بقلم:نبيل عمرو
لم يعد بوسعنا إحصاء عدد القتلى، الذين يسقطون على نحو يومي، في القرى والمدن العربية، المسماة من دون أن نعرف لماذا بـ«ما وراء الخط الأخضر»!
كما لم نعد نتوقف عند رقم محدد لعدد الشهداء الذين يسقطون في الضفة الغربية شمالاً ووسطاً وجنوباً، ففي يوم الثلاثاء الماضي سقط 5 في ساعات معدودات.
قتلى الجريمة في القرى والمدن العربية ينسبه الرأي العام للسياسة الإسرائيلية في التعامل مع الجريمة في الوسط العربي، التي لا ينكر المسؤولون الرسميون الإسرائيليون أنها مختلفة كثيراً عنها في الوسط اليهودي، أي أن تقصيراً متمادياً يثير الشبهات أدى إلى تفاقم هذه الظاهرة إلى الحد الذي يبدو أن التخفيف منها أمر بعيد.
وما يثير مزيداً من القلق في الوسط العربي، الذي يتجاوز تعداده المليونين وينتشر على كامل الخريطة الإسرائيلية، أن من سيتولى معالجة هذه المعضلة، هو بن غفير، الذي مُنح حقيبة الأمن الداخلي، وفوقها توسيع صلاحياته بما في ذلك تغيير مسمى الحقيبة إلى وزارة الأمن القومي، التي تمدد سلطته على حرس الحدود الذي يعمل في الضفة الغربية، بما في ذلك القدس الشرقية، وبن غفير، كما يقول سجله، له صولات وجولات في الاعتداء على المقدسات وأهلها، وها هو قبل أن يتسلم مهماته الرسمية يعد باقتحامات للمسجد الأقصى كتلك التي كان يفعلها قبل تتويجه رسمياً!! حتى الآن وإلى أجل غير مسمى، تتحدث السلطات الإسرائيلية كثيراً عن انزعاجها من هذه الظاهرة، إلا أنها لا تعمل شيئاً يُذكر للحد منها.
فلسطينيو 48 أو ما وراء الخط الأخضر مطالبون، خصوصاً على مستوى قيادتهم الحزبية، أن يقفوا مع أنفسهم في عملية نقد ذاتي لدورهم المباشر في استحضار نتنياهو وائتلافه اليميني المتشدد للسلطة من جديد، ما أضعف قدرتهم على التصدي لما يبيّت لهم ويمارس ضدهم، ولعلهم يتخذون مما حدث درساً يستفاد منه لخدمة قرارهم الدائم بمواصلة الكفاح تحت شعارهم الدائم «الحرية والمساواة».
ورغم الزلات والأخطاء فملايين «48» يمتلكون من المؤهلات الحقيقية ما يوفر لهم حماية لمصالحهم ومعالجة لقضاياهم بالطريقة التي يرونها مناسبة.
على الضفة الأخرى من الخط الأخضر، الذي يزحف عليه اللون الأحمر، وقبل أن يتربع نتنياهو على العرش، بعد أن قسم إسرائيل بين عائلات اليمين العنصري المتشدد، يسيل هذه الأيام دم كثير، وإذا كان في كل موقعة من حروب غزة يُقتل الفلسطينيون هناك بالجملة، ففي الضفة يقتلون بالتقسيط، ليتساوى حاصل جمع الشهداء على شقي الوطن، ومعهم ارتفاع في أعداد المعتقلين بالمئات، في أكثر التقديرات تواضعاً!!
اعتاد الفلسطينيون كل أنماط الحكم التي تناوبت على إسرائيل، منذ اليوم الأول ليونيو (حزيران) 1967، لكن الاشتعال كان هو القاعدة، وكان الهدوء المؤقت هو الاستثناء، ولو أحصينا ما أنفقت إسرائيل على استثمارها البغيض واللاأخلاقي لترويض الفلسطينيين وتصفية قضيتهم، لوجدنا أنها أنفقت أضعافاً مضاعفة فوق كل ما أنفقته في حروبها مع الآخرين، من دون أن ترى راية بيضاء ترفع أو مساومة على الحقوق الأساسية أمام الرشاوى وما تسميه بالتسهيلات، حتى إن معادلة تكرست في الواقع، مفادها أن الفلسطينيين يواجهون أطول احتلال في العصر الحديث، وأن إسرائيل تواجه أطول حرب مع شعب وأمة، فمثلما يدفع الفلسطينيون ثمناً لصمودهم ومقاومتهم الحقة، تدفع إسرائيل أثماناً لاحتلالها، واسألوا أهل الاعتدال والموضوعية في إسرائيل فهم الأكثر صراحة في قول ذلك.
وهنالك بُعد آخر للمعضلة المشتركة التي يتقاسمها الفلسطينيون - وهم على حق - مع الإسرائيليين - وهم على باطل - وهي أن العالم منشغل عن الطرفين بفعل اهتمامات أخرى، فمن يهتم في زمن «كورونا» وأجيالها المتعاقبة بلا هوادة على البشرية كلها، وفي زمن الحرب الشرسة في قلب أوروبا، والتي لا تنحصر امتداداتها الكونية داخل حدود أوكرانيا... أما أميركا العرابة الافتراضية لـ«السلام الفلسطيني الإسرائيلي» فقد أدارت ظهرها ولم تعد راغبة ولا قادرة على فعل شيء يشبه ما كانت تفعله زمن تبنيها «التسوية التاريخية»... على ضفتي الخط الأخضر الذي يزحف الأحمر عليه.
خطر يقتحم الأبواب وما يضاعفه أن العالم يراه مجرد اشتعال محدود في الفناء الخلفي.