بضاعة رديئة فوضى وميليشيات وفساد

بضاعة رديئة: فوضى وميليشيات وفساد

بضاعة رديئة: فوضى وميليشيات وفساد

 العرب اليوم -

بضاعة رديئة فوضى وميليشيات وفساد

بقلم - داود الفرحان

معها كل الحق الممثلة الخاصة للأمين العام للأمم المتحدة لدى العراق، جينين بلاسخارت، حين تقول في الإحاطة التي قدمتها أمام مجلس الأمن يوم 4 أكتوبر (تشرين الأول) الحالي: «إن المرء ليس بحاجة إلى كرة بلورية ليتنبأ بما يمكن أن يؤدي إليه الوضع الخطير الذي يمر فيه العراق، مع اندلاع المظاهرات المعارضة والمضادة إلى حد الفوضى العارمة».
وبلاسخارت هولندية الجنسية ليست دبلوماسية عادية؛ فقد كانت وزيرة الدفاع في بلادها وعضواً في مجلس النواب عن حزب «الشعب من أجل الحرية والديمقراطية» وعضواً في البرلمان الأوروبي لتحالف الليبراليين والديمقراطيين في أوروبا. وهي بدأت مهمتها في العراق منذ عام 2018، وميزتها أنها استطاعت أن تنفرد بين الدبلوماسيين العرب والأجانب بدخول المكاتب الخاصة لرؤساء الميليشيات المسلحة الموالية لإيران والتابعة لـ«فيلق القدس»، الذي كان يقوده قاسم سليماني قبل مقتله من قبل الأميركيين في بداية عام 2020 على أبواب مطار بغداد الدولي قادماً من دمشق. بينما لا يعرف معظم الوزراء العراقيين عناوين تلك الميليشيات أو أرقام هواتفها، وحتى لو عرفوها، فإنهم لا يتجاسرون على الذهاب إليها. بل إن إحدى الميليشيات منعت رئيس الوزراء العراقي الأسبق، عادل عبد المهدي، من دخول أحد معسكراتها، جنوب بغداد، حيث تعتقل ألوف المدنيين لأسباب طائفية، بعد استيلائها على بساتينهم ومزارعهم وأحواض أسماكهم وبيوتهم، وإعدام مَن تشاء منهم بلا محاكمات.
بوضوح قالت الممثلة الأممية إن الوضع «خطير جداً»، والبلد «على شفا الفوضى العارمة»، وأخفقت الأطراف الفاعلة في وضع المصلحة الوطنية في المقام الأول. لقد تركوا البلد في «مأزق طويل الأمد»، ما أدى إلى «تصاعد الغضب الشعبي».
لم تتردد بلاسخارت في استخدام توصيفات كارثية للأوضاع الحالية، مثل: «مأساة واختطاف وتهديد وترهيب». وأكثر من ذلك «أن الأطراف كافة المشاركة في العملية السياسية الحالية ارتكبت أخطاء استراتيجية وأساءت التقدير وأضاعت فرصاً ثمينة لحل خلافاتها».
كل ذلك صحيح ومفهوم، ويتحمل رؤساء الأحزاب والميليشيات مسؤولياته. وليس جديداً أن يتأخر تشكيل الحكومة، لأن الكتل السياسية أمورها ليست في أيديها، وإنما خارج الحدود. ولم توضح المبعوثة الأممية هذا الأمر بصراحة وشجاعة. والفوضى ليست بسبب مظاهرات الشباب، وإنما بسبب الميليشيات الإيرانية المسلحة من الرشاشات إلى كواتم الصوت إلى الصواريخ وانتهاء بالمسيّرات الإيرانية الانتحارية. وهذه المسيّرات أو «طائرات الدرون» إيرانية الصنع اشترى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أعداداً كبيرة منها، استخدمها لقصف أوكرانيا، قبل أن يضم أربعة أقاليم أوكرانية بسكانها وممتلكاتها.
الشعب العراقي لا يعنيه تشكيل الوزارة اليوم أو غداً؛ فقد تعوَّد على هذه العقدة منذ سيطرة الأحزاب الموالية لإيران، لكن مشكلة العراقيين هي في الميليشيات المسلحة التي تحمل عشرات الأسماء وترتبط بالقوات المسلحة العراقية تجهيزاً وتمويلاً ومعتقلات ومقابر جماعية. هذه الميليشيات جُزُر منفصلة داخل الدولة الفاشلة. لقد تسلَّم مصطفى الكاظمي رئاسة الوزراء منذ ثلاث سنوات، لكنه لم يستطع أن يفعل شيئاً في مواجهة هذا الخنجر الإيراني في خاصرة النظام العراقي الحالي. ووصل الأمر إلى محاولة اغتياله في العام الماضي في مسكنه، إلا أنه قلب الورقة سريعاً، في محاولة للحفاظ على ما تبقى من أنقاض دولة اسمها: العراق.
وكل ذلك «كوم»، والفساد المستشري في البلاد «كوم آخر»؛ فالسيدة بلاسخارت تقول في كلمتها أمام مجلس الأمن إن النظام السياسي ومنظومة الحكم في بغداد يتجاهلان احتياجات الشعب العراقي، ويمثل الفساد سبباً جذرياً رئيسياً للاختلال الوظيفي والخدمي والاجتماعي في البلاد.
لقد أعربت بلاسخارت عن قلقها، ليس من التدخل الإيراني والتركي في العراق، وإنما من «التصحر» و«سلبية» الحياة السياسية في بلد تاريخه يعود إلى فجر الحضارات وما قبل مسلّة قوانين حمورابي.
في 10 فبراير (شباط) من العام الماضي، نشرتُ في هذه الصحيفة مقالاً تحت عنوان: «السيدة القادمة من هولندا» عن الممثلة الخاصة للأمين العام للأمم المتحدة، جينين بلاسخارت، بعد أن شُوهِدت تشارك شباب «ثورة تشرين» (أكتوبر) بركوب عربة «توك توك» في ساحة التحرير، وحذرت الدبلوماسية الكبيرة من أن «عنف العصابات والميليشيات الموالية لإيران يضع العراق في مسار خطير»، وحثَّت الجيش العراقي، وليس الحكومة، على «ألا يدّخر جهداً لحماية المتظاهرين السلميين من عنف عناصر مسلحة تعمل خارج سيطرة الدولة». وقلت في المقال: «إذا استطاعت بلاسخارت حل ونزع أسلحة الميليشيات التابعة لـ(فيلق القدس) الإيراني، فيكفيها هذا سبباً لإقامة تمثال لها في قلب بغداد».
مشكلة العراق ليست الحكومات الضعيفة الموالية لإيران التي توالت على الحكم منذ عام 2006 فقط، ولا حكومة مصطفى الكاظمي الحالية التي تسعى لإمساك العصا من الوسط، لإنقاذ ما يمكن إنقاذه بالتعاون مع بعض دول الجوار، غير تركيا وإيران؛ بل إن حكومة الكاظمي المسالمة هي «أقوى» حكومة في إصدار القرارات التي لا تُنفّذ. والأمثلة كثيرة: حصر السلاح المنفلت وتسليمه للدولة، محاكمة المندسين في مظاهرات الشباب الذين اغتالوا مئات المتظاهرين من الشباب والشابات، واعتقال المجرمين المسؤولين عن اغتيال معارضي النظام الإيراني من الباحثين والإعلاميين العراقيين الذين قدم الكاظمي تعازيه لذويهم، وتعهَّد بتقديم المجرمين إلى المحاكم من دون أن تتم محاكمة أحد.
يريد العراقيون من بلاسخارت أو بعثة من الأمم المتحدة أن تعرض على مجلس الأمن الدولي ليس مشكلة تأخُّر تأليف الحكومة لمدة عام كامل بعد إجراء الانتخابات النيابية؛ فالعراقيون لا يرون أي اختلاف بين وجود الحكومة أو غيابها. المهم والأخطر أن تعرض السيدة بلاسخارت ومعاونوها من بعثة دولية على مجلس الأمن مشكلة «الميليشيات الإرهابية» التي مزقت العراق وعاثت في البلاد فساداً واغتيالات، ورشح أحد زعمائها البارزين نفسه ليكون رئيساً لوزراء العراق!
ولعله من الأفضل أن يبحث مجلس الأمن الدولي «إشكالية» الميليشيات التي مزقت دولاً أخرى، وليس العراق فقط، مثل سوريا ولبنان واليمن والصومال وأفغانستان وغيرها؛ فهذه المشكلة العويصة القاتلة والمدمرة هي «قنبلة نووية» موقوتة يجب تفكيكها بدقة، بحيث لا تقوم لها قائمة في المستقبل، حتى لو تم إصدار عفو عام عن جميع منتسبيها. كما يجب أن تُعامَل مثل المخدرات والأوبئة وكل النشاطات الإرهابية التي نعرفها أو لا نعرفها.
الوقاية خير من العلاج سعادة السفيرة جينين بلاسخارت.

arabstoday

GMT 20:40 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

عندما يعلو صوت الإبداع تخفت أصوات «الحناجرة»

GMT 06:23 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

المبحرون

GMT 06:20 2024 الأربعاء ,10 تموز / يوليو

قرارات أميركا العسكرية يأخذها مدنيون!

GMT 06:17 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

تسالي الكلام ومكسّرات الحكي

GMT 06:14 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

كيف ينجح مؤتمر القاهرة السوداني؟

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

بضاعة رديئة فوضى وميليشيات وفساد بضاعة رديئة فوضى وميليشيات وفساد



إطلالات الأميرة رجوة الحسين تجمع بين الفخامة والحداثة بأسلوب فريد

عمّان ـ العرب اليوم

GMT 21:48 2024 الإثنين ,02 كانون الأول / ديسمبر

انسجام لافت بين إطلالات الملكة رانيا والأميرة رجوة
 العرب اليوم - انسجام لافت بين إطلالات الملكة رانيا والأميرة رجوة

GMT 09:17 2024 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

غضب صلاح من بطء مفاوضات ليفربول واهتمام من باريس سان جيرمان
 العرب اليوم - غضب صلاح من بطء مفاوضات ليفربول واهتمام من باريس سان جيرمان

GMT 09:23 2024 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

نصائح قبل شراء طاولة القهوة لغرفة المعيشة
 العرب اليوم - نصائح قبل شراء طاولة القهوة لغرفة المعيشة

GMT 05:57 2024 الإثنين ,02 كانون الأول / ديسمبر

المحنة السورية!

GMT 07:17 2024 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

اليمامة تحلّق بجناحي المترو في الرياض

GMT 19:01 2024 الإثنين ,02 كانون الأول / ديسمبر

6 قتلى في قصف للدعم السريع على مخيم للنازحين في شمال دارفور

GMT 22:51 2024 الإثنين ,02 كانون الأول / ديسمبر

الجيش الإسرائيلي يأمر بإخلاء شمال خان يونس "فوراً" قبل قصفه

GMT 20:03 2024 الإثنين ,02 كانون الأول / ديسمبر

القبض على موظف في الكونغرس يحمل حقيبة ذخائر وطلقات

GMT 20:27 2024 الإثنين ,02 كانون الأول / ديسمبر

دعوى قضائية على شركة أبل بسبب التجسس على الموظفين

GMT 22:06 2024 الإثنين ,02 كانون الأول / ديسمبر

إيقاف واتساب في بعض هواتف آيفون القديمة بدايةً من مايو 2025

GMT 08:16 2024 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

وفاة أسطورة التنس الأسترالي فريزر عن 91 عاما

GMT 18:35 2024 الإثنين ,02 كانون الأول / ديسمبر

العراق ينفي عبور أي فصيل عسكري إلى سوريا

GMT 18:29 2024 الإثنين ,02 كانون الأول / ديسمبر

قصف إسرائيلي على مناطق جنوب لبنان بعد هجوم لحزب الله

GMT 17:20 2024 الإثنين ,02 كانون الأول / ديسمبر

هنا الزاهد توجه رسالة مؤثرة إلى لبلبة

GMT 18:45 2024 الإثنين ,02 كانون الأول / ديسمبر

ولي العهد السعودي يستقبل الرئيس الفرنسي في الرياض

GMT 11:32 2024 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

الاحتلال ينسف مبانى بحى الجنينة شرقى رفح الفلسطينية
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab