بقلم - فهد سليمان الشقيران
تمثل رحلة أنباء «المشروع الغربي» للخروج من أنفاق الظلام إلى عتبات التنوير أنموذجاً بحق للخروج البشري الكبير من حقبة مليئة بالكهوف الظلامية المؤلمة باستبدادها إلى مرحلة تعتبر من أكثر مراحل الازدهار في التاريخ البشري.
كما تمثل تلك الرحلة النموذج المُركّز الذي يوزّع تنسيق الأفكار وترتيبها بالنسبة للباحث العربي، وربما كان ذلك الاقتناع بالنموذج هو «المشترك الوحيد» بين دعاة التنوير المتضمن تنويرهم «قطيعةً ما».
ذلك الاشتراك في نموذجية تلك الرحلة صيّر التدوين الذي كتب عربياً في سبيل توصيف طريقة الخروج الغربي إلى ساحة لتشكيل نمط الخروج وفق زوايا الرؤية التي ينطلق منها كل طرف، حيث تشكّل الخطة الأولى للخروج من كهوف الظلام مثاراً لمعارك طاحنة لا تنتهي.
كل ذلك - ربما - لاختلاف مستويات «القطيعة» المراد فعلها وفق مرجعيات كل طرف، والممانعة لا تأتي إلا بعد تعديلٍ ما على نموذج الخروج الغربي وتصويره تصويراً جديداً يتفق مع إرادة الفعل التي يطمح إليها كل طرف. وتتعارك أولويات كثيرة، وفق بيانات مؤلفة/ فئة تضع التغيير «السياسي» درجة السلم الأولى، وأخرى ترى في «التغيير الثقافي» الأولوية القصوى لتصديع كل البنى العائقة عن ولوج قصر النور البعيد واللحاق بركب التاريخ الذي ركلَنا خارج ركْبه منذ قرون.
حينما تدوّن تجربة «المشروع الغربي» للخروج، تدوّن بنصوص لها أطيافها المحلية، حيث نجد من يحصر المشروع الغربي بانتقاءات تبرهن على رؤية مفادها أن المشروع الغربي كله، قام على أنقاض «كنيسة» كما يشرح بوضوح – هاشم صالح في مدخل إلى التنوير الأوروبي - وبين من يشرح - أعني مطاع صفدي - أن «تاريخ التنوير الغربي هو تاريخ تحوّلات أصلاً، وأن التنوير ليس حادثاً ولا عصراً ولا تاريخاً، وإنما «ندرة التناهي».
ويبين أن اللحظات النادرة التي تؤرخ تمظهرات كينونة للحداثة، والتي يسميها «ميشيل فوكو» الابستميات هي لحظات ندرة التناهي، آخذاً على السؤال العربي للفلسفة أنه لم يحقق لحظة أبستمية واحدة على طول تاريخه» وثالث و- هو علي حرب - يرى أن المشروع الغربي انبنى على ولادات متتالية للحظات تنتج مفاهيم جديدة، حيث يتعامل المختبر الفلسفي الغربي الحديث مع الفلسفة لا بوصفها نظريات شاملة محصّنة ضد النقد والمساءلة، وإنما بوصف كل الإنتاج الفلسفي يبقى ثرياً بـ «المفاهيم» التي تخصّب فعل التأويل، ليطغى المفهوم على النظرية. وللحديث تتمة.