مع ألتوسير سؤال الفلسفة والدين

مع ألتوسير... سؤال الفلسفة والدين

مع ألتوسير... سؤال الفلسفة والدين

 العرب اليوم -

مع ألتوسير سؤال الفلسفة والدين

بقلم - فهد سليمان الشقيران

لم تعد الفلسفة محصورة بالموضوعات التقليدية ولا بالأبحاث الكلاسيكية حول العالم وأصله، والدين وجذره، والوجود وسرّه، بل تشظّت مجالاتها لتدخل مع الموجات والصرعات الحديثة اللغوية والعلوم الإنسانية لفضاءات أوسع وأكثر حيوية وغنى؛ الأنثربولوجيا، واللسانيات، والتكنولوجيا، والذكاء الصناعي... كلها موضوعاتٍ فرضت نفسها على الفلسفة لتتجاوز بها الأبحاث حول الدين والأخلاق. جزء أساسي من سبب رفض التقليديين المطلق للفلسفة ربطهم لها بسجالات الحقيقة والخير والشر، بينما ثمة مجالات عديدة أغنتها الفلسفة حين احتكّت بها، فالأنثربولوجيا أثرت على الفلسفة وأثرت عليها، كما في الأبحاث التي تتعلق بجيوب صناعة الحقيقة التي يطلق عليها فلاسفة ما بعد الحداثة بأنها اللامفكَّر فيه، أو المسكوت عنه، أو المضمر خلف جدار إنتاج صناعة الحقيقة، ومعمل تدبيج المقولة.
يرجع ألتوسير سبب هذا التجذير لمقولات الدين والحقيقة في المجال الفلسفي إلى كون البحث في أصل العالم جزء من أبحاث الفلاسفة تقليدياً، جرت العادة أن تكون لدى الفيلسوف رؤيته في الحقيقة، والدين، والسياسة، وأحياناً يكتب في الجمال أو التربية. يكتب ألتوسير في كتابه «تأهيل الفلسفة إلى الذين هم ليسوا بفلاسفة»: «كان في الإمكان التفكير بطريقة أخرى، التفكير وفق (مشكليّة) مختلفة تماماً، وفي الأوقات الصعبة نفسها نسبة إلى الفلسفة، هو وجود تقاليد غير التقاليد المثاليّة: التقاليد المادّيّة، التي لم تكن تفكِّر خارج الدين وحسب، بل أيضاً خارج المسائل الدينيّة المحوَّلة إلى مسائل فلسفيّة، وبالتالي على (أساس) مختلف تمام الاختلاف، وفق (مشكليّة) مختلفة تمام الاختلاف، بكشف المسائل التي لا معنى لها وبالتخلّي عنها. ليس لهذه الملاحظات القليلة سوى هدف واحد: إظهار أنّ علاقة الفلسفة بالدين ليست علاقة بسيطة، ولا هي علاقة (خالصة)، تكون الفلسفة فيها عقلاً خالصاً على الدوام، ويكون الدين خَطَلاً ودجلاً اجتماعيّاً ليس إلّا. لا لكون الدين، في شروط معيّنة من الصراع الاجتماعيّ، وهي، والحقّ يقال، نادرة جدّا حتّى الآن، يستطيع أن يكون شيئاً آخر غير مجرّد إذعان، وحَسْب، بل كذلك لكون الفلسفة ليست محدَّدة بعلاقتها بالدين، وبالمسائل الدينيّة فقط؛ نظراً إلى أنّ خلف هذه العلاقة، وباتّخاذها مواقف محض فلسفيّة، إمّا مثاليّة، وإمّا مادّيّة، لها كذلك معتركات أخرى، تجعلها تأخذ أو تترك المسائل الدينيّة المتعلّقة بأصل العالم وبمعنى الوجود والتاريخ الإنسانيين. ليس اتّخاذ المواقف هذا متوقّفاً على وجود الدين: إنّها مواقف تُحيل إلى تعارضات فِكَر وتوجّهات، يتعذّر تفسيرها خارج النزاعات الاجتماعيّة الكبرى، الآيديولوجيّة والسياسيّة، التي تهزّ تاريخ العالم».
لكن ما سبب هذا الربط التاريخي بين الفلسفة والبحث في الدين؟ يجيبنا الفيلسوف «كلّ ذلك سيجد تفسيره فيما يلي. لكن إذا كانت مسائل الفلسفة قد جاءت، في معظمها، من الدين أوّلاً، يتوجب بالتأكيد طرح سؤال: وماذا عن كُنْهِ الدين سؤالٌ صعب. لم يكن الدين، بالنسبة إلى معظم البشر، على مدى التاريخ الإنساني المديد، يطرح أي مسألة، ولم يكن ينطوي على ما هو غامض في شيء. ذلك أنّه كان يجيب بنفسه عن السؤال بالخدمات التي يوفّرها، ولأنّه، بكلّ بساطة، كان يندرج في صميم نظام الأشياء، بمثابة (بديهيّة) لا تستدعي النقاش. كان حاضراً، ممثَّلاً بكهنته، بكنائسه، بأساطيره وعقائده، بأسراره وشعائره. كان حاضراً كحقيقة الأشياء، كي يقول هذه الحقيقة، ويعلِّمَها، ويجعلها تسود بين البشر. كان مُقيماً، معترَفاً به، مدعوماً من الدولة. ولمّا كان نظام الأشياء، عندما يجري تمجيده، ينقلب دائماً لصالح الطبقة المسيطرة، كان يُستنتَج من ذلك دائماً أنّ الدين، حسب تعبير يعود لماركس في شبابه، هو فقط «أفيون الشعب»، مخدِّر يُستخدَم لتنويم انتفاضات المستغَلّين، وبالتالي لتقوية المستغِلّين في إحكام سيطرتهم. وبالفعل، يؤدّي الدين تماماً هذا الدور الآيديولوجي الطبقي في المجتمعات الطبقيّة كافّة، حتّى عندما يكون قسم من المؤمنين مندفعاً في الصراع الطبقي إلى جانب الثائرين مع ذلك. كان يوجد ما يشبه الدين قبل ظهور المجتمعات الطبقيّة بكثير، في المجتمعات المشاعيّة (البدائيّة)، وكان يؤدّي وظائف أخرى. كان بأساطيره عامل توحيد المجموعة المجتمعيّة في صراعها ضدّ الطبيعة، التي كانت تلك المجموعة تستمدّ منها أَوَدَها بصعوبة. وكان كذلك عامل تنظيم ممارساتها الإنتاجيّة، منادياً عبر سحرته أو كهنته بالأوقات المواتية للبذار وللحصاد وللصيد المائي أو البرّيّ، لجمع الناس وتنظيمهم في عمل جماعيّ. هكذا كان الكهنة يحوزون، بل يستبْقون لأنفسهم، معلومات معيّنة ذات طابع نظريّ، هو الذي يرسي سلطتهم على سواهم من الناس».
إن التأزيم الذي يتعمده البعض حين يربط مجال الفلسفة في مباحث الدين إنما يعبر عن نقص في الفهم الفلسفي وفي غرض السؤال الفلسفي. هذه المقولة في ربط الفلسفة بالبحث في الحقائق والخير والشر يتعرض له مجال الأنثربولوجيا الذي يتعرض لتقزيمه في البحث فقط عن تطوّر الإنسان، وهذا أيضاً فيه محاولة لربط الأنثربولوجيا تحديداً في مجال تطوّر الخلق. إن التضخم في المحتوى الديني لدى جموع من المسلمين خلق حساسية تجاه عددٍ من العلوم وتقزيم أدوارها ومجالات بحثها. لقد تحوّلت الفلسفة منذ الثلث الأول من القرن العشرين لتدخل على تخوم مباحث غير اعتيادية، كما يفعل الفلاسفة المعاصرون اليوم بأبحاثهم حول الألعاب والرقص والموضات والسينما والموسيقى. البحث الفلسفي في الدين لم يعد أولوية فلسفية منذ بلوغ ذروة السؤال حول الدين لدى فيورباخ ملهم كارل ماركس تراجع مستوى الاهتمام بالسؤال عن الدين وحقيقته وعن الدين وأساطيره. ولذلك أردت القول إن فضاء الفلسفة أغنى مما يطرحه البعض وبخاصة لدى المسلمين... لنقرأ ما يكتبه فيلسوف من جذور مشرقية وإيرانية كداريوش شايغان، بحث في الدين ولكن ضمن فضاء فلسفي أغنى من البحث في حقيقة الدين، وآية ذلك أنه شرّح علاقة الدين بالهوية وبالأسطورة ولم يغرق بالبحث في هل هذه الرواية حقيقية أم باطلة، ولهذا تفصيل واسع.

