بقلم -جمعة بوكليب
جاء في بعض وسائل الإعلام الأوروبية أن الاتحاد الأوروبي يخطط لتوحيد القوانين المتعلقة برخص قيادة السيارات في الدول الأعضاء. وأن أهم ما في تلك الخطط يتعلق بسائقي السيارات ممن تجاوزوا سن السبعين. وأهم تلك المتغيرات إجراء فحوص طبية كل 5 سنوات، للتأكد من قدرتهم على قيادة سياراتهم من دون تعريض أنفسهم وغيرهم للخطر. الإحصاءات الرسمية المنشورة في وسائل الإعلام تقول إن 20600 شخص في بلدان الاتحاد الأوروبي، ماتوا في حوادث مرورية في عام 2022. وإن أكبر نسبة سُجلت في رومانيا، وتليها بلغاريا، ثم كرواتيا. وإن أقل نسبة سُجلت في السويد (21 شخصاً من كل مليون).
الخطط الجديدة التي تعدّها بروكسل، يقول معلقون، لن تمرّ بسلام في عديد من الدول الأعضاء. وعلى سبيل المثال لا الحصر، فإن تطبيقها في بلد عضو مثل ألمانيا سوف يُواجَه بتعقيدات شديدة. والسبب يعود إلى أن سائقي السيارات الألمان من كبار السن سوف يرفضونها بشدة؛ لأن القوانين المحلية الألمانية المتعلقة بمنح رخص قيادة السيارات، حسبما قرأت، تجيز لحامليها قيادة سياراتهم إلى ما لا نهاية. أي من دون حاجة إلى تجديد، كل عشر سنوات كما هي الحال في بريطانيا. وبسبب ذلك يكثر وبشكل ملحوظ سائقو السيارات على الطرقات العامة، في أعمار متقدمة جداً. وأن العائلات الألمانية تواجه مصاعب كثيرة من أجل إقناع أولئك المسنين بالكف عن قيادة سياراتهم، خشية عليهم من التعرض للحوادث.
القوانين الوضعية خصوصاً، بطبيعتها، عرضة للتغير؛ بسبب تغيّرات الواقع ومستجداته، الأمر الذي يدعو إلى تعديلها بما يتناسب والواقع الجديد. ومن ضمنها، بطبيعة الحال، القوانين المتعلقة بقيادة السيارات للشيوخ، ممن تجاوزوا سنّ السبعين. ولا أعرف، إلى حدّ الآن، هل الاعتراف بكوني مؤخراً صرتُ من ضمنهم، مدعاة لحسن الحظ أو العكس؟ لدى انتهاء صلاحية رخصة قيادتي للسيارة في الشهور الأخيرة، سعيت كالعادة لتجديدها، انصياعاً لما تمليه القوانين. رخصة قيادة السيارات في بريطانيا تُمنَح لحامليها بصلاحية مدّتها 10 سنوات. ونظراً لتجاوزي مؤخراً عتبة عمرية مميزة، وبداية أخرى أكثر تميزاً، قامت الجهة المسؤولة بتجديد رخصة قيادتي لمدة 5 سنوات فقط، بدلاً من 10. وبالطبع، لم أفاجأ بذلك ولم أنزعج أيضاً، لأنني، من خلال النماذج الرسمية المخصصة، وجدتني محشوراً في فئة عمرية مختلفة، تضم كل مَن سبقوني، من الجنسين، ممن وصلوا بسلام محطة السبعين عاماً من أعمارهم، وما زالوا حريصين على مواصلة قيادة سياراتهم في الطرقات العامة، بأنفسهم.
في تلك النماذج الرسمية التي ملأتها وأرسلتها، عبر الإنترنت، كان عليَّ الإجابة عن أسئلة مختلفة لم أتعرّض لها من قبل، ذات صلة مباشرة بحالتي الصحية، والتأكد من قدرتي على قيادة السيارة من دون متاعب في الرؤية، أو غيرها مما تحفل به الشيخوخة من أعراض، لعلل وأمراض مصاحبة لها، يصعب حصرها.
تلك الوضعية الجديدة، جعلتني إلى حدّ ما، أشعر بنوع من عدم الارتياح. وهو أمر طبيعي، لأنها كانت بمثابة مؤشر أو علامة تحذيرية وُضعت أمامي، مؤكدة أنني تجاوزت سن الشباب، وعليّ من الآن وصاعداً محاولة التموضع تدريجياً وبهدوء في المرحلة العمرية الجديدة، والتعامل مع متطلباتها، خصوصاً الرسمية منها. وفي الحقيقة، لا اعتراض شخصياً على ذلك. لكن من المفيد الإشارة إلى أنني أعيش في بريطانيا منذ أكثر من 3 عقود زمنية، وأرى في الطرقات العامة، سائقي سيارات من فئات عمرية متقدمة جداً، مقارنة بعمري، ويفترض ألا يكونوا في كرسي القيادة.
اللافت أيضاً أن هذه النسبة من كبار السن، من سائقي السيارات، يزداد عددهم بشكل ملحوظ، ومدعاة للقلق، ليس فقط في بريطانيا، بل في العديد من البلدان الأوروبية. ولم يعد سرّاً خافياً منذ سنوات أن المجتمعات الأوروبية بدأ يطلق عليها وصف «المجتمعات العجوز». والسبب تنامي نسبة كبار السن من المتقاعدين، وانخفاض نسبة الشباب، بسبب انخفاض نسبة المواليد، نتيجة أسباب عديدة، يأتي في مقدمتها عزوف الشباب عن الزواج وإنجاب أطفال، بسبب الظروف الاقتصادية وصعوبتها. وفي المقابل، فإن تزايد العناية الصحية بكبار السن أمدّ في أعمارهم، وصاروا يكلفون خزائن دولهم ميزانيات ضخمة. ونظراً لارتفاع نسبتهم، وإدراكهم لقوتهم الانتخابية، دفع ذلك الأحزاب السياسية إلى أن تكون رعاية المسنين والعناية بهم في قائمة أولويات برامجها الانتخابية.