هنا هونغ كونغ وهناك تايوان

هنا هونغ كونغ... وهناك تايوان

هنا هونغ كونغ... وهناك تايوان

 العرب اليوم -

هنا هونغ كونغ وهناك تايوان

بقلم - داود الفرحان

لم تكن هونغ كونغ من المستعمرات البريطانية القديمة، وإنما ظلت جزءاً من الصين استولت عليها بريطانيا بالقوة العسكرية واحتلتها في عام 1841، وزعمت أنها كانت «مجرد جزيرة قاحلة» بالكاد تضم منزلاً واحداً.

في الواقع كانت هونغ كونغ مجتمعاً صغيراً على جزيرة تقع في أقصى أطراف إمبراطورية، انتهى عصرها في عام 1911، وحولتها بريطانيا إلى ميناء يتيح التبادل التجاري؛ حيث كان التجار الصينيون يرحبون بزملائهم من الهند وجنوب شرقي آسيا والأميركتين.

المهم أن جمهورية الصين الشعبية استعادت في عام 1997 سيادتها على هونغ كونغ من بريطانيا، وأصدرت بكين «قانوناً» أساسياً لمنطقة هونغ كونغ الإدارية الخاصة، ينص على أن هونغ كونغ جزء من جمهورية الصين الشعبية؛ لكنها تحتفظ بأنظمة قانونية وسياسية مختلفة عن تلك الموجودة في برّ الصين الرئيس، لمدة 50 عاماً حتى عام 2047، بعد استعمار استمر 156 عاماً (1841- 1997).

ورافق ذلك صياغة الصين أول نظام سياسي من نوعه، هو «دولة واحدة بنظامين» أي أن الصين ذات نظام اشتراكي، بينما هونغ كونغ ميناؤها الرئيسي له نظام سياسي واقتصادي واجتماعي رأسمالي غير دائم.

كانت بكين بذلك تضع قانوناً ليس له مثيل؛ لكن حكمة الزعامة الصينية وجدت أنه لا بدّ من مرحلة انتقالية يتم فيها تدريجياً مزج ودمج وتكييف واقعي بين البرّ الصيني والميناء على بحر الصين الجنوبي. وهي صيغة لا تصلح لأي بلد؛ لأنها صيغة انفصالية مرتبكة؛ بل إن الصين نفسها لا توافق عليها إذا استرجعت جزيرة تايوان. فلكل حال موّال. صحيح أن الصين أقامت المهرجانات بعودة هونغ كونغ، وهو ميناء عالمي اليوم تفتخر به الصين وآسيا؛ لكنه ليس حلاً سياسياً، وإنما هو حل إداري مؤقت، ليس له موقع في الجغرافيا السياسية ولا حتى في الحروب، وإلا لتحول العالم إلى حالة فوضوية انفصالية تديرها الميليشيات ومكاتب العقارات والأراضي والبساتين. وهو أمر قد يذكّر بعضنا بالفيلم السينمائي المصري القديم «العتبة الخضراء»؛ حيث اشترى الفلاح إسماعيل ياسين حي العتبة القاهري العريق بأسواقه ومركز شرطته ودائرة بريده ونقطة إطفاء الحرائق، من أحد النصابين!

أما تايوان فهي توأم هونغ كونغ، وأنا لا أقارن هنا ولا أتدخل؛ لأن تايوان حالياً دولة كاملة السيادة حتى لو طالبت بها الصين. فهي مرتبطة بالولايات المتحدة، ولا يمكن أن تصبح بين ليلة وضحاها مثل هونغ كونغ.

قرأت دراسة للدكتور أحمد جلال محمود من جامعة السويس، أكد فيها أن أزمة تايوان -وهي إحدى أقدم الأزمات في العالم الحديث- تعد محوراً رئيسياً في منطقة شرق آسيا في الاعتبارات الجيوبوليتيكية والعسكرية والاقتصادية ودوافع الولايات المتحدة الأميركية والصين. واستنتجت الدراسة أنه على الرغم من الجهود الأميركية في احتواء الصين، فإن عقبات كثيرة تعترضها، أهمها أن الصين ماضية في تطوير قدراتها الاقتصادية والعسكرية والدبلوماسية، على نحو يجعل من الصعب على الولايات المتحدة تحقيق استراتيجيتها لاحتواء الصين؛ لأن معظم دول شرق آسيا بما فيها تايوان مرتبطة بالاقتصاد الصيني، وأن احتمالية حدوث صدام مباشر بين بكين وواشنطن بسبب تايوان غير قائمة في المدى المنظور.

