الفرقُ بين المعادلات الرياضية ومعادلات الواقع، هو أن الأولى تخلو من المصلحة. لذلك السبب يمكن التعامل معها وحلّها عقلياً، وفق المنطق الرياضي، من دون حاجة إلى التورط في جدال عقيم، أو الاستنجاد بوسطاء دوليين.
معادلات الواقع تقودها المصالح. ولا تخضع للعقل والمنطق. وحلولها أحياناً يكون من ضمنها اللجوء إلى استخدام السلاح. وحتى هذا الحل قد لا يكون كافياً وافياً.
منطقُ المصالح، الشخصية والقبلية والجهوية، كان سبباً رئيسياً في دخول الأزمة الليبية في نفق معتم، بلا مخارج، وبالتالي، استمرار وضعية نصب الحصان أمام العربة، وفشل كل المقترحات والجهود والوساطات لتصحيحها، لانعدام رغبة الأطراف المتناحرة على السلطة والثروة، حتى الآن، في تقديم تنازلات.
ومؤخراً، بدا وكأن صدعاً صغيراً في جدار الأزمة قد حدث، أتاح لخيط نحيل وصغير من ضوء النهار أن يضيء قليلاً من عتمة النفق، إلا أنه لا يقود إلى مَخرج. وقد يقود، في رأيي، إلى مزيد من التعقيد.
الصدعُ الصغير المعني، جاء قادماً من اجتماع عُقد في أبوزنيقة، في المغرب، عبر مفاوضات جرت بين وفدين يمثلان مجلسي النواب والدولة. الوفدان يمثلان أعضاء لجنة أُطلق عليها اسم «6 + 6»، وبهدف الوصول إلى اتفاق حول مَن يحق له الترشح للانتخابات الرئاسية. اللجنة تمكنت من الوصول إلى حل وسطي وبالإجماع، يتمثل في منح مزدوجي الجنسية والعسكريين الحق في الترشح في الجولة الأولى من الانتخابات، ورفض ترشح مَن صدر بحقه حكم قضائي جنائي. المقصود بهذا الحل شخصان لا أكثر. الأول المشير خليفة حفتر، باعتباره حامل جنسية أميركية وعسكرياً، ويرفض التنازل عن الجنسية الأجنبية والاستقالة من الجيش. والثاني سيف الإسلام القذافي، كونه صدر ضده حكم جنائي ومطلوباً لمحكمة العدل الجنائية الدولية.
المشير حفتر مُنح ضوءاً أخضر، يسمح له بالعبور إلى الجولة الأولى من الانتخابات، وفي حالة نجاحه لا يحق له دخول المرحلة الثانية منها، إلا بعد التنازل عن الجنسية الأميركية والاستقالة من الجيش. السيد سيف الإسلام القذافي مُنع من دخول الانتخابات.
لجنة «6 + 6» توقفت عند هذا الحد، ولم تنظر في سيناريو آخر محتمل، لا يقل أهمية. وهو ماذا يحدث لو خسر المشير في الجولة الثانية من الانتخابات؟ هل سيحزم حقائبه، أم يعتزل الحياة السياسية والعسكرية، ويعتكف في جهة ما؟ هذا السيناريو أجّلت اللجنة النظر فيه، كونها تتوقع، نظرياً، قبول المشير حفتر وبقية المترشحين بنتائج الانتخابات. وهذا الافتراض، في رأيي، شديد التفاؤل، ويتفادى عمداً مواجهة السؤال.
سيناريو عقد الانتخابات، لا يقتصر على حل إشكالية حق الترشح، بل يفضي بالضرورة إلى أسئلة أخرى أيضاً. يأتي في مقدمتها سؤال يتعلق بمَن سيضمن عقد الانتخابات في أجواء آمنة تحقق نزاهتها، في بلد، واقعياً وفعلياً، تسيطر على كل مدينة فيه جماعات مسلحة، لم يتم استشارتها أو مشاركتها في أي مرحلة من مراحل التفاوض؟ وهل، مثلاً، سيقبل قادتها بإغلاق معسكراتهم طواعية، وتسريح قواتهم، والعودة إلى العيش في هامش النسيان، مثلما كانوا قبل فبراير (شباط) 2011؟
الأخبار المُسرّبة تتحدث عن سيناريو مختلف آخر. ويتمثل في اتفاق بين مجلسي النواب والدولة على إنشاء حكومة مصغّرة، بمهمة واحدة وهي عقد الانتخابات. السيناريو يفترض أن يقدم رئيس الحكومة الحالية السيد عبد الحميد الدبيبة استقالته واستقالة حكومته، مقابل منحه حق الترشح للانتخابات الرئاسية. وهذا الافتراض، على وجاهة منطقه، يقع هو الآخر تحت خانة «التفاؤل المفرط». ويتجاهل ما يحدث فعلياً على الأرض، وما يدبر وراء أبواب مغلقة.
سيناريوهات الانتخابات على اختلافها، لا تتسق، في وجهة نظري، والواقع على الأرض. وتظل قاصرة على الإجابة عن الأسئلة المطروحة. فالبلد واقعياً مقسوم. وتتكاثر في مختلف مناطقه جماعات مسلحة متنافسة. ولا ضمان متوفراً لقبول قادتها ما ستسفر عنه الانتخابات من نتائج، ناهيك عن تعقيدات إجرائها من الناحية الأمنية.
أكثر السيناريوهات والأقرب إلى التحقق، كما يتردد في الساحة الليبية، سيناريو مختلف ولا يخلو من مخاطر. ويتحدث عنه العارفون بمجريات الأحداث في البلاد. ويقوم على أساس تقاسم السلطة، عائلياً، بين آل الدبيبة وآل المشير حفتر. وهم يؤكدون واقعية هذا السيناريو، وأنه ليس رجماً بالغيب. بل قائم على معطيات فعلية.