جبهة رابعة أنتجتها إسرائيل لنفسها

جبهة رابعة... أنتجتها إسرائيل لنفسها

جبهة رابعة... أنتجتها إسرائيل لنفسها

 العرب اليوم -

جبهة رابعة أنتجتها إسرائيل لنفسها

بقلم - نبيل عمرو

النقطة التي تلتقي عندها أجندات القوى السياسية الإسرائيلية في صراعها ووفاقها هي «التخويف»، فمن هم في السلطة يخوّفون الجمهور من المعارضة، على أنها تفتح أبواب إسرائيل على الخطر، والمعارضة تخوِّف من أن الحكومة تتخذ سياسات من شأنها تعريض الوجود للخطر، وهذه المقولة تستخدم ما دامت في إسرائيل حكومة تخاف على نفسها من السقوط، وما دامت فيها معارضة تسعى للفوز.

لذلك؛ يكثر الحديث هذه الأيام عن أن الدولة العبرية تواجه ثلاث جبهات في وقت واحد، وليس غير الحكومة الحالية من يقوى على مواجهتها، خصوصاً حين يكون بنيامين نتنياهو رئيسها، والعكس يقال من جانب المعارضة التي تقدم نفسها كمخلّص من الخطر المحدق الذي تقود سياسات الحكومة إليه، ولا خلاص منه سوى بالتخلص منها.

في هذه الأيام ظهرت في إسرائيل جبهة رابعة ولكنها تختلف عن الجبهات الأخرى، وهي: الفلسطينية في غزة وامتداداتها في الضفة، واللبنانية متمثلة بـ«حزب الله» الواقف بصواريخه «الدقيقة» على خط التماس المباشر بينها وبين لبنان، والسورية التي تشتعل حيناً وتخبو أحياناً، إلا أن الخطر يظل قائماً. حديث الحكومة والمعارضة عن الجبهات الثلاث، أصبح روتينياً على نحو تعوّد الجمهور عليه، ويكاد يصدق أن بوسع جيش إسرائيل مهما كانت الحكومة التي تقوده مواجهتها، والانتصار فيها، ولا يخلو الأمر من استشهادات بحروب الماضي، وما تعدّه إسرائيل انتصارات تحتفل بها حتى الآن، ناهيك عن قدراتها التدميرية الهائلة في غزة والضاحية الجنوبية وامتدادها الجغرافي - الجبهة الشمالية - ولم يكن زلة لسان حين هدد وزير الدفاع لبنان، بإعادته إلى العصر الحجري، إذا ما صدر منه عمل يهدد أمن إسرائيل.

غير أنه ظهر في إسرائيل، وفي سياق احتفالاتها بنصر «يونيو (حزيران) 67» على الجبهات الثلاث، من ينبه إلى أن ما كان في العام 1967 لم يعد مضموناً تكراره، فكثير من الأمور والاعتبارات تغير، والجديد الراهن ليس استنساخاً حرفياً عن القديم.

الجبهات الثلاث بواقعها الراهن وخصائصها ومناخاتها وإن أمكن للقادة السياسيين والعسكريين طمأنة الجمهور بالقدرة على مواجهتها دفعة واحدة، إلا أن الذي يبث الطمأنة هو ذاته غير مطمئن؛ إذ مهما بلغت قدرات الجيش الإسرائيلي على المواجهة إلا أن كثيراً من صناع الرأي في إسرائيل يذكرون قادة الجيش بأنه وإن كان يكسب معاركه وفق تقديراته ومقاييسه، إلا أنه لم يحسم حتى الآن واحدة منها، فالجبهة الفلسطينية لم ترفع الراية البيضاء رغم فداحة خسائرها، والجبهة اللبنانية لم تتوقف عن اللعب بأعصاب الجمهور، بالحديث عن مئات آلاف الصواريخ الدقيقة المعدة للانطلاق حين يؤخذ القرار.

التدقيق في جدية هذا النوع من التهديد هو من اختصاص القادة السياسيين، وما يتوافر لهم من معلومات وما يتوصلون إليه من تقديرات، غير أن ترديد القادة الإسرائيليين لذلك، لا يلغي الخوف الذي يستبد بنفوس جمهورهم خصوصاً حيثما وجدت مستوطنات محاذية، فما أن تنطلق قذيفة واحدة من جنوب لبنان، تبدأ عملية نزوح تلقائية واسعة النطاق، وكذلك على غلاف غزة وما وراءها... ما يجعل الجبهات الثلاث ولنسمّها التقليدية، مصدر خوف وقلق، وعدم اطمئنان لقدرات الجيش الإسرائيلي على الحسم.

أما الجبهة الرابعة، وهي المختلفة كلياً عن الجبهات التقليدية، فقد بدأت من داخل إسرائيل كورم صغير، جرى تغذيته كي يرعى جسداً آخر، وإذا بتطوره وتضخمه يحمل ارتداداً خطراً على الدولة العبرية كلها، ذلك حين بلغ عدد قتلى الجريمة المنظمة في الوسط العربي المائة واثنين، وهو ضعف ما بلغته في المدة ذاتها من العام الماضي؛ ما جعل هذا الورم المسكوت عنه قابلاً للكبر أكثر، وغير قابل لتطويق آثاره الكارثية على الدولة العبرية ليس من حيث الصورة والسمعة وادعاء الديموقراطية، بل على صعيد الأمن العام؛ ذلك أن مليوني فلسطيني عربي يعيشون في إسرائيل، يشعر كل واحد منهم بأن الجريمة المستفحلة ليست من صنع عصابات محلية، بل من صنع الدولة وأجهزتها، التي يعيشون فيها ويحملون جواز سفرها ويسمون فيها بالعرب الإسرائيليين.

لم تستطع الدولة العبرية وخصوصاً حكومتها الحالية برئاسة نتنياهو نفي مسؤوليتها عنها، وإن بطريقة غير مباشرة، ذلك حين يثور جدل داخلي حول عزم نتنياهو إدخال جهاز «الشاباك» لحسم هذه المعضلة، ويرد عليه كثيرون بأن من سيكلفه بالحل هو ضالع أساساً في الظاهرة، فهذا اعتراف غير مباشر بالمسؤولية، وكذلك اعتراف بأن «الشاباك» الذي يعرف ماذا يهمس فلسطيني في أذن خطيبته، هو بالتأكيد يعرف من الذي قتل مئات الفلسطينيين في عهد الجريمة المنظمة، ويعرف أوكارهم ويعرف مصادر تسليحهم وحمايتهم.

«الشاباك»، الذي هو جهاز الأمن العام للدولة، إما أنه يعدّ المليوني فلسطيني أعداء يستحقون ما يُعمل بهم، وإما أنه ولأسباب مهنية، لن يدخل في عمل يتضرر منه منتسبوه ومن يدورون في فلكه، وفي كلتا الحالتين... كارثة.

الجبهة الرابعة تعد مليوني فلسطيني لا يحملون سلاحاً، كي يوجهوه للدولة التي يعيشون فيها، بل يُحمل السلاحُ ضدهم، ويحصد أرواح أبنائهم، ويملأ قلوبهم بالرعب من أن يكون كل واحد منهم هو الرقم التالي. فهل بوسع إسرائيل الدولة العميقة و«الديموقراطية» والحضارية أن تتفادى ارتدادات هذه الجبهة عليها، فالفلسطينيون يتحدثون عن تصعيد من جانبهم في المواجهة، بعضهم يقترح تسليم مفاتيح عضوية الكنيست لأهله، وبعضهم يدعو إلى أن يقدم رؤساء المجالس المحلية استقالاتهم وإغلاق أبواب بلدياتهم، وأشياء أخرى قد تبلغ بعد الوجبة القادمة من القتلى حد عصيان مدني شامل، لن تحله اللجان والوعود وأقراص التهدئة.

فهل تعي إسرائيل مغزى ما فعلت؟

وهل تعي حجم الارتداد عليها؟

أخشى أن أقول... حتى لو وعت، وحاولت، فإن الوقت ربما يكون قد فات.

arabstoday

GMT 20:40 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

عندما يعلو صوت الإبداع تخفت أصوات «الحناجرة»

GMT 06:23 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

المبحرون

GMT 06:20 2024 الأربعاء ,10 تموز / يوليو

قرارات أميركا العسكرية يأخذها مدنيون!

GMT 06:17 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

تسالي الكلام ومكسّرات الحكي

GMT 06:14 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

كيف ينجح مؤتمر القاهرة السوداني؟

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

جبهة رابعة أنتجتها إسرائيل لنفسها جبهة رابعة أنتجتها إسرائيل لنفسها



GMT 10:34 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024
 العرب اليوم - أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024

GMT 13:32 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب
 العرب اليوم - الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب

GMT 10:29 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف
 العرب اليوم - نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف

GMT 09:16 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

أحمد العوضي يتحدث عن المنافسة في رمضان المقبل
 العرب اليوم - أحمد العوضي يتحدث عن المنافسة في رمضان المقبل

GMT 20:21 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

غارة إسرائيلية تقتل 7 فلسطينيين بمخيم النصيرات في وسط غزة

GMT 16:46 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

صورة إعلان «النصر» من «جبل الشيخ»

GMT 22:23 2024 الخميس ,19 كانون الأول / ديسمبر

إصابة روبن دياز لاعب مانشستر سيتي وغيابه لمدة شهر

GMT 06:15 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

جنبلاط وإزالة الحواجز إلى قصرَين

GMT 18:37 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

مصر تحصل على قرض بقيمة مليار يورو من الاتحاد الأوروبي

GMT 10:01 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

الزمالك يقترب من ضم التونسي علي يوسف لاعب هاكن السويدي

GMT 19:44 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

هزة أرضية بقوة 4 درجات تضرب منطقة جنوب غرب إيران

GMT 14:08 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

استشهاد رضيعة فى خيمتها بقطاع غزة بسبب البرد الشديد

GMT 14:09 2024 الخميس ,19 كانون الأول / ديسمبر

كوليبالي ينفي أنباء رحيله عن الهلال السعودي

GMT 03:37 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

أحمد الشرع تُؤكد أن سوريا لن تكون منصة قلق لأي دولة عربية
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab