطلبهم عقد استفتاء حول بقاء أو خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي. والنتيجة معروفة للجميع؛ قطع الجسور مع أوروبا.
السؤال؛ من الرابح يا تُرى من هذه العودة المفاجئة؛ كاميرون أم سوناك؟ وهل من الممكن أن تنقذ عودته حزب المحافظين من هزيمة انتخابية محتملة؟
ثمة حقائق لا يمكن القفز عليها. أهمها أن السنوات السبع الماضية أبعدت اللورد كاميرون عن العمل السياسي اليومي وحركيته، ما يعني أن أدواته ومهاراته في العمل السياسي لحقها الصدأ، وفي حاجة إلى الشحذ، وأن كثيراً ممن عرف من قادة العالم غادروا المسرح. والأسوأ أن الفترة الزمنية المتبقية للحكومة الحالية قصيرة جداً، ولا تتعدى العام على أكثر تقدير. وبالتالي، فهي ليست باعثاً على الفرح للورد كاميرون. إذ من المحتمل خسارة المحافظين في الانتخابات المقبلة، وعودته مجدداً إلى مكانه في صالة الجلوس في بيته.
وفيما يتعلق برئيس الحكومة السيد سوناك، فإن حظوظه الانتخابية، مثل الأزمات التي يواجهها، غير مطمئنة إطلاقاً، ولن يغيّر منها تعيينه للورد كاميرون وزيراً للخارجية. فشعبيته في استبيانات الرأي العام لم تتغير منذ مجيئه إلى السلطة، بل في الحقيقة زادت سوءاً. وفكرة لجوئه إلى طرح نفسه، خلال المؤتمر السنوي الأخير للحزب، بكونه مرشح التغيير، ولدت ميتة. أضف إلى ذلك أن برنامجه السياسي المقترح للمدة المتبقية قبل الانتخابات، كما جاء في خطاب العرش، كان هزيلاً، وباعثاً على الإحباط.
ويقول مقرّبون من السيد كاميرون إن عودته إلى الحكومة بمثابة تعزيز للتيار الوسطي المعتدل. ويستطيع خدمة الحكومة وبلاده على المسرح الدولي من خلال الصداقات التي كوّنها في الماضي. وبإمكانه أن يساعد رئيس الحكومة والحزب خلال الانتخابات المقبلة.
السيد كاميرون، بوضعيته اللوردية الجديدة، لن يكون حاضراً في جلسات البرلمان. فهو ليس نائباً منتخباً. وبالتالي، ليس بقادر على الدفاع عن مواقف الحكومة، أو توضيح سياساتها من مختلف القضايا الدولية أمام مجلس النواب. وفيما يخصُّ المساعدة الانتخابية، فإنها لا تجد قدمين ثابتتين للوقوف عليهما. فهو بالنسبة للناخبين من الرافضين لخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، يُعدُّ المسؤول على كارثة الاستفتاء، وما أدت إليه من تداعيات سياسية واقتصادية فيما بعد. وبالنسبة للناخبين المؤيدين للخروج، فإنهم يرون إعادته إلى الحكومة بمثابة نكوص عن «بريكست».
ومهما يكن دافع رئيس الحكومة من إعادة اللورد كاميرون إلى خشبة المسرح، فإن عودته ساهمت في توسيع فجوة الاختلاف والعداء بينه وبين نواب الجناح الشعبوي اليميني في الحزب. كونهم يفسرون عودة اللورد كاميرون بمثابة انقلاب سياسي ضدهم، بقصد تهميشهم، وبمثابة إعلان حرب من جانبه، خاصة بعد طرد وزيرة الداخلية السابقة سويللا بريفرمان من الحكومة.
ربما كسب السيد ريشي سوناك هذه الجولة ضد اليمين الشعبوي. لكن الحرب ليس جولة واحدة، وخاصة حروب المحافظين الأهلية. والأيام المقبلة ستكون حبلى بكثير من الأحداث والتطورات.