arabstoday

GMT 20:40 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

عندما يعلو صوت الإبداع تخفت أصوات «الحناجرة»

GMT 06:23 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

المبحرون

GMT 06:20 2024 الأربعاء ,10 تموز / يوليو

قرارات أميركا العسكرية يأخذها مدنيون!

GMT 06:17 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

تسالي الكلام ومكسّرات الحكي

GMT 06:14 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

كيف ينجح مؤتمر القاهرة السوداني؟

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

مع ألتوسير سؤال الفلسفة والدين مع ألتوسير سؤال الفلسفة والدين



إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 07:35 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية
 العرب اليوم - قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية

GMT 22:00 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

كريستيانو رونالدو يدرس تأجيل اعتزاله للعب مع نجله
 العرب اليوم - كريستيانو رونالدو يدرس تأجيل اعتزاله للعب مع نجله

GMT 07:55 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة
 العرب اليوم - الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة

GMT 07:15 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

فيتامين سي يعزز نتائج العلاج الكيميائي لسرطان البنكرياس

GMT 06:15 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

1000 يوم.. ومازالت الغرابة مستمرة

GMT 09:46 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر

GMT 15:49 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

الاتحاد الأوروبي يؤجل عودة برشلونة إلى ملعب كامب نو

GMT 14:52 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

الرئاسة الفلسطينية تعلّق على "إنشاء منطقة عازلة" في شمال غزة

GMT 06:27 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الجيش الإسرائيلي يصدر تحذيرا لـ3 مناطق في جنوب لبنان

GMT 12:26 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الجنائية الدولية تصدر مذكرتي اعتقال بحق نتنياهو وغالانت

GMT 13:22 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

الرئيس الإيراني يناشد البابا فرانسيس التدخل لوقف الحرب

GMT 13:29 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

رئيس دولة الإمارات وعاهل الأردن يبحثان العلاقات الثنائية

GMT 14:18 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

شيرين رضا خارج السباق الرمضاني 2025 للعام الثالث علي التوالي

GMT 06:52 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

نتنياهو يعلن عن مكافأة 5 ملايين دولار مقابل عودة كل رهينة

GMT 14:17 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

نادين نجيم تكشف عن سبب غيابها عن الأعمال المصرية

GMT 09:07 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

"نيسان" تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان "نيسمو" الـ25

GMT 23:34 2024 الثلاثاء ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

يسرا تشارك في حفل توقيع كتاب «فن الخيال» لميرفت أبو عوف
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab