بقلم -جمعة بوكليب
لننسَ لحظاتِ البهجة التي حظينا بها من حفل تتويج الملك تشارلز الثالث ملكاً على بريطانيا وشمال آيرلندا، كونها بالطبيعة قصيرة، ونضع نصب أعيننا الانتخابات البرلمانية المقبلة، المرجح انعقادها في شهر سبتمبر (أيلول) أو أكتوبر (تشرين الأول) من العام المقبل، حسب أقوال المعلقين في الساحة، وذلك على ضوء ما أظهرته انتخابات المجالس البلدية الأخيرة من نتائج. انتخابات المجالس البلدية، هذه المرّة، تزامنت مع موعد التتويج، ولم تحظَ بما تستحق من اهتمام إعلامي.
لماذا انتخابات المجالس البلدية مهمة في بريطانيا؟ سؤال دائم التردد، إلا أنّه يكتسب أهمية متزايدة، حين يثار في فترة زمنية تعد قريبة من الانتخابات البرلمانية. والسبب، لأن نتائج الانتخابات البلدية تكون غالباً مؤشراً لما ستكون عليه نتائج الانتخابات النيابية المقبلة. ولذلك، اتسمت الانتخابات البلدية الأخيرة بأهمية لافتة. هل يعني ذلك خروج المحافظين من السلطة، وفقاً للنتائج المعلنة في عطلة نهاية الأسبوع الماضي؟ الإجابة بنعم، حاسمة وقاطعة، رهانٌ غير مضمون العواقب سياسياً. والإجابة بلا مترددة قد يكون أقرب إلى صمام أمان.
رئيس الوزراء العمالي الأسبق هارولد ويلسون، قال مرّة: «أسبوع في السياسة وقت طويل». فما بالك والمسافة الفاصلة عن الانتخابات النيابية المقبلة تعدّ بالمقارنة طويلة نسبياً، مما يعني أن لا أحد يضمن في أي اتجاه ستسير الأمور، هذا أولاً. أما ثانياً، فإن الإجابة بلا مترددة أقرب منها إلى السلامة، كونها نابعةً من سجلات تجارب انتخابية سابقة، تمكّن فيها المحافظون من قلب الطاولات على خصومهم، والفوز بالانتخابات العامة، في آخر لحظة. أضف إلى ذلك أن الطريق إلى رقم 10 داوننغ ستريت، منذ الآن وصاعداً، لن يكون ممهداً ومعبّداً أمام الزعيم العمالي كير ستارمر كونه يدرك أن المحافظين لا يرضون بالتسليم، من دون قتال.
النتائجُ الانتخابية الأخيرة نوعان: مفرحة في دوائر العماليين والأحرار الديمقراطيين، ومحزنة في دوائر المحافظين. ويظل من المهم الإشارة إلى أن النتائج لم تكن، على أي حال، مفاجأة لأحد. المحافظون كانوا على وعي مسبق بالهزيمة، التي كانت في انتظارهم. ورغم ذلك استشاط كثيرون منهم غضباً، لفشل زعيم الحزب ريشي سوناك - حسب رأيهم - في تصميم استراتيجية انتخابية قد لا تقود إلى نصر مؤزّر، لكن، على الأقل، تخفف من ثقل الهزيمة. والعماليون والأحرار الديمقراطيون شعروا بأنهم على الطريق الصحيح، وباقترابهم من تحقيق هدفهم المشترك: إخراج المحافظين من 10 داوننغ ستريت. وهذا يعني أن المعركة الانتخابية النهائية قد أُعلنتْ. وأن الأيام والشهور المقبلة سوف تشهد ارتفاعاً ملحوظاً في درجة حرارة الصراع، وعلى كل الجبهات.
النتائج كشفت أن خسائر حزب المحافظين فاقت المتوقع (أكثر من ألف مقعد). بينما تمكّن العماليون من إحراز تقدم ملحوظ في مناطق رئيسية، وتقدموا على المحافظين بنسبة أصوات تصل إلى 7 في المائة، وفقاً لتقارير إعلامية. إلا أن بعض المعلقين، في صحف معروفة بميولها إلى «حزب المحافظين»، يرون أن ذلك الفوز العمالي يخفي وراءه ما أسموه «التناقض في الأداء، مما يلحق الشك بنتائج الانتخابات النيابية في العام المقبل». ويرون كذلك أن النقاط المطلوبة للعماليين لإحداث التغيير في 10 داوننغ ستريت، تعد أكبر من تلك التي أحرزها رئيس الحكومة العمالي الأسبق توني بلير في انتخابات 1997 المشهورة.
واستناداً إلى التقارير، نجح العماليون يوم الخميس الماضي، في استعادة دوائر انتخابية فقدوها في انتخابات عام 2019. وتمكنوا من الاستحواذ على مناطق صوتت في عام 2016 لصالح «بريكست»، مما يعني أن أصواتهم متوزعة على نطاق واسع وأكثر مما كانوا يتوقعون. وفي جنوب إنجلترا تمكّن الأحرار الديمقراطيون من تحقيق انتصارات عديدة. وفي محاولة شرح الأسباب، يرى مسؤولون في «حزب المحافظين» أن الزمن تكفل محو عداوة الناخبين ضد حزب الأحرار الديمقراطيين، في تلك المناطق، بسبب دخولهم في ائتلاف مع حكومة المحافظين عام 2010 تحت قيادة الزعيم المحافظ الأسبق ديفيد كاميرون، مضافاً إلى ذلك الخطط التكتيكية انتخابياً بين العمال والأحرار الديمقراطيين، التي تؤدي إلى انسحاب مرشحي أحد الحزبين من دخول الانتخابات لإتاحة المجال أمام مرشحي الحزب الآخر للفوز.
ويبقى من المهم الإشارة إلى أن انتخابات المجالس البلدية في بريطانيا تمنح فرصة أمام الناخبين، خصوصاً من أنصار الحزب الحاكم، لبعث رسائل احتجاج إلى الحكومة تعبيراً عن سخطهم وعدم رضاهم عن أدائها. البعض منهم يختارون البقاء في البيوت ولا يذهبون إلى مراكز الاقتراع. والبعض الآخر يدلون بأصواتهم إلى أحزاب المعارضة. لكن في الانتخابات البرلمانية تسير الأمور على نسق آخر مختلف.