بقلم - جمعة بوكليب
قبل الانقلاب العسكري في النيجر، في الأسبوع الماضي، اعتبرت النيجر جزءاً لا يتجزأ من جبهة أمامية، داخل منظومة غربية وأفريقية، لمكافحة الإرهاب الإسلاموي في دول الساحل الأفريقي. وداخل حدودها، هناك قوات ألمانية وفرنسية وإيطالية، وبها قاعدة أميركية للطائرات المسيّرة. في الشهر الماضي، زارها الممثل الأعلى للشؤون الخارجية بالاتحاد الأوروبي السيد جوزيب بوريل ووصفها بأنها جنة للاستقرار. وفي شهر مارس الماضي، زارها وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن، ووصفها، في تصريح، بأنها من أهم الشركاء في العمليات الأمنية. إلا أن الانقلاب العسكري مؤخراً، قلب الأمور رأساً على عقب في النيجر والدول المجاورة، وفي عواصم الغرب، وخاصة بعد أن رحب قائد قوات فاغنر الروسية بالانقلابيين علناً، وأبدى استعداده لتقديم المساعدة على توطيد الأمن والنظام.
اليوم التالي لحدوث الانقلاب، صادف انعقاد مؤتمر روسيا وأفريقيا في موسكو. الناطق الرسمي الروسي أكد أن المؤتمرين تعرضوا بالنقاش بكثافة للانقلاب. وأدلى وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف بتصريح طالب فيه الانقلابيين بضرورة إطلاق سراح الرئيس محمد بازوم المعتقل، ووصف الانقلاب بأنه غير دستوري. واشنطن بقيادة وزير الخارجية أنتوني بلينكن قادت جبهة معارضة كبيرة من أوروبا وأفريقيا مناوئة للانقلاب، تطالب بإطلاق سراح الرئيس وعودة الانقلابيين إلى معسكراتهم. وأعلنت فرنسا والاتحاد الأوروبي وقف المساعدات التنموية والمالية فورياً. الأمر الذي اضطر رئيس الانقلاب الجنرال تيشاني إلى طلب المساعدات من الدول الصديقة. وفي ذات الوقت، أدان الاتحاد الأفريقي الانقلاب، وقامت دول المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا، المعروفة اختصاراً باسم ECOWAS، بإغلاق حدودها وفرض عقوبات اقتصادية، وهددت باستخدام القوة خلال أسبوع في حالة رفض الجنرالات إعادة الأمور إلى ما كانت عليه. حالة من التوتر السياسي والعسكري بلغت درجة الاحتقان في العاصمة نيامي، خشية قيام فرنسا بعملية عسكرية للإفراج عن الرئيس المعتقل. النيجر استقلت عن فرنسا عام 1960، والانقلاب العسكري الحالي هو الخامس منذ الاستقلال. وسقوطها بين يدي الجيش قد يضر باتفاقات التعاون الأمني مع بقية الدول لمكافحة الإرهاب الإسلاموي، وسيكون حافزاً لتشجيع الإرهابيين. وبالتأكيد، سوف يشرع الأبواب أمام تزايد قوافل أعداد المهاجرين إلى دول أوروبا.
النيجر، استناداً إلى فهرس الأمم المتحدة للتنمية البشرية، من أفقر دول العالم. و40 في المائة من السكان تحت خط الفقر، رغم أنها تمتلك احتياطياً هائلاً من اليورانيوم، وتأتي في الترتيب السابع في الدول المصدرة له عالمياً. والإحصاءات الدولية السكانية تؤكد أن أكثر من نصف السكان تحت سن الخامسة عشر عاماً، وبها أسرع وأعلى نسبة مواليد (7 أطفال متوسط ما تلد المرأة)، ما يعني أن عدد السكان سيصل إلى 70 مليون نسمة في عام 2050. ومساحتها الخضراء مهددة بالتصحر، نتيجة التغيرات المناخية (النيجر تفقد من مساحتها المزروعة ما يماثل مساحة 25 ملعب كرة قدم يومياً)، ومحاطة بحروب في دول مجاورة في تشاد ومالي وبوركينا فاسو وليبيا والسودان، وصحراؤها مرتع لجماعات إسلاموية إرهابية نشطة؛ «بوكو حرام» في نيجيريا، و«القاعدة» في دول الساحل.
قبل سقوط النيجر سقطت مالي وبوركينا فاسو في أيدي الجنرالات. واضطرت فرنسا إلى سحب قواتها من مالي وبوركينا فاسو بطلب من السلطات العسكرية. واستناداً إلى تقارير إعلامية غربية، هناك شكوك في أن تكون موسكو وقوات الفاغنر وراء الانقلابيين. لكن لا دليل حتى الآن يؤكد ذلك، رغم أن المؤيدين للانقلاب من المواطنين النيجريين كان يرفعون العلم الروسي، وقاموا بنهب وحرق مقر الحزب الحاكم.
الانقلاب العسكري في النيجر ينبئ بأن «حليمة عادت لعادتها القديمة»، وأن الجنرالات الأفارقة، على ما يبدو، عادوا إلى ملاعبهم التي تركوها نهاية الحرب الباردة.
وعلى ما يبدو، فإن الحلم بديمقراطية أفريقية قد دخل في نفق معتم. إذ كلما تقدم خطوة للأمام سعياً إلى التحقق، دُفع قسراً للخلف خطوات. ومن الواضح أن كارثة حكم العسكر، التي لازمت دول أفريقيا منذ الاستقلال، وازدهرت خلال الحرب الباردة، ستظل مثل شبح يطاردها، ويحول بينها وبين الاستقرار. المؤرخون يرجعون تورط الجنرالات الأفارقة في السلطة إلى الحكم الاستعماري عموماً، والبريطاني على وجه الخصوص، حيث الحاكم العسكري يقود إدارة مدنية، بالأمر العسكري وباللوائح والنظم العسكرية. لقد خرجت جيوش الاستعمار الأوروبي من البلدان الأفريقية، وبقي إرثها في الحكم متواصلاً.