وتستنتج هذه الدراسة البحثية أن حالة التنافس الدولي بين الولايات المتحدة والصين تصطدم بملفات خلافية كثيرة، أهمها تايوان التي تعدّ جوهر التنافس والصراع. وتايوان ليست جزيرة تحتل مساحة من الأرض فحسب، فهذه الجزيرة لها مكانة مهمة في الاقتصاد العالمي، وتصنف من الدول المتقدمة في صناعة تكنولوجيا المعلومات والاتصالات في العالم، وهي بالنسبة للصين قضية مركزية وجزء أساسي اقتُطع من سيادتها الوطنية خلال ظروف استثنائية.

استراتيجياً، تعدّ تايوان أكثر أهمية من هونغ كونغ، ولها حساسية خاصة فيما يتصل بالعلاقات الصينية - الأميركية. كما أن تمسك واشنطن بتايوان له علاقة بموقعها الاستراتيجي، للحفاظ على قواعدها العسكرية في آسيا وأستراليا واليابان. المسألة ليست تجارة الحرير الصيني أو العطور الهندية أو الشاي السيلاني أو الساري الياباني.

عربياً، تحتفظ معظم الدول العربية بعلاقات سياسية واقتصادية واسعة مع الصين وتايوان، وليس من مصلحة أي منها أن تتدخل في هذه القضية الشائكة إلا من باب العلم بالشيء، وترك الأزمة التايوانية للتحليل الدولي بعيداً عن التهديدات أو الانحيازات، خشية أن نخسر أكثر مما خسرنا.

وقد كانت الصين حكيمة وهي تبتعد عن التوسط مع روسيا لوقف الحرب الأوكرانية؛ لأن أجندة موسكو غير أجندة بكين. ولفتت أنظار الدبلوماسيين الدوليين ظاهرة ضبط النفس لدى الرئيس الصيني. فمثلاً عقدت الصين والهند 16 جولة من المحادثات بشأن نزاعهما الحدودي، ولم تحرز سوى القليل من التقدم. ومع ذلك فإن الصين سعت لتحسين العلاقات الدبلوماسية مع الهند. ولا يعني ذلك أن بكين لن ترد في حال حدوث تهديد أميركي.

وفي الوقت نفسه، فإن الرئيس شي جينبينغ تجنب أي مبادرات كبرى في سياسته الخارجية، ولم يرد توريط بلاده في نزاع مع الجيران، خصوصاً أنه قام في الأشهر الأخيرة بأكثر من 10 زيارات خارجية، أكثرها أهمية زيارته إلى المملكة العربية السعودية، وقمة صينية - عربية، وقمة لمجلس التعاون الخليجي. وستشهد الأشهر المتبقية من هذا العام زيارات صينية أخرى إلى المنطقة العربية، أهمها إلى الرياض.

arabstoday

GMT 11:02 2024 الأربعاء ,17 إبريل / نيسان

اعترافات ومراجعات (51) الهند متحف الزمان والمكان

GMT 10:54 2024 الأربعاء ,17 إبريل / نيسان

حسابات المكسب

GMT 10:51 2024 الأربعاء ,17 إبريل / نيسان

منير وشاكوش وحاجز الخصوصية!

GMT 10:47 2024 الأربعاء ,17 إبريل / نيسان

الضربة الإيرانية

GMT 04:18 2024 الإثنين ,01 إبريل / نيسان

سفير القرآن!

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

هنا هونغ كونغ وهناك تايوان هنا هونغ كونغ وهناك تايوان



أيقونة الجمال كارمن بصيبص تنضم لعائلة "Bulgari" العريقة

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 14:28 2024 السبت ,27 إبريل / نيسان

نادين نجيم تكشف عن علامتها التجارية الخاصة
 العرب اليوم - نادين نجيم تكشف عن علامتها التجارية الخاصة

GMT 14:01 2024 السبت ,27 إبريل / نيسان

طرق سهلة لتحسين صحة الأمعاء والحفاظ عليها
 العرب اليوم - طرق سهلة لتحسين صحة الأمعاء والحفاظ عليها

GMT 10:20 2024 السبت ,27 إبريل / نيسان

زلزال بقوة 4.1 درجة يضرب شرق تركيا

GMT 01:08 2024 الخميس ,25 إبريل / نيسان

نانسي عجرم بإطلالات عصرية جذّابة

GMT 14:28 2024 السبت ,27 إبريل / نيسان

نادين نجيم تكشف عن علامتها التجارية الخاصة

GMT 08:39 2024 الأربعاء ,24 إبريل / نيسان

ارتفاع أسعار النفط مع هبوط الدولار

GMT 18:03 2024 الأربعاء ,24 إبريل / نيسان

أحمد السقا أولي مفاجأت فيلم "عصابة المكس"

GMT 18:13 2024 الأربعاء ,24 إبريل / نيسان

«باش جراح» المحروسة

GMT 14:01 2024 السبت ,27 إبريل / نيسان

طرق سهلة لتحسين صحة الأمعاء والحفاظ عليها
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab