بقلم - طارق الحميد
نحن أمام بحر من التصريحات الأميركية والأوروبية حيال إيران والمفاوضات النووية في فيينا، وكذلك تجاه الحوثيين، وأضف لها التصريحات الصادرة من واشنطن تجاه الروس على خلفية الأزمة الروسية – الأوكرانية.
كلها تصريحات من دون أفعال، وبلا عواقب تذكر، ولا ينتظر منها أي شيء، والأكثر أهمية، بالنسبة لمنطقتنا، أن كل محظور قد تحقق، وكل خط أحمر تم تجاوزه، وليس اليوم فقط، بل منذ عام 2011.
استخدم بشار الأسد الكيماوي ضد شعبه، ولم يحدث شيء، والميليشيات الإيرانية تجوب المنطقة من لبنان إلى سوريا، وفي اليمن، وعاثت وتعيث فساداً في العراق. ميليشيات تهدم مفهوم الدولة ونسيجها الاجتماعي، ولم يفعل الغرب، وعلى رأسه الولايات المتحدة، شيئاً.
وقد يقول قائل إنه لا ينتظر من واشنطن أن تخوض حروب المنطقة، وإن أولوية الإدارة الأميركية هي خدمة المواطن الأميركي، وهذا صحيح تماماً، وليس مطلوباً من الولايات المتحدة أن تخوض حرباً بالنيابة.
المطلوب بسيط جداً، وهو ألا تمنح الولايات المتحدة، أو الأوروبيون، الإيرانيين ما لا يستحقونه، ولا يملكونه. للفرنسيين مثل، لبنان ليس ملكاً لـ«حزب الله»، بل إنه محتل من قِبل الميليشيا الإيرانية.
وللأميركيين أيضاً، العراق ليس ملكاً لإيران، والشيعة من أبناء العراق ولبنان، وغيرهما من الدول، هم الرافضون للنفوذ الإيراني. وسوريا ليست إيرانية، ولا دولة مجاورة لإيران، والخطأ التاريخي السياسي لا يعني واقعاً جغرافياً.
وعليه، فإن المطلوب من واشنطن والغرب هو عدم التعامل مع أمن منطقتنا باستهتار، بل أن يؤخذ أمن دولنا واستقرارها على محمل الجد، ومن خلال معرفة أن الإرهاب واحد، سواء كان سنياً أو شيعياً.
«القاعدة» و«داعش» لا يقلان خطراً عن «حزب الله» أو «عصائب أهل الحق» والميليشيات الإيرانية المنتشرة بسوريا، أو الحوثيين، فكل منهم وجهان لعملة واحدة، عناصر وقيادة.
والمطلوب هو عدم التساهل في المفاوضات مع إيران، وحصرها فقط بالملف النووي، وإنما منع إيران من تمويل وتسليح الإرهاب والميليشيات في المنطقة. وأن يكون هناك تنسيق جاد لضرب أذرع إيران بالمنطقة، فلا مفاوضات جادة من دون عصا وجزرة.
ولا يمكن إعادة فرز العدو بالنسبة لأميركا، أي الصين، أو مجابهة الروس، وتجاهل النظام الإيراني المخرب والممول للإرهاب والإرهابيين. ولا يمكن القول إن المنطقة ودولها لم تتغير، وإن واشنطن لا تكترث لحماية «تقليديين»، فهذا غير صحيح، حيث لدينا محور اعتدال عربي حقيقي يبحث عن سبل الحياة، وليس الحروب والدمار كالنموذج الإيراني. والدليل أن الخلل في واشنطن، مثلاً، التجاهل الأميركي لحليفتهم إسرائيل، ومواقفها من العدوان الإيراني في المنطقة. إسرائيل، مثلاً، تعلن صراحة أنها غير ملزمة بما ينتج عن فيينا، وترى أنها بوصلة التأمين ضد امتلاك إيران للسلاح النووي.
ولذا، فإن التصريحات الأميركية ما هي إلا محاولة لتدوير الأزمات، ومنها تصريحات الرئيس بايدن عن إمكانية إعادة الحوثيين إلى قوائم الإرهاب، والحقيقة أن شطبهم كان خطأ، والتأخر في إعادتهم للقائمة خطأ، والتساهل ضد إيران خطأ أكبر.
ملخص القول: على الدول أن تتصرف كدول، وما بالك إذا كانت الدولة بحجم الولايات المتحدة، وقوتها!