بقلم - جمعة بوكليب
الآن، وقد سارع المحافظون، يوم الأربعاء الماضي، عقب اختتام مؤتمرهم السنوي، بحمل حقائبهم ومغادرة مدينة مانشستر، بدأت مدينة ليفربول في استقبال وفود حزب العمال القادمة إليها من مختلف أنحاء المدن البريطانية، لعقد مؤتمرهم السنوي، والذي يبدأ اليوم الأحد. وحسب آراء كثير من المعلقين، يحتمل أن يكون الأخير، قبل عقد الانتخابات النيابية القادمة.
وبشهادة تقارير نشرت في وسائل إعلام بريطانية، معروفة بموالاتها للمحافظين، اعتُبر المؤتمر السنوي لحزب المحافظين بمثابة انتصار للجناح اليميني فيه. وخلال جلساته، ظهر التنافس واضحاً على خلافة السيد ريشي سوناك، بين كثير من الأسماء المعروفة داخل الجناح اليميني. أضف إلى ذلك، الظهور اللافت لرئيسة الحكومة السابقة السيدة ليز تراس، واستحواذها على الأضواء، من خلال الخطاب الذي ألقته على هامش المؤتمر، في صالة بعدد 400 مقعد، بيعت تذاكرها سلفاً، كما ورد في التقارير.
اللافت أن زعيم الحزب ورئيس الحكومة السيد ريشي سوناك، ألقى خطاباً مثيراً للتساؤلات أكثر من إثارته الاهتمام، كونه خطاباً -كما يقول معلقون- يليق بزعيم المعارضة العمالية السير كير ستارمر. والسبب لأن السيد سوناك وصف نفسه خلاله بأنه رجل التغيير. وأعلن خصومته علناً مع كل من سبقوه من رؤساء الحكومات المحافظين، وأكد انتسابه الصريح إلى الراحلة السيدة مارجريت ثاتشر، كونهما جاءا من خلفية طبقية متشابهة (ابنة بقال وابن صيدلي).
ويرى معلقون في وصف السيد سوناك نفسه برجل التغيير، أنه أراد أن يرسل برسالة واضحة إلى من يسعون لخلافته على الزعامة، بأنّه باقٍ ويتمدد، حتى في حالة خسارة الحزب للانتخابات. ومن وجهة نظر شخصية، فإن محتوى خطاب السيد سوناك -رغم التصفيق الهائل الذي حظي به من المؤتمرين- لدى تمحيصه، لا يحمل سوى وعود لن يغامر بشرائها ناخبون، فقدوا ثقتهم في النخبة السياسية الحاكمة، في بلد يتآكل بفعل نيران الإضرابات، وارتفاع نسبة التضخم وأسعار السلع الضرورية والمحروقات، وفي حاجة إلى حلول عملية سريعة.
المؤشرات -حتى الآن- تسير في اتجاه واحد، وبشكل متزايد، باحتمال أن يكون الزعيم العمالي السير كير ستارمر هو الساكن المقبل في «10 داوننغ ستريت». استقراءات الرأي العام، منذ أكثر من عام، تشير إلى ذلك، حتى وإن بدأت الفجوة في النقاط تتناقص مؤخراً. وهي حالياً تصل إلى 15 نقطة. وهذا بالطبع سيزيد في ثقل الضغوط على الزعيم العمالي السير ستارمر؛ خصوصاً أنه لم يتمكن بعد من كسب ثقة الناخبين، آخذين في الاعتبار أن نسبة شعبيته ما زالت متدنية، ولا تقارن مطلقاً بنسبة شعبية السير توني بلير في انتخابات عام 1997، والتي ألحق خلالها بالمحافظين هزيمة لا تُنسى. أضف إلى ذلك أن تقدم العماليين في استبيانات الرأي العام ليس قائماً على ما لديهم من سياسات بديلة كفيلة بتقديم حلول ناجعة لكثير من الأزمات المعيشة؛ بل قائم على ما يرتكبه حزب المحافظين الحاكم من أخطاء، وما يثار في أروقته من انقسامات لم تعد خافية على أحد، وليس من الممكن تغليفها بحجج أو مبررات، كونها جوهرية، تتمحور حول هويّة الحزب ومستقبل توجهاته.
ومن الواضح أن الفجوة بين الجناحين المتصارعين لا يمكن تجسيرها، خلال الفترة الزمنية القصيرة التي تفصل عن عقد الانتخابات النيابية. هناك قاعدة يحرص الساسة البريطانيون على تذكرها دوماً، وهي أن الأحزاب المنقسمة لا تربح انتخابات.
ما يميز المؤتمر العمالي السنوي، أن السير ستارمر وحزبه تمكنوا من هزيمة القوميين الأسكوتلنديين في انتخابات ثانوية يوم الخميس الماضي، واستحوذوا على مقعد آخر في برلمان وستمنستر. أي أنهم سيفدون على المؤتمر بمعنويات مرتفعة. أضف إلى ذلك أن تقارير إعلامية تتحدث باستطراد عن حضور كبير ولافت لقطاع رجال الأعمال والشركات التجارية في المؤتمر، مقارنة بنسبة الحضور من القطاع نفسه في مؤتمر حزب المحافظين. هذا الحضور الكبير واللافت مؤشر سياسي إيجابي في حد ذاته، يشير إلى ازدياد ثقة رجال الأعمال والشركات في قيادة حزب العمال، وباحتمال أن يتمكن من الإمساك بمقاليد الأمور قريباً. وهذا بدوره سوف يزيد من ثقة القيادة العمالية بنفسها، ويمنحها دفعة قوية، ويزيد من حظوظ العمال الانتخابية في إزاحة المحافظين عن الحكم.
لذلك السبب، وخلال الأيام الأربعة المقبلة، سيكون المؤتمر محط اهتمام إعلامي هائل، وتحت مجاهر عديدة، داخل بريطانيا وخارجها.