بقلم : فهد سليمان الشقيران
تشهد السعودية نقلة استثنائية في كافة المجالات؛ وحفلات الترفيه، ومهرجانات التكريم للمبدعين من شتى أنحاء العالم، صفقة كريستيانو رونالدو، ثم يصم آذانك بعض الأدعياء من حراس الحقيقة، وأدعياء الحماية للشريعة ما يجعلك تشعر بالشفقة عليهم.
جورجينا ورونالدو صرحا بأنهما مستمتعان بالسعودية الجديدة؛ التي جمعت بين الحفاظ على المفيد من التراث والفلكلور والأصالة، وبين الانفتاح على التقنية والحداثة.
الترفيه مفهوم عام، يشمل كل ما يخفف من أعباء الإنسان في الحياة. وحين يكون الترفيه مرتّبًا مرعيًّا ضمن عملٍ مؤسسي، فإنه يساهم في تمتين معنى الدولة، ويغذي المجتمع معرفياً، ويرفد الجانب التربوي للأجيال الصاعدة، هذا مع كون الترفيه عملاً حيوياً يُعنى بالتواصل مع الأشياء والعلاقة مع الآخرين، وصقل الذوق، والتدرب على تحسين الاختيارات، مما يسهم في القدرة على تقليل مستوى الضغط الاجتماعي المؤذي سياسياً.
للترفيه نتائجه الكبرى المفيدة تنموياً، والمعينة على إسهام المجتمع وتفاعله مع السياسي في اتخاذ الإجراءات الصائبة تنموياً واقتصادياً واجتماعياً، فالمجال الترفيهي بقدر ما هو رحب، فإنه يعزز من كفاءة الإنسان في وجوده ومحيطه. جزء كبير من الاحتقان المنتج للتطرف، والهيجان المسبب للاضطرابات الواقعية، وانتشار الظواهر الفجّة أمنياً وأخلاقياً، سببه الاختناق في الواقع من دون أي نفسٍ ترفيهي، وهذا على المدى البعيد له نتائجه الكارثية سياسياً. بالترفيه يمكن أن نحمي دولتنا ومؤسساتها، لنتجاوز تاريخية العيش المكرر، حيث اجترار الوقت ومضغه، من دون أي وسيلة تجدد الرؤية، وتصقل الموهبة، وتعين على نوائب الدهر. كل بيئة تخلو من ترفيه مؤسس، تنتعش فيها أعمال العنف المقدّس.
ولنعد إلى أطروحة مهمة لباربرا ويتمر، المعنونة بـ«الأنماط الثقافية للعنف»، ترى الكاتبة فيه «أن الأنماط الثقافية للعنف هي أشكالٌ من القبول التي تعبّر عنها خطب الرموز والمؤسسات والمعتقدات، والمواقف والممارسات الاجتماعية في الثقافة، ويشير العنف إلى إيذاء أو تدمير الجسد، أو العلاقة التي يقوم بها شخص ضد الآخر، أو جماعة ضد أخرى». ثم تشير إلى دور الثقافة في النأي بالعنف عن أنماطه، إذ «التعبيرات الخلّاقة في المجتمع، هي التي تتجسّد في هندسة البناء والموسيقى والعلوم والمؤسسات التعليمية والفنون التطبيقية».
بالفنون، والترفيه، يمكن تأسيس نمط من الفهم للآخر، وللعالم المختلف، وللثقافات المتنوّعة. تذوي الحقائق الصماء بفضل شمس الفن ونور الترفيه، لأنه يمتاز عن التثقيف بكونه ليس رسالياً أو مباشراً في تأثيره، بل له مخاتلته، كما أنه مرغوب من أكثرية المجتمع، بعكس النظرية الثقافية أو التغيير بالكتاب والقلم والقصّة. وحين يتأسس مجال رحب مشبع بالترفيه تتصاعد الرغبة في الحياة، وتخفّ عدوى اليأس، ويكسّر جليد المقاومة للآخر، والمعاندة له، ونهبط من عليائنا النرجسية التاريخية إلى الأرض، حيث البشر الآخرون، والأمم المشاركة لنا بهذا الكوكب.
الإنسان كائنٌ ضاحك، يقاوم حيرته بالسخرية، ويباغت وجوده بالحركة والقول، ويؤنس وحشته بالحوار، ويذلّل من أسئلته الكبرى عبر توزيعها على شخصياتٍ تتكوّن منها مسرحيّته في ذهنه ووجوده، ومن المسرح انطلقت الرؤية الحوارية الحقّة، حيث تسلسل الأفكار بين المتحاورين، وتكثيف الرؤى بين الشخصيات المتناورة على المسرح، ولأن المسرح ليس منبراً، فإنه يعزز من دور المشاهد الحاكم على هذه الصيغة المطروحة، ويناشده أن يشاركه المسرح من خلال عينه، أو ضحكته، تصفيقه أو امتعاضه. ولأن المسرح هو الأب الروحي للفنون، والمنصّة الأكثر سحرًا وإدهاشًا في تاريخ البشر، فيمكن اعتباره أساسياً في مجال الترفيه. في العصر اليوناني بدأ المسرح متنقّلاً بين المدن بالركح الخشبي، إلى أن أصبح لكل مدينة مسرحها، به ينفذ الفكر والشعر، وتطرب الأذن والعين، ويغذّى العقل، هكذا كان الإنسان منذ خمسمائة سنة قبل الميلاد.
الأمير محمد بن سلمان في حوارٍ معه، كانت رؤيته حول الترفيه واضحة فصيحة، حين أجاب: «مستوى دخل السعودي من أفضل دول العالم، لكن المشكلة أنه لا توجد الأدوات التي يستطيع أن ينفق فيها هذا الدخل، بشكلٍ ينعكس على رفاهيته في الحياة». جاءت هيئة الترفيه، وستحطّ الشركات الترفيهية الأجنبية بالسعودية، لصناعة بيئة رحبة. الترفيه ليس ترفًا، بل عصب أساسي ومكوّن رئيسي، من دونه لا يكتمل وجود الإنسان الحقيقي. وقد أكد ذلك، في آخر حواراته قبل شهور مع «ذا أتلانتيك»، أن الخلاف حول الفقهي له وروده، ولكن للمصلحة قوتها الشرعية والسياسية.