الخطاب المؤدلج عندما تكون للأجندة فيه نصيب

الخطاب المؤدلج... عندما تكون للأجندة فيه نصيب!

الخطاب المؤدلج... عندما تكون للأجندة فيه نصيب!

 العرب اليوم -

الخطاب المؤدلج عندما تكون للأجندة فيه نصيب

بقلم - زهير الحارثي

قبل بضع سنوات خرج أحد المشايخ السعوديين معتذراً للسعوديين عما اقترفته «الصحوة» في حق المجتمع، معترفاً بالأخطاء التي ارتُكبت، وهي شجاعة وبادرة جريئة لافتة تحسب له بغض النظر عن أي شيء آخر.
كان الأمير خالد الفيصل من أوائل من حذّروا من خطورة هذا الفكر؛ فقبل أكثر من عقدين حذّر من التطرف الديني في زمن الصحوة. الأمير لم يكن يتحدث من فراغ؛ فالأمر جلل بكل تأكيد ولم يكن بعيداً عن الساحة وهو المثقف الفطن، لا سيما أن ثمة مناطق آنذاك كانت معقلاً لإنتاج هذا الخطاب المتشدد عبر رموز وقيادات صحوية استغلت البيئة المحافظة لزرع آيديولوجيتها. كان الأمير مستوعباً لمكنون الخطاب ومدركاً لأبعاده ومستشرفاً لمآلاته المستقبلية. حديث الأمير لم يستوعبه الكثيرون رغم أهميته؛ كون الغالبية كانت مدجنة وغير مدركة لما يُخطط لها، غير أن الأمير المخضرم بألمعيته وحدسه استطاع فضح مخططاتهم وكشف أجندتهم بطرح موضوعي وعقلاني كان للوسطية والوطنية النصيب الأكبر فيه.
وتمضي الأيام ليأتي ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، وعرّاب «رؤية 2030» ليؤكد بشفافية خطورة مشروع الصحوة، مؤكداً أن المملكة لم تكن كذلك قبل 1979. يقول «نحن فقط نريد العودة لما كنا عليه، الإسلام الوسطي المعتدل المنفتح على العالم وعلى جميع الأديان وعلى جميع التقاليد والشعوب، وبكل صراحة لن نضيّع 30 سنة من حياتنا في التعامل مع أي أفكار متطرفة، سوف ندمرهم اليوم بإذن الله».
نعلم أنه وفي هذا السياق شكلت ثقافة الممانعة نمطاً من وعي التخلف في عمقها وفي تركيبتها من مفاهيم وتقاليد وممارسات، فعرقلة مسار التطور الإنساني، يكشف عن أن ثمة تخلفاً فكرياً ترسّخ في الحياة الاجتماعية؛ ما سمح له بصناعة قناعاته وعاداته السلبية؛ ولذا أهم صوره تتمثل في غياب العقلانية وتشويه الحقائق وتزييفها، والاهتمام بالشكليات على حساب المضمون. يرى البعض أن هناك تناقضاً ما بين بعض العادات والتقاليد وضرورات العصر ومتطلباته؛ ما يعني أن المسألة هنا لا تتعلق بالشرع أو بالنصوص الدينية وإنما حالة من الاشتباك والتداخل ما بين النص والعادة خلقها بعض المتزمتين في أذهانهم وعقول غيرهم، ولا سبيل لإنقاذهم سوى فك هذا الاشتباك المتخيل في الذهن.
تعرض تيار الصحوة اليوم لهجوم شعبي غير مسبوق لكونه ساهم في تعطيل المسار التنموي وطمس الوعي الاجتماعي وأعاق كل تحول إيجابي. جاء اعتراف عايض القرني آنذاك ليخلق جدلاً في المملكة ما بين مؤيد ومعارض. فئة ترى أن الاعتذار ليس كافياً، وآخرون طالبوا بقية الرموز بحذو ما قام به القرني. الرجل كان يمثل أحد الرموز المؤثرة للحركة آنذاك وتمثل السرورية لب فكرها (خليط ما بين النهج السلفي مع الحركي الإخواني) ولعب رموزها وقتها دوراً معارضاً للدولة وسلوكاً متشدداً ومتزمتاً تجاه المجتمع في الثمانينات، ومارسوا التصعيد مروراً بمذكرة النصيحة، ومن ثم موقفهم الشهير مع صدام أثناء حرب الخليج حتى حدوث المواجهة معهم بعد تحريضهم لأعمال العنف في أحداث بريدة 1994. بعد خروجهم من السجن في نهاية التسعينات لم يتوقفوا عن المشاكسة والمماحكة لتأتي أحداث 11 سبتمبر (أيلول) والذين تعاطفوا مع مرتكبيها وشهدت خطاباً تحريضياً لتكريس الكراهية والصدام العنفي مع الآخر. كثير من معتنقي التيار الصحوي انخرطوا في الجماعات المتطرفة، وكان محفزهم في هذا المسار خطاب رموز الصحوة الذين ظلوا يدفعونهم للذهاب إلى المناطق الملتهبة مباركين عملياتهم الإرهابية.
نحو أربعين عاماً ومجتمعنا ظل تحت هيمنة الصحوة ونفوذها في أغلب مؤسسات الدولة، واشتغلت على وضع برامجها بعدما شكّلت البيئة الحاضنة لها. تلاشت الفنون والآداب ووسائل الترفيه، وتم التضييق على المرأة وضُخ المجتمع بجرعات وعظية لدفعه نحو القطيعة مع قيمة الحياة وإقحامه في عزلة ظلامية. أقنعوا آلاف الشباب بالجهاد ليصبحوا أدوات وضحية مشاريع تدميرية في بلدان عدة. التحريم كان هو الأصل والإباحة هي الاستثناء، وظل خطاب الصحوة بشموليته هو المهيمن والأداة التي يستخدمها أيٌ من كان لقمع من يريد إسكاته أو يخالفه الرأي. أصبح من ينتمون إلى هذا التيار فكراً لهم الصدارة والحظوة والمكانة الاجتماعية، في حين من لا يساير فكرهم وتوجهاتهم يُصنّف زنديقاً أو فاسقاً لدرجة التشكيك في عقيدته وأخلاقه.
الصحوة لم تكن جماعة دعوية، بل كياناً ثورياً متلوناً ومنظومة سياسية خفية بدليل أدبياتها وخطاباتها المطروحة في تلك الفترة، علاوة على الطموح السياسي الذي تناغم مع المشروع الإخواني العابر للقارات. أحد الأساليب الذكية للهيمنة على المجتمع كانت توظيف الدين واستغلاله للسيطرة والوصاية على المجتمع، وبالتالي فرض فكرها وبرامجها ومشاريعها فكان ثمة استسلام مجتمعي منذ الثمانينات.
من المهم أن يدرك ويستوعب الجيل الحالي فداحة ما حدث في العقود الماضية، وأن يكون يقظاً ونابهاً؛ حتى لا يتكرر خطف المجتمع مرة أخرى. إدراك قيمة الوعي والثقافة في عصر توفرت فيه وسائل العلم والمعرفة، بات ضرورة وليس ترفاً من أجل مستقبل أجيالنا القادمة، ناهيك عن ضرورة حضور القرار السياسي؛ لأنه أثبت قدرته على إحداث التغيير متى ما أراد ذلك بغض النظر عن الممانعة الآيديولوجية أو الاجتماعية.

arabstoday

GMT 13:05 2024 السبت ,05 تشرين الأول / أكتوبر

حزب الله بخير

GMT 11:57 2024 الثلاثاء ,01 تشرين الأول / أكتوبر

مرحلة دفاع «الدويلة اللبنانيّة» عن «دولة حزب الله»

GMT 11:55 2024 الثلاثاء ,01 تشرين الأول / أكتوبر

هل هذا كل ما يملكه حزب الله ؟؟؟!

GMT 20:31 2024 الجمعة ,13 أيلول / سبتمبر

عشر سنوات على الكيان الحوثي - الإيراني في اليمن

GMT 20:13 2024 الخميس ,12 أيلول / سبتمبر

صدمات انتخابية

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الخطاب المؤدلج عندما تكون للأجندة فيه نصيب الخطاب المؤدلج عندما تكون للأجندة فيه نصيب



إطلالات الأميرة رجوة الحسين تجمع بين الفخامة والحداثة بأسلوب فريد

عمّان ـ العرب اليوم

GMT 07:48 2024 الأربعاء ,04 كانون الأول / ديسمبر

إطلالات ميغان ماركل في 2024 جمعت بين الرقي والبساطة
 العرب اليوم - إطلالات ميغان ماركل في 2024 جمعت بين الرقي والبساطة

GMT 09:17 2024 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

غضب صلاح من بطء مفاوضات ليفربول واهتمام من باريس سان جيرمان
 العرب اليوم - غضب صلاح من بطء مفاوضات ليفربول واهتمام من باريس سان جيرمان

GMT 09:23 2024 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

نصائح قبل شراء طاولة القهوة لغرفة المعيشة
 العرب اليوم - نصائح قبل شراء طاولة القهوة لغرفة المعيشة

GMT 08:28 2024 الأربعاء ,04 كانون الأول / ديسمبر

منة شلبي توجّه رسالة شكر لجمهور السعودية بعد نجاح مسرحيتها
 العرب اليوم - منة شلبي توجّه رسالة شكر لجمهور السعودية بعد نجاح مسرحيتها

GMT 05:57 2024 الإثنين ,02 كانون الأول / ديسمبر

المحنة السورية!

GMT 07:17 2024 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

اليمامة تحلّق بجناحي المترو في الرياض

GMT 19:01 2024 الإثنين ,02 كانون الأول / ديسمبر

6 قتلى في قصف للدعم السريع على مخيم للنازحين في شمال دارفور

GMT 22:51 2024 الإثنين ,02 كانون الأول / ديسمبر

الجيش الإسرائيلي يأمر بإخلاء شمال خان يونس "فوراً" قبل قصفه

GMT 20:03 2024 الإثنين ,02 كانون الأول / ديسمبر

القبض على موظف في الكونغرس يحمل حقيبة ذخائر وطلقات

GMT 20:27 2024 الإثنين ,02 كانون الأول / ديسمبر

دعوى قضائية على شركة أبل بسبب التجسس على الموظفين

GMT 22:06 2024 الإثنين ,02 كانون الأول / ديسمبر

إيقاف واتساب في بعض هواتف آيفون القديمة بدايةً من مايو 2025

GMT 08:16 2024 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

وفاة أسطورة التنس الأسترالي فريزر عن 91 عاما

GMT 18:35 2024 الإثنين ,02 كانون الأول / ديسمبر

العراق ينفي عبور أي فصيل عسكري إلى سوريا

GMT 18:29 2024 الإثنين ,02 كانون الأول / ديسمبر

قصف إسرائيلي على مناطق جنوب لبنان بعد هجوم لحزب الله

GMT 17:20 2024 الإثنين ,02 كانون الأول / ديسمبر

هنا الزاهد توجه رسالة مؤثرة إلى لبلبة

GMT 18:45 2024 الإثنين ,02 كانون الأول / ديسمبر

ولي العهد السعودي يستقبل الرئيس الفرنسي في الرياض

GMT 11:32 2024 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

الاحتلال ينسف مبانى بحى الجنينة شرقى رفح الفلسطينية
